حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ١٠٨ لسنة ١٨ دستورية

حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ١٠٨ لسنة ١٨ دستورية
تاريخ النشر : ١١ – ٠٩ – ١٩٩٧

منطوق الحكم : عدم دستورية

مضمون الحكم : بشأن عدم دستورية بند ه من المادة الاولى من القانون رقم ٩٥ لسنة ١٩٤٥ بشأن التموين وعدم دستورية الفقرة الثانية من المادة ١٢ من القرار ٢٥٠ / ١٩٨٦

الحكم

باسم الشعب

المحكمة الدستورية العليا

بالجلسة العلنية المنعقدة يوم الاثنين الأول من سبتمبر سنة ١٩٩٧ الموافق ٢٨ ربيع الآخر سنة ١٤١٨ ه
برئاسة السيد المستشار الدكتور / عوض محمد عوض المر رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: عبد الرحمن نصير وسامى فرج يوسف والدكتور عبد المجيد فياض ومحمد على سيف الدين وعدلى محمود منصور ومحمد عبد القادر عبد الله.
وحضور السيد المستشار الدكتور / حنفى على جبالى رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / حمدى أنور صابر أمين السر
أصدرت الحكم الآتى

فى القضية المقيدة بجدول
المحكمة الدستورية العليا
برقم ١٠٨لسنة ١٨ قضائية دستورية
المقامة من

السيد / محمود حامد محمود
السيدة / ليلى حامد محمود
السيدة / نادية حامد محمود
السيدة / عزة حامد محمود
ضد
السيد / رئيس الجمهورية
السيد / رئيس مجلس الوزراء
السيد / وزير التموين
السيد / محافظ الجيزة
الهيئة المصرية العامة للبترول
شركة إسو إستاندرد – الشرق الأدنى
الإجراءات

بتاريخ ٧ أكتوبر سنة ١٩٩٦، أودع المدعون صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة ، طالبين الحكم بعدم دستورية الفقرة (ه) من المادة (١) من المرسوم بقانون رقم ٩٥ لسنة ١٩٤٥ الخاص بشئون التموين، والفقرة الثانية من المادة (١٢) من قرار وزير التموين رقم ٢٥٠ لسنة ١٩٨٦ فى شأن القواعد المنظمة لتداول المواد البترولية .
قدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم برفض الدعوى .
وبعد تحضير الدعوى ، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة ، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة .
حيث إن الوقائع – على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – تتحصل فى أن المدعين يملكون قطعة أرض فضاء رقمها ٩٥ شارع الجيزة ناصية شارع بن كثير، وقد استأجرتها منهم المدعى عليها الأخيرة ( شركة إسو استاندرد ) لتقيم عليها محطة لخدمة السيارات وتموينها، ثم زاولت نشاطها فعلاً فيها بعد أن جهزت محطتها هذه بما يكون لازماً لتسييرها وإدارتها بنفسها ولحسابها حتى انتهاء عقد إجارتها فى ٣١ / ١٢ / ١٩٩٠.
وإذ أقام المدعون ضدها الدعوى رقم ٤٥٢ لسنة ١٩٩١ إيجارات كلى شمال القاهرة بطلب الحكم بإخلائها من قطعة الأرض المشار إليها مع تسليمها إليهم؛ وذلك تأسيساً على انتهاء عقد الإيجار المتعلق بها، إلا أن المدعى عليها الأخيرة نازعتهم فى طلبهم إخلاءها، مستندة فى ذلك إلى نص المادة (١٢) من قرار وزير التموين والتجارة الداخلية رقم ٢٥٠ لسنة ١٩٨٦ التى حظرت على ملاك العقارات الكائنة بها محطات خدمة السيارات – حال انتهاء عقود استئجارها – تأجيرها أو استغلالها فى غير نشاطها الأصلى ، أو تركها دون مستغل يكفل استمرار العمل بها على الوجه المعتاد.
وبناء على دفاعها هذا، صدر قضاء محكمة أول درجة منتهياً إلى رفض طلب المدعين إخلاءها من العين المؤجرة مع انتهاء عقد إجارتها.
وقد طعن فى هذا الحكم استئنافيا كل من المدعين والمدعى عليها الأخيرة وذلك بالاستئنافين رقمى ٣٧٧٩ لسنة ١٠٩ قضائية و٤٩١٢ لسنة ١٠٩ قضائية على التوالى . وبعد أن قررت محكمة استئناف القاهرة ضمهما ليصدر فيهما حكم واحد، قضت فى أولهما بإخلاء المدعى عليها الأخيرة من العين المؤجرة إليها، وفى ثانيهما برفضه، مما حمل المدعى عليها الأخيرة على الطعن بالنقض فى الحكم الصادر ضدها، مع طلب وقف تنفيذه بصفة مؤقتة حتى يقضى فى موضوع الطعن. إلا أن محكمة النقض لم تجبها إلى طلبها هذا، ثم جرى تنفيذ الحكم الاستئنافى بعد رفض طلب وقف تنفيذه.
بيد أن المدعين فوجئوا بشرطة التموين تمنعهم من إنهاء نشاط المدعى عليها الأخيرة فى محطتهم تلك، بعد أن أصدر وزير التموين قراره رقم ١٤٨ لسنة ١٩٩٤ الذى أحال إلى أحكام المرسوم بقانون رقم ٩٥ لسنة ١٩٤٥ الخاص بشئون التموين، ونص فى مواده (١، ٢، ٣) على الاستيلاء فوراً على المحطة المشار إليها، مع تسليمها إلى المدعى عليها الأخيرة لإدارتها وتشغيلها، وتقدير مقابل الانتفاع المستحق للمدعين عن الاستيلاء عليها.
وإزاء ما ارتآه المدعون من مخالفة البند (ه) من المادة الأولى من المرسوم بقانون رقم ٩٥ لسنة ١٩٤٥ الخاص بشئون التموين، وكذلك الفقرة الثانية من المادة (١٢) من قرار وزير التموين والتجارة الداخلية رقم ٢٥٠ لسنة ١٩٨٦ للدستور، فقد دفع المدعون – أثناء نظر محكمة القضاء الإدارى لدعواهم رقم ٢٥٩٦ لسنة ٤٩ قضائية التى أقاموها بطلب الحكم بإلغاء قرار وزير التموين رقم ١٤٨ لسنة ١٩٩٤ المشار إليه – بعدم دستورية هذين النصين اللذين بنى عليهما قرار الاستيلاء على قطعة أرضهم المشار إليها.
وإذ قدرت محكمة الموضوع جدية الدفع بعدم الدستورية ، فقد أقاموا الدعوى الماثلة خلال المهلة التى حددتها محكمة الموضوع لرفعها.
وحيث إن المادة الأولى من المرسوم بقانون رقم ٩٥ لسنة ١٩٤٥ الخاص بشئون التموين المعدل بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم ٣٨٠ لسنة ١٩٥٦، تنص على ما يأتى :
يجوز لوزير التموين لضمان تموين البلاد ولتحقيق العدالة فى التوزيع أن يتخذ قرارات يصدرها بموافقة لجنة التموين العليا كل التدابير الآتية أو بعضها: ………
(ه) الاستيلاء على أية واسطة من وسائط النقل أو أية مصلحة عامة أو خاصة أو أى معمل أو مصنع أو محل صناعة أو عقار أو منقول أو أى مادة أو سلعة – وكذلك إلزام أى فرد بأى عمل أو إجراء أو تكليف وتقديم أية بيانات.
وتنص المادة (١٢) من قرار وزير التموين والتجارة الداخلية رقم ٢٥٠ لسنة ١٩٨٦على ما يأتى :
يحظر بغير ترخيص من المحافظ المختص، تغيير أو تعديل أنشطة محطات خدمة السيارات أو محال بيع المواد البترولية بكافة أنواعها سواء كانت تابعة للقطاع العام أو القطاع الخاص.
كما يحظر على ملاك العقارات الكائنة بها تلك المنشآت – حال إنهاء أو انتهاء عقود استئجارها بأية صورة من الصور – تأجيرها أو استغلالها فى غير النشاط الأصلى الذى أعدت له ولايجوز لهم كذلك تركها دون مستغل يكفل استمرار العمل بها على الوجه المعتاد. ويستمر مستغلها فى تشغيلها لحين انتقال الحيازة إلى مستغل آخر.
ويستحق المالك فى هذه الحالة تعويضاً وفقاً لأحكام المواد من (٤٣ إلى ٤٨) من المرسوم بقانون رقم ٩٥ لسنة ١٩٤٥ المشار إليه.
وحيث إن المدعين يؤسسون طعنهم بمخالفة الاستيلاء على العقار رقم ٩٥ بشارع الجيزة ناصية شارع بن كثير، لأحكام المواد (١٣، ٣٢، ٣٤، ٣٥، ٣٦، ٤٠) من الدستور، على الأوجه الآتى بيانها:
أولها: إهدار النصوص المطعون عليها للملكية الخاصة التى صانها الدستور كافلاً الحفاظ عليها، فلا يختص غير صاحبها بها لتعود إليه ثمارها دون إخلال بوظيفتها الاجتماعية . ولا تعنى سلطة المشرع فى تنظيم الحقوق، ترخصه فى مجاوزة الضوابط التى أقامها الدستور حدوداً نهائية لهذا التنظيم. كذلك فإن ما يقرره المشرع من القيود على حق الملكية لضمان أدائها لوظيفتها الاجتماعية ، يجب أن يظل مرتبطاً بالأغراض التى تتوخاها. وتخويل وزير التموين سلطة الاستيلاء على أى عقار دون ضوابط موضوعية ، وبغير قيود تتعلق بمدة الاستيلاء، عدوان مباشر على حق الملكية ، ينحل إلى انتزاعها نهائياً من مالكيها، ويعتبر مصادرة لها.
ثانيها: أن الأصل فى العمل أن يكون إرادياً قائماً على الاختيار الحر، فلايُحمل عليه المواطن حملاً. ولكن المشرع خول وزير التموين إكراه أى فرد على القيام بأى عمل دون مقابل ودون ضوابط، فلايكون إلا نوعاً من السخرة المجافية فى طبيعتها وغاياتها لنص المادة (١٣) من الدستور.
ثالثها: أن مالك أرض النزاع قد صار – عملاً بنص المادة الثانية من المادة (١٢) من قرار وزير التموين والتجارة والداخلية المطعون عليه – ملزماً بتكريسها محطة لخدمة السيارات وتموينها، فلا يخضع إلا لابتزاز من يتولون الأمر فيها، بعد أن صار مضطراً للجوء إليهم لاستغلال عقاره فى نشاطها.
رابعها: أن النصوص المطعون عليها تخل بتكافؤ الفرص بين المواطنين، وبتساويهم أمام القانون، ذلك أن مالك الأرض الفضاء يفقدها إلى الأبد إذا أجرها محطة لخدمة السيارات وتموينها، خلافاً لغيره من المواطنين الذين يؤجرونها لغير ذلك من الأغراض.
وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة – وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية – مناطها أن تتوافر ثمة علاقة منطقية بينها وبين المصلحة التى يقوم بها النزاع الموضوعى ، وذلك بأن يكون الفصل فى المسائل الدستورية التى تُدعى هذه المحكمة لنظرها، لازماً للفصل فيما يرتبط بها من الطلبات الموضوعية ؛ وكان البند (ه) من المرسوم بقانون رقم ٩٥ لسنة ١٩٤٥ الخاص بشئون التموين، وكذلك الفقرة الثانية من قرار وزير التموين والتجارة الداخلية المطعون عليهما، قد أضر تطبيقهما فى شأن المدعين بمصالحهم الشخصية المباشرة التى أثير النزاع الموضوعى لضمانها، فإن مصلحتهم فى الطعن الماثل تتحدد على ضوء الفصل فى دستورية هذا البند وتلك الفقرة دون غيرهما.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن صون الدستور للملكية الخاصة ، مؤداه: أن المشرع لايجوز أن يجردها من لوازمها، ولا أن يفصل عنها أجزاءها، ولا أن ينتقص من أصلها أو يعدل من طبيعتها أو يزيلها، ولا أن يقيد من مباشرة الحقوق المتفرعة عنها فى غير ضرورة تقتضيها وظيفتها الاجتماعية ؛ وكان ضمان وظيفتها هذه، يفترض ألا ترهق القيود التى يفرضها المشرع عليها جوهر بنيانها، ولا أن يكون من شأنها حرمان أصحابها من تقرير صور الانتفاع بها ؛ وكان الاستيلاء نهائياً على أموال بذواتها لايصون حرمتها، ولو ظل سند ملكيتها بيد أصحابها؛ وكان المشرع قد أطلق – بالنصوص المطعون عليها – زمن الاستيلاء من كل قيد، وصار بالتالى ممتداً فى الزمان دون حد ؛ وكان صون الملكية وإعاقتها لايجتمعان، فإن هدمها من خلال قيود ترهقها مع استمرارها أبداً، ينحل عصفاً بها، منافياً للحق فيها.
وحيث إن الدولة القانونية – على ضوء أحكام المواد (١، ٣، ٤، ٦٥) من الدستور – هى التى تتقيد فى كل تصرفاتها وأعما لها بقواعد قانونية تعلو عليها، فلا يستقيم نشاطها بمجاوزتها ؛ وكان خضوعها للقانون على هذا النحو، يقتضيها ألا يكون الاستيلاء على أموال بذواتها منتهياً إلى رصدها نهائيا على أغراض محددة ربطها المشرع بها ولا تزايلها، فلا تعود لأصحابها أبداً، ولا يكون اختيارهم لفرص استغلالها ممكناً، مما يقوض دعائمها؛ وكان تأبيد الاستيلاء على الأموال التى تعلق بها، ينتزعها عملاً ويفقدها مقوماتها؛ وكانت سلطة الاستيلاء هذه – حتى مع قيام الضرورة الملجئة التى تسوغ مباشرتها ابتداء – لايجوز أن يستطيل زمنها بما يجعلها قيداً دائماً على الملكية مُحَوِّر بنيانها، فإن القول بأن لمباشرتها أسبابا تقتضيها الوظيفة الاجتماعية للملكية ، لايكون صائباً.
وحيث إن الاستيلاء وفقاً للنصوص المطعون عليها ليس موقوتاً، بل متراخياً إلى غير حد، ولايجوز إنهاؤه؛ مؤداه: أن تخرج الأموال التى تعلق بها من يد أصحابها، فلا يباشرون سلطتهم عليها بل يُصَدٌون عنها ويجردون من الانتفاع بعناصرها، بما يعطل خياراتهم التى يرتضونها لاستغلالها، ويجعل الاستيلاء عليها معادلاً فى أثره لنزع ملكيتها فى غير الأحوال التى نص عليها القانون، وعلى غير الأسس التى حددها، وبعيداً عن القواعد الإجرائية التى رسمها، ودون تعويض يقابل قيمتها الحقيقية فى تاريخ نزع ملكيتها ؛ وكان اغتيالها على هذا النحويحيل أصلها عدماً، ويبلور كذلك أسوأ صور العدوان عليها، لاتخاذه الشرعية ثوباً وإطاراً، وإنحرافه عنها قصداً ومعنى ؛ فإن الملكية التى كفل الدستور صونها لا تكون فى إطار النصوص المطعون عليها، إلا سراباً.
وحيث إن الاستيلاء وفق أحكام النصوص المطعون عليها، وإن توخى أصلاً تحقيق أغراض يقتضيها ضمان إمداد البلاد باحتياجاتها من المواد التموينية مع توزيعها عدلاً بين مستحقيها، إلا أن هذه الضرورة ينبغى أن تقدر بقدرها، فلا يقوم قرار الاستيلاء على أموال بذاتها صحيحاً إذا ظل نفاذه متراخياً دون ضابط، بل كان إنحيازاً من الجهة الإدارية لعسفها، أو خياراً غير مبرر من جانبها. ذلك أن حرية التعاقد هى الأصل فى الإجارة وغيرها من العقود، فلا تنشئها إلا الإرادة الواعية ، وهى كذلك تقضيها، ولا يتصور أن تخلى هذه الحرية مكانها لإجراء ينال منها أو يقوضها، مالم يكن كافلاً لمصلحة مشروعة تربو عليها.
وحيث إن نزع ملكية بعض الأموال، وإن كان يفترض تعطيل وظائفها بإخراجها من حوزة أصحابها؛ وكان من المقرر أنه لايجوز لجهة الإدارة أن تعيد تنظيم نطاق المصالح التى يحميها حق الملكية إلا وفقاً للأحكام المنصوص عليها فى الدستور؛ وكان ثابتاً كذلك أن الملكية فى ذاتها لايجوز أن يؤول أمرها هزوا تبعا لثقل القيود التى تفرض عليها، وتتابعها وامتدادها زمناً مجاوزاً حد الاعتدال، فلا يبقى من منافعها شئ ذو قيمة ، فقد غدا لازماً توكيد أن الملكية وإن كان يجوز تنظيمها، إلا أن هذه السلطة التنظيمية لايجوز أن تجاوز بمداها الحدود اللازمة لضبطها، وإلا اعتبر إطلاقها من عقالها، وتجردها من كوابحها، أخذاً للملكية من أصحابها. ولئن كان هذا المعيار العام مرناً لا يتضمن حصراً لصور تطبيقه، إلا أن من البدهى أن ما يعتبر اقتحاماً مادياً ودائما للملكية ، لا يخرج عن أن يكون اعتصاراً لمحتواها. وكذلك الأمر كلما كان التنظيم التشريعى لحق الملكية ، حائلاً دون استعمالها اقتصادياً فى الأغراض المقصودة منها، أو معطلاً كل خيار لأصحابها فى توجيهها إنتاجياً وفق ما يقدرون أنه أكفل لمصالحهم.
ولايجوز أن يقال عندئذ بأن للدولة مصلحة مشروعة فى هذا التنظيم، من خلال ترتيبها لأوضاع تتصل بتطوير مجتمعها،واستثارة ملامحها الإيجابية ، ذلك أن مشروعية المصلحة حدها قواعد الدستور، إذ هى مدخلها وقاعدة بنيانها، ولا يتصور أن تقوم المصلحة على خلافها، وما الملكية إلا المزايا التى تنتجها وتتصل بها، فإذا انقض المشرع عليها، كان ذلك تجريداً لأصحابها منها.
وحيث إن من المقرر كذلك – وعلى ماجرى به قضاء هذه المحكمة – أن الدساتير المصرية على تعاقبها تكفل للمواطنين جميعهم تساويهم أمام القانون، ضماناً لتحقيق أغراض بعينها تتمثل أصلاً فى صون حقوق المواطنين وحرياتهم، فى مواجهة صور التمييز التى تنال منها هدماً لمحتواها أو تقييداً لممارستها.
وحيث إن الدستور وإن نص فى مادته الأربعين، على حظر التمييز بين المواطنين فى أحوال بذواتها، هى تلك التى يكون التمييز فيها قائماً على أساس من الأصل أو الجنس أو اللغة أو الدين أو العقيدة ، إلا أن إيراد الدستور لصور بذاتها يكون التمييز محظوراً فيها، يبلور شيوعها عملاً، ولايشى البتة باستناده إليها دون غيرها، وإلا جاز التمييز بين المواطنين فيما عداها مما لا يقل عنها خطراً مضموناً وأثراً، كتفضيل بعضهم على بعض بناء على المولد أو الثروة أو المركز الاجتماعى ، أو العصبية القبلية ، أو على أساس من ميولهم وأرائهم، أو لغير ذلك من صور التمييز التى تنفصل عن أسسها الموضوعية . ولا يتصور بالتالى أن يكون الدستور قد قصد إلى حمايتها، ولا أن تقرها السلطة التشريعية فى مجال تنظيمها للحقوق والحريات على إختلافها ؛ ولايجوز كذلك أن يكون إعمال السلطة التنفيذية – فى مجال مباشرتها لاختصاصاتها الدستورية – لمبدأ تساويهم أمام القانون، كاشفاً عن نزواتها، ولا منبئاً عن اعتناقها لأوضاع جائرة تثير ضغائن أو أحقاد تنفلت بها ضوابط سلوكها، ولاهشيماً معبراً عن سطوتها، بل يتعين أن يكون موقفها إعتدالاً فى مجال تعاملها مع المواطنين، فلا تمايز بينهم إملاءً أوعسفاً.
وحيث إنه متى كان ذلك، وكان الاستيلاء على أموال بذواتها – وكلما كان موقوتاً – يعتبر صحيحاً ما ظل مرتبطاً بأغراض ضمان توفير المواد التموينية مع توزيعها عدلاً بين من يطلبونها. فإذا صار الاستيلاء مؤبداً، كان تقريره على الأموال التى تعلق بها منطوياً على حرمان أصحابها منها دون غيرهم من المواطنين الذين يملكون وفقاً للدستور فرص استعمالها واستغلالها بل ونقل ملكيتها إلى آخرين، فلا تعود ثمارها ومنتجاتها وملحقاتها لسواهم.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن الأصل فى العمل أن يكون إرادياً قائماً على الاختيار الحر، فلا يُحمل عليه المواطن حملاً، إلا أن يكون ذلك تدبيراً استثنائياً مقرراً بقانون، ومستنداً إلى دواع تقتضيها الخدمة العامة ، وبمقابل عادل؛ وكان ذلك مؤداه: أن العمل – وكلما فُرض جبراً – يتعين أن يكون موقوتاً، فإذا صار مؤبداً، تعذر أن يكون مبرراً بالضرورة أياً كان مداها، وغدا لوناً من السخرة التى دمغها الدستور لمجافاتها للحق فى العمل باعتباره شرفاً؛ وكانت السلطة التى خولها المشرع لوزير التموين تتضمن – بين ما تشمل عليه – إمكان قهره لأى فرد على أداء عمل قد لا يرضاه، ولو صار تكليفه بذلك دائماً، فإن المشرع يكون قد جاوز بمداها الحدود التى رخص الدستور بالعمل الإلزامى فى نطاقها.
وحيث إنه متى كان ذلك؛ وكان المشرع قد نقض – بالنصوص المطعون عليها – الأحكام التى تضمنتها المواد (١٣، ٣٢، ٣٤، ٤٠) من الدستور ؛ فإن تقرير بطلانها يكون لازماً.
وحيث إن الفقرتين الأولى والثالثة من قرار وزير التموين المشار إليه، مرتبطتان بفقرتها الثانية ارتباطاً لا يقبل التجزئة ، فإنهما تسقطان – فى مجال تطبيقهما على ملاك العقارات الكائنة بها منشآت خدمة السيارات أو بيع المواد البترولية – تبعاً للحكم بإبطالها.
فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة :
أولاً: بعدم دستورية ما تضمنه البند (ه) من المادة الأولى من المرسوم بقانون رقم ٩٥ لسنة ١٩٤٥ الخاص بشئون التموين، من جواز الاستيلاء على أى عقار أو تكليف أى فرد بأى عمل لمدة غير محددة .
ثانياً: بعدم دستورية ما نصت عليه الفقرة الثانية من المادة (١٢) من قرار وزير التموين والتجارة الداخلية رقم ٢٥٠ لسنة ١٩٨٦ فى شأن القواعد المنظمة لتداول المواد البترولية ، من حظر تغيير ملاك العقارات الكائنة بها محطات خدمة السيارات أو محال بيع المواد البترولية بكافة أنواعها، لنشاطها الأصلى بعد إنهاء أو إنتهاء عقود استئجارها، وكذلك تركهم لها دون مستغل يكفل استمرار العمل بها على الوجه المعتاد.
ثالثاً: بإلزام الحكومة المصروفات ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة .

زر الذهاب إلى الأعلى