حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ١٠ لسنة ١٨ دستورية
حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ١٠ لسنة ١٨ دستورية
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة فى يوم السبت ١٦ نوفمبر سنة ١٩٩٦ الموافق ٥ رجب سنة ١٤١٧ هـ .
برئاسة السيد المستشار الدكتور / عوض محمد عوض المر رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين : عبد الرحمن نصير وسامى فرج يوسف والدكتور / عبدالمجيد فياض ومحمد على سيف الدين وعدلى محمود منصور ومحمد عبدالقادر عبدالله
وحضور السيد المستشار الدكتور / حنفى على جبالى رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / حمدى أنور صابر أمين السر
أصدرت الحكم الآتى
فى القضية المقيدة بجدول
المحكمة الدستورية العليا
برقم ١٠ لسنة ١٨ قضائية دستورية
المقامة من
١. السيد / أحمد محمد حجازي
٢. السيد / هاشم الوحش
ضد
١. السيد / رئيس الجمهورية
٢. السيد / رئيس مجلس الوزراء
٣. السيد / وزير العدل
الإجراءات
بتاريخ ١٤ فبراير سنة ١٩٩٦ أودع المدعيان صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة طالبين الحكم بعدم دستورية الفقرة الثالثة من المادة (١٥٤) من القانون رقم ٥٣ لسنة ١٩٦٦ المعدل بالقانون رقم ١١٦ لسنة ١٩٨٣.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم برفض الدعوى .
وبعد تحضير الدعوى أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونُظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة ، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة .
حيث إن الوقائع – على مايبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – تتحصل فى أن النيابة العامة كانت قد اتهمت المدعيين بأنهما فى يوم ٢٢ / ٤ / ١٩٨٧ حازا أتربة متخلفة عن تجريف أرض زراعية ، وطلبت عقابهما بالمادتين (١٥٠، ١٥٤) من قانون الزراعة الصادر بالقانون رقم ٥٣ لسنة ١٩٦٦ وبجلسة ٦ / ١٢ / ١٩٨٧ قضت محكمة جنح زفتى بحبسهما شهراً مع الشغل وتغريم كل منهما عشرة آلاف جنيه فاستأنفا هذا الحكم وقيد استئنافهما برقم ٧٩٤ لسنة ١٩٨٨ طنطا. وإذ قضت محكمة الجنح المستأنفة بإلغاء الحكم المستأنف وبراءة المتهمين، فقد طعنت النيابة العامة فى هذا الحكم بطريق النقض وبجلسة ١٢ / ١٠ / ١٩٩٤ قضت محكمة النقض بنقض الحكم المطعون فيه، وإعادة القضية إلى محكمة طنطا الإبتدائية لتفصل فيها مجدداً من هيئة آخرى ، تأسيساً على أن المشرع قد أنشا فى المادة (١٥٤) من قانون الزراعة قرينة قانونية مفادها أن حيازة واستعمال أتربة ناجمة عن تجريف أرض زراعية ، يعد حيازة لأتربة ناتجة عن تجريف محظور مالم يثبت عكس ذلك، وهو مالم يتضمن الحكم دليلاً عليه حتى يتضح وجه الاستدلال على البراءة . وعند مثول المدعيين مجدداً أمام محكمة الجنح المستأنفة ، دفعا بعدم دستورية نص الفقرة الثالثة من المادة (١٥٤) من قانون الزراعة وإذ قدرت محكمة الموضوع جدية هذا الدفع، فقد قررت التأجيل لجلسة ٢٦ / ٢ / ١٩٩٦ ليتخذ المدعيان إجراءات الطعن بعدم الدستورية ، فأقاما الدعوى الماثلة .
وحيث إن المادة (١٥٠) من قانون الزراعة الصادر بالقانون رقم ٥٣ لسنة ١٩٦٦ تقضى بما يأتى : –
يحظر تجريف الأرض الزراعية أو نقل الأتربة لاستعمالها فى غير أغراض الزراعة .
وفى هذه الحالة تضبط جميع وسائل النقل والآلات والمعدات المستعملة فى نقل الأتربة الناتجة عن التجريف بالطريق الإدارى وتودع هذه المضبوطات فى الم كان الذى تحدده الجهة الإدارية .
ويعتبر تجريفاً فى تطبيق أحكام هذا القانون، إزالة أى جزء من الطبقة السطحية للأرض الزراعية . ويجوز تجريف الأرض الزراعية ونقل الأتربة منها لأغراض تحسينها زراعياً أو المحافظة على خصوبتها ويحدد ذلك وزير الزراعة بقرار منه بما يتفق والعرف الزراعى .
وعملاً بالمادة الأولى من قرار وزير الزراعة والأمن الغذائى رقم ٦٠ لسنة ١٩٨٤ بتنظيم الترخيص بتجريف الأرض الزراعية لأغراض تحسينها زراعياً والمحافظة على خصوبتها، لا يعد تجريفاً قيام المزارع بتسوية أرضه دون نقل أتربة منها، ولا أخذ أتربة أثناء عملية خدمة الأرض لاستعمالها فى أغراض التتريب تحت الماشية .
وحيث إن الفقرة الأولى من المادة (١٥٤) من قانون الزراعة المشار إليه، تقضى بأن يعاقب على مخالفة حكم المادة (١٥٠) من هذا القانون بالحبس وبغرامة لا تقل عن عشرة آلاف جنيه ولا تزيد عن خمسين ألف جنيه عن كل فدان أو جزء منه من الأرض موضوع المخالفة . وتنص فقرتها الثانية على أنه إذا كان المخالف هو المالك، وجب ألا يقل الحبس عن ستة أشهر. وإذ كان المخالف هو المستأجر دون المالك، وجب الحكم أيضاً بإنهاء عقد الإيجار، ورد الأرض إلى المالك.
وعملاً بالفقرة الثالثة – المطعون عليها – يعتبر مخالفاً فى تطبيق هذا الحكم، كل من يملك أو يحوز أو يشترى أو يبيع أتربة متخلفة عن تجريف الأرض الزراعية أو ينزل عنها بأية صفة أو يتدخل بصفته وسيطاً فى شئ من ذلك، ويستعملها فى أى غرض، إلا إذا أثبت أن التجريف كان صادراً طبقاً لأحكام المادة (١٥٠) من هذا القانون والقرارات التى تصدر تنفيذاً لأحكامه.
وحيث إن المدعيين ينعيان على الفقرة الثالثة من المادة (١٥٤) من قانون الزراعة – المطعون عليها – إخلالها بالحرية الشخصية ،وبافتراض البراءة المكفولان بالمادتين (٤١، ٦٧) من الدستور.
وحيث إن البين من تقرير اللجنة المشتركة من لجنة الزراعة والرى ومكاتب لجان الحكم المحلى والتنظيمات الشعبية ، والدفاع والأمن القومى والتعبئة القومية والشئون الدستورية والتشريعية ، المرافق لأحكام القانون رقم ١١٦ لسنة ١٩٨٣ الصادر بتعديل بعض أحكام قانون الزراعة ، مضيفاً إليه كتاباً ثالثاً عنوانه عدم المساس بالرقعة الزراعية والحفاظ على خصوبتها أن ظاهرة العدوان على الأرض الزراعية تمثل خطراً داهماً عليها يؤثر فى تنميتها أفقياً ورأسياً، ويعوق تنفيذ سياسة الأمن الغذائى وأن تجريفها والزحف عليها لم يتوقف بالرغم من صدور القانون رقم ٥٩ لسنة ١٩٧٨ الذى توخى صونها ومنع البناء عليها.
وحيث إن الدستور عهد إلى كل من السلطتين التشريعية والقضائية بمهام قصرها عليهما، فلا تتداخل هاتان الولايتان أو تتماسا بل يتعين دوماً مراعاة الحدود التى فصل بها الدستور بينهما فلا تباشر السلطة التشريعية غير اختصاصاتها التى بينتها المادة (٨٦) من الدستور التى تقضى بأن يتولى مجلس الشعب سلطة التشريع، ويقر السياسة العامة للدولة ، والخطة العامة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية ، والموازنه العامة للدولة ، كما يمارس الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية ، وذلك كله على الوجه المبين فى الدستور ولا تتولى السلطة القضائية – من خلال محاكمها على إختلاف أنواعها ودرجاتها – إلا ولاية الفصل فى المنازعات والخصومات التى أثبتتها لها المادة (١٦٥) من الدستور.
وحيث إن الدستور نص فى المادة (٦٧) على أن المتهم برى ء حتى تثبت إدانته فى محاكمة قانونية تتوافر له فيها ضمانات الدفاع عن نفسه.
وحيث إن ضوابط المحاكمة المنصفة – المنصوص عليها فى المادة (٦٧) من الدستور – تتمثل فى مجموعة من القواعد المبدئية التى تعكس مضامينها نظاماً متكامل الملامح، يتوخى بالأسس التى يقوم عليها، صون كرامة الإنسان وحقوقه الأساسية ، ويحول بضماناته دون إساءة استخدام العقوبة بما يخرجها عن أهدافها، وذلك إنطلاقاً من إيمان الأمم المتحضرة بحرمة الحياة الخاصة ، وبوطأة القيود التى تنال من الحرية الشخصية التى اعتبرها الدستور من الحقوق الطبيعية الكامنة فى النفس البشرية ، فلا تنفصل عنها عدواناً، ولضمان أن تتقيد الدولة – عند مباشرتها لسلطاتها فى مجال فرض العقوبة صوناً للنظام الاجتماعى – بالأغراض النهائية للقوانين العقابية ، التى ينافيها أن تكون إدانة المتهم هدفاً مقصوداً لذاته، أو أن تكون القواعد التى تتم محاكمته على ضوئها، مصادمة للمفهوم الصحيح لإدارة العدالة الجنائية إدارة فعالة . بل يتعين أن تلتزم هذه القواعد مجموعة من القيم التى تكفل لحقوق المتهم الحد الأدنى من الحماية ، التى لايجوز النزول عنها أو الانتقاص منها.
وهذه القواعد – وإن كانت إجرائية فى الأصل – إلا أن تطبيقها فى مجال الدعوى الجنائية – وعلى امتداد مراحلها – يؤثر بالضرورة على محصلتها النهائية ، ويندرج تحت هذه القواعد أصل البراءة كقاعدة أولية تفرضها الفطرة ، وتوجبها حقائق الأشياء، وهى بعد قاعدة حرص الدستور على إبرازها فى المادة (٦٧)، مؤكداً بمضمونها ما قررته فى هذا الشأن المادة (١١) من الإعلان العالمى لحقوق الإنسان، والمادة (٦) من الإتفاقية الأوربية لحماية حقوق الإنسان.
وحيث إن الدستور يكفل للحقوق التى نص عليها فى صلبه، الحماية من جوانبها العملية وليس من معطياتها النظرية ؛ وكانت إدانة المتهم بالجريمة تعرضه لأخطر القيود على حريته الشخصية ، وأكثرها تهديداً لحقه فى الحياة ، فقد غدا لازماً عند الفصل فى الاتهام الجنائى ، أن يكون قضاء الحكم موازناً بين حق الفرد فى الحرية ، وحق الجماعة فى الدفاع عن مصالحها الأساسية ، وكافلاً كذلك مفاهيم العدالة حتى فى أكثر الجرائم خطورة وأسوئها وقعاً من خلال موضوعية التحقيق الذى تجريه علانية – وخلال مدة معقولة – محكمة مستقلة محايدة ينشئها القانون، وبعد عرضها للحقائق عرضاً مجرداً، باعتبار أن ذلك كله ضمانة أولية تعينها على صون الحرية الشخصية ، فلا تقيد بغير الوسائل القانونية السليمة التى لا يترخص أحد فى إلتزامها.
وحيث إن أصل البراءة يمتد إلى كل فرد، سواء كان مشتبهاً فيه أو متهماً، باعتباره قاعدة أساسية فى النظام الاتهامى ، أقرتها الشرائع جميعها – لا لتكفل بموجبها حماية المذنبين – وإنما لتدرأ بمقتضاها وطأة العقوبة عن الفرد كلما كانت الواقعة الإجرامية ، قد أحاطتها الشبهات بما يحول دون التيقن من مقارفة المتهم لها؛ وكان افتراض براءة المتهم، يمثل أصلاً ثابتاً يتعلق بالتهمة الجنائية من ناحية إثباتها، وليس بنوع أو قدر العقوبة المقررة لها، وينسحب إلى الدعوى الجنائية فى جميع مراحلها، وعلى امتداد إجراءاتها، فقد صار لازماً ألا يزحزح الاتهام أصل البراءة ، بل يظل دوماً لصيقاً بالفرد فلايزايله، سواء فى مرحلة ما قبل المحاكمة أو أثنائها، وعلى امتداد حلقاتها، ولا سبيل بالتالى لدحض أصل البراءة بغير الأدلة التى تبلغ قوتها الإقناعية مبلغ الجزم واليقين، بما لا يدع مجالاً معقولاً لشبهة انتفاء التهمة ، وبشرط أن تكون دلالتها، قد استقرت حقيقتها بحكم قضائى استنفد طرق الطعن فيه، وصار باتاً.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى كذلك، على أن النوايا التى يضمرها الإنسان فى أعماق ذاته، لا يتصور أن تكون محلاً للتجريم، وأن على محكمة الموضوع ألا تعزل نفسها عن الواقعة محل الاتهام الجنائى التى قام الدليل عليها جلياً واضحاً، بل يتعين أن تجيل بصرها فيها، منقبة – من خلال عناصرها – عما قصد إليه الجانى حقيقة من وراء إرتكابها، فلا تكون الأفعال التى أتاها الجانى إلا تعبيراً خارجياً ومادياً عن إرادة واعية لا تنفصل عن النتائج التى أحدثتها، بل تتصل بها وتقصد إليها، أو على الأقل أن يكون بالإمكان توقعها. ويتعين بالتالى أن تقيم النيابة العامة الدليل على الجريمة التى نسبتها إلى المتهم فى كل ركن من أركانها، وبالنسبة إلى كل واقعة ضرورية لقيامها، بما فى ذلك القصد الجنائى بنوعيه إذا كان متطلباً فيها، وبغير ذلك لا ينهدم أصل البراءة التى افترضها الدستور كأحد الركائز التى يستند إليها مفهوم المحاكمة المنصفة ، واعتبرها قاعدة مبدئية مستعصية على الجدل، واضحة وضوح الحقيقة ذاتها، فلا تقوم فى غيبتها ضوابط الشرعية الجنائية ومتطلباتها، فى مجال صون الحرية الشخصية وكفالتها.
وحيث إن مفاد نص المادتين (١٥٠، ١٥٤) من قانون الزراعة ، أن المشرع لم يجز تجريف الأرض الزراعية أو نقل الأتربة منها، إلا إذا كان ذلك لأغراض زراعية تتعلق بتحسينها زراعياً أو صون خصوبتها، بما مؤداه: أن تجريفها – فى ذاته – لا يعتبر دوماً واقعاً فى منطقة التجريم، وإنما يتصل التجريم بتجريفها أو نقل الأتربة منها إذا اقترن بغرض غير مشروع، ليظهر القصد الجنائى فى هذه الجريمة محدداً لإرادة مرتكبها، كاشفاً عما توخاه حقاً من الأفعال التى أتاها، فكل ما كان القصد منها إثراء الأرض الزراعية – لا إضعافها – من خلال إعادة تكوين بنيانها بما يصلحها ويتعاظم بإنتاجها الزراعى ، كان ذلك عملاً جائزاً مشروعاً. فإذا كان هدفها التغول على هذه الأراضى سواء بالبناء فوقها زحفاً على رقعتها، أو من خلال امتصاص تربتها أو إتلافها أو تدميرها، تعام لا فيها، واستثماراً لها،، تربحاً منها، أو كان مجرد الإضرار بها على نحو آخر ماثلا فى تقديره فيما أتاه من أفعال، كان ذلك عملاً محظوراً قانوناً.
وحيث إن ماتقدم مؤداه: أن الجرائم التى تمثلها قانون الزراعة – فى تسلسلها المنطقى – إنما تقع ابتداء بالعدوان على الأرض الزراعية من خلال تجريفها أو نقل أتربتها لاستعمالها فى غير الأغراض الزراعية . ويعتبر فاعلاً أصلياً لهذه الجريمة كل من أتى هذا الفعل بقصد الإضرار بالأرض الزراعية من خلال إضعافها وتقليص مكوناتها.
ولم يكن ممكناً أن تنحصر دائرة التجريم فى هذا النطاق وحده، بل كان منطقياً أن يؤثم المشرع أفعالاً أخرى لايأتيها فى الأعم من الأحوال، إلا هؤلاء الذين يحرضون الفاعل الأصلى لجريمة إهدار قدرة الأرض الزراعية ، على إرتكابها، أو يفيدون انتهاء من ثمرتها، سواء من خلال حيازتهم لأتربتها بعد تجريفها أو تملكها أو شرائها أو بيعها أو الحصول عليها بعد النزول عنها أو توسطهم فى شئ من ذلك واستعمالها لأى غرض، لتكون أفعالهم هذه محظورة قانوناً. وشرط ذلك أن تدلل النيابة العامة – بنفسها – على علمهم بأن الأتربة التى اتصلوا بها على النحو المتقدم، تعود فى مصدرها إلى أرض زراعية تم تجريفها بالمخالفة لقانون الزراعة .
غير أن المشرع افترض بالفقرة الثالثة من المادة (١٥٤) المطعون عليها، علمهم بالوقائع التى أثمها، وأنهم أحاطوا بدلالتها الإجرامية ، واتجاه إرادتهم – فوق هذا – إلى العدوان على حق يحميه القانون. وهو بعد، افتراض اعتبره المشرع قائماً بالنسبة إلى المخاطبين بالفقرة الثالثة جميعهم، وفى كل أحوالهم، وأياً كان القصد الجنائى لأيهم، وهو مايعنى عقابهم ولو كانوا لايعلمون حقاً بأن الأتربة التى اتصلوا بها – وفقاً لحكم هذه الفقرة – ناجمة عن أرض زراعية جرى تجريفها لغير الأغراض التى تتعلق بتحسينها وصونها، معفياً النيابة العامة بذلك من واجبها فى إثبات هذا العلم، ناقلاً عبء نفيه إلى المتهم مناقضاً بذلك القواعد التى تقوم عليها المحاكمة المنصفة ، وفى مقدمتها أصل البراءة التى فطر الإنسان عليها.
وحيث إنه متى كان ماتقدم؛ وكانت الجريمة محل الاتهام من الجرائم العمدية التى يعتبر القصد الجنائى ركناً فيها؛ وكان الأصل هو أن تتحقق المحكمة بنفسها – وعلى ضوء تقديرها للأدلة التى تطرح عليها – من قيام الدليل على إتيان هذه الجريمة – فى كل أركانها وعناصرها – وأن المتهم كان مدركاً لحقيقتها ودلالتها الإجرامية إدراكاً يقينياً – لا ظنياً أو افتراضياً – متجهاً لتحقيق نتيجتها؛ وكان الاختصاص المقرر دستورياً للسلطة التشريعية فى مجال إنشاء الجرائم وتقرير عقوباتها، لا يخولها غل يد محكمة الموضوع عن القيام بمهمتها الأصيلة فى مجال التحقق من قيام أركان الجريمة التى عينتها، فإن افتراضها توافر القصد الجنائى ، يكون إخلالاً منها بالحدود التى تفصل بين ولايتها، والمهام التى تقوم عليها السلطة القضائية ، وعملاً مخالفاً للدستور بالتالى .
وحيث إن افتراض براءة المتهم من التهمة الجنائية ، يقترن دائماً من الناحية الدستورية – ولضمان فعاليته – بوسائل إجرائية تعتبر وثيقة الصلة بالحق فى الدفاع، ومن بينها حق المتهم فى مواجهة الأدلة التى طرحتها النيابة العامة إثباتاً للجريمة ، مع الحق فى نفيها بالوسائل التى يقدر مناسبتها وفقاً للقانون؛ وكان النص المطعون قد أخل بهذه الوسائل الإجرائية ، وذلك بأن افترض توافر القصد الجنائى فى شأن الحائز لأتربة أرض زراعية متخلفة عن تجريفها، حال أن هذا القصد يعتبر أحد أركان هذه الجريمة ، التى تلتزم النيابة العامة بإثباتها فى كل مكوناتها؛ وكان هذا الافتراض يناقض أصل البراءة ، ويجرده من محتواه عملاً، وينقل إلى المتهم عبء نفيه على خلاف الأصل، إخلالاً بالحرية الشخصية ، وبضمانة الدفاع التى لا يجوز فى غيبتها تحقيق الواقعة محل الاتهام الجنائى أو إدانة المتهم عنها، فإن النص المطعون فيه يكون مخالفاً لأحكام المواد (٤١، ٦٧، ٦٩، ١٦٥) من الدستور.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم دستورية الفقرة الثالثة من المادة (١٥٤) من قانون الزراعة الصادر بالقانون رقم ٥٣ لسنة ١٩٦٦ وألزمت الحكومة المصروفات ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة .