حقوق الإنسان في المجال الرياضي
مقال للدكتور أحمد عبد الظاهر – أستاذ القانون الجنائي بجامعة القاهرة – المستشار القانوني بدائرة القضاء – أبو ظبي
يعقد فرع محكمة التحكيم الرياضي الدولية (كاس) في أبو ظبي دورة تدريبية لمدة أربعة أيام، في الفترة من 24 إلى 27 أكتوبر 2022م، لتأهيل المحامين في المنازعات الرياضية. وتنعقد هذه الدورة بالتزامن مع مباراة السوبر المصري، والتي تجمع بين ناديي الزمالك والأهلي، وتقام على استاد هزاع بن زايد في مدينة العين، والمحدد لها يوم الجمعة الموافق الثامن والعشرين من أكتوبر 2022م. وأحد المحاور التي سيتم إلقاء الضوء عليها في هذه الدورة التدريبية هو موضوع «حقوق الإنسان في المجال الرياضي»، حيث يتحدث عن هذا الموضوع الصديق العزيز المستشار الدكتور محمد سمير أبو طه، نائب رئيس محكمة النقض المصرية والمفتش القضائي بدائرة القضاء في إمارة أبو ظبي.
والواقع أن ثمة العديد من الوقائع التي حدثت خلال العام 2022م، والتي يمكن أن تكون ذات صلة بموضوع «حقوق الإنسان في المجال الرياضي». وتثير هذه الوقائع بعض التساؤلات حول التنازع بين حرية العقيدة ودعم المثلية. وقد يحدث التنازع بين حرية العقيدة وبين حقوق الرعاية التجارية، لاسيما إذا كانت الشركة الراعية تنتج المواد الكحولية أو تمارس نشاطها في مجال المراهنات. وقد تثير هذه الوقائع التساؤل حول الحكم القانوني واجب الاتباع في حالة التنازع بين حرية التعبير وبين حظر الشعارات الدينية في الملاعب الرياضية. وثمة واقعة ثالثة تثير التساؤل عن حماية التراث الثقافي غير المادي للشعوب، وما إذا كان ذلك يمكن أن يشكل قيداً على تصميمات الملابس الرياضية المستوحاة من هذا التراث. وسنحاول فيما يلي إلقاء الضوء على هذه الموضوعات الأربعة، تباعاً، كما يلي:
التنازع بين حرية العقيدة ودعم المثلية
في يوم السبت الموافق الرابع عشر من مايو 2022م، أقيمت إحدى المباريات في الدوري الفرنسي الممتاز بين نادي باريس سان جيرمان ونادي مونبلييه. وقد شهدت هذه المباراة واقعة غياب نجم المنتخب السنغالي ونادي باريس سان جيرمان الفرنسي، إدريسا جاي (Idrissa Gueye)، عن مباراة فريقه، بسبب رفضه ارتداء قميص يحمل ألوان علم المثلية الجنسية، الذي يسمى «علم الرينبو» أو «علم قوس قزح»، وذلك بسبب تنافي المثلية الجنسية مع معتقداته الدينية.
وقد برر الأرجنتيني ماوريسيو بوكيتينو، مدرب باريس سان جيرمان، غياب نجم خط الوسط عن المباراة لأسباب شخصية. غير أن مجلس الأخلاقيات في الاتحاد الفرنسي لكرة القدم أرسل رسالة إلى اللاعب يحثه فيها على توضيح سبب غيابه عن المباراة. وقال المجلس في رسالته: «هناك أمران، إما أن هذه الافتراضات لا أساس لها من الصحة، ونحن ندعوك للتحدث علانية من أجل إسكات هذه الشائعات. ندعوك، على سبيل المثال، إلى إرفاق رسالتك بصورة لك وأنت ترتدي القميص المعني». ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، وإنما قام الاتحاد الفرنسي لكرة القدم باستدعاء اللاعب السنغالي، لمساءلته بشأن سبب غيابه عن الجولة الأخيرة من الدوري الفرنسي ضد نادي مونبلييه. وبدورها، قامت فاليري بيكريس (Valérie Pécresse)، المرشحة المحافظة في الانتخابات الفرنسية التي أجريت في شهر أبريل 2022م، بتوجيه النقد إلى تصرف إدريسا جاي، حيث كتبت على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» التغريدة التالية: «إن لاعبي نادٍ لكرة القدم، ولاعبي باريس سان جيرمان على وجه الخصوص، هم أرقام تعريفية لشبابنا. وعليهم واجب أن يكونوا قدوة لهم، ورفض إدريسا جاي الانضمام إلى تلك المباراة جريمة، لا يمكن أن يبقى رهاب المثلية بدون عقاب!». وطالب آخرون بطرده من النادي الفرنسي، معتبرين أنه يتلقى أجراً لا يستحقه. ودعا مغردون إدريسا جاي للاعتذار.
وفي المقابل، أثارت الواقعة تعاطفاً كبيراً من ملايين المسلمين حول العالم، حيث أطلق رواد مواقع التواصل الاجتماعي وسماً باللغة العربية دعماً للاعب السنغالي (#كلناادريسغانا)، ووسماً آخر باللغة الإنجليزية يحمل نفس المعنى (#WeareallIdrissa)، أي كلنا إدريسا. وقد تصدر الوسمان مواقع التواصل الاجتماعي حول العالم. واعتبر كثيرون من المؤيدين لموقف إدريسا أنه «يمثل جميع المسلمين في موقفه من المثلية الجنسية»، ودعوا الجميع إلى «احترام مبادئ وعقيدة الغير». وبعد حملة الانتقادات التي طالت مواطنه إدريسا جاي، كتب الرئيس السنغالي تغريدة أبدى من خلالها مساندته للاعب جاي، قائلاً: «أنا أدعم إدريسا.. يجب احترام قناعاته الدينية». ودعمت العديد من الأندية العربية اللاعب السنغالي إدريسا جاي. ونشرت حسابات رسمية لأندية عربية رسائل دعم للاعب السنغالي حملت الوسم الأعلى تداولاً في العالم آنذاك (#Weareallidrissa) ووسم (#كلناادريسغانا). فعلى سبيل المثال، وفي حسابه الرسمي على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر»، كتب نادي الزمالك المصري: «أحياناً ما تعطيك كرة القدم فرصة لإرساء قواعد إنسانية للعالم، كلنا مع إدريسا غي اللاعب السنغالي». وبدوره، وفي تغريدة مدونة في حسابه الرسمي على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر»، اعتبر نادي التعاون السعودي أن «من يمارس حقه لا يسيء إلى أحد». ولم يقتصر معسكر المتضامنين مع إدريسا جاي على المسلمين، وإنما امتد ليشمل عدداً كبيراً من الناشطين في فرنسا وفي عدد من الدول الغربية. فقال أحد رواد مواقع التواصل الاجتماعي، ويدعى جوناثان: «لا يهمني أمر المثلية، هم أحرار في أجسادهم، ولا يجب إجبار شخص ما على ارتداء ملابس لدعم قضية ما، في الواقع لدينا الحق في أن نكون محايدين، فرنسا دولة الحرية وليست دولة فرض الآراء».
وفي الإطار ذاته، وفي شهر يوليو 2022م، وضمن منافسات دوري الرجبي الأسترالي، رفض سبعة من نجوم فريق سي إيجلز ارتداء قميص قوس قزح، بسبب معتقدات دينية وثقافية، الأمر الذي جعل مدرب الفريق في وضع بالغ الصعوبة في تسمية فريقه للمباراة ضد روسترز. ورغم اعتراض اللاعبين السبعة على ارتداء القميص، فإن إدارة النادي لم تتراجع عن خوض المباراة بقميص قوس قزح، حيث تم وضع القوس على الياقة والأكمام. وتعليقاً على الواقعة، قال رئيس لجنة دوري الرجبي الأسترالي إن فريق سي إيجلز تعامل مع الأمر بشكل سيء، مضيفاً أن «الأمر لم يكن يتعلق بالقميص فقط. كان الأمر يتعلق برسالتنا إننا نريد الجميع أياً كانت ميوله الجنسية أن يكون جزءاً من اللعبة وجعلهم يشعرون أنه يمكنهم المشاركة». واستطرد رئيس لجنة دوري الرجبي الأسترالي، قائلاً إن اللاعبين السبعة الذين تعرضوا لانتقادات شديدة، وُضعوا في موقف صعب، ولا يمكن للنادي أن يجبرهم على اللعب. «نحن كلعبة، نحترم الجميع. لا يهم ما هو توجهك الجنسي، ما هو اعتقادك بالزواج، ما هو عرقك، ما هو لونك، نحن نحترمك كإنسان. هذه هي سياسة اللعبة وستبقى كذلك».
وهكذا، تثير الوقائع سالفة الذكر التساؤل عن مدى حق اللاعبين في احترام معتقداتهم الدينية، لاسيما وأن اللاعب السنغالي لم يصدر عنه تصرف مسيء للآخر، وكل ما فعله هو الامتناع عن المشاركة في المباراة، حتى لا يضطر إلى الاتيان بسلوك يتنافى مع معتقداته الدينية.
التنازع بين حرية العقيدة وحقوق الرعاية التجارية
في التاسع والعشرين من شهر أغسطس 2022م، وفي واقعة كان بطلها الأبرز اللاعب السنغالي الشهير ساديو مانيه، وخلال جلسة تصوير دعائية مع أحد الرعاة التجاريين لنادي بايرن ميونخ الألماني، حمل لاعبو النادي البافاري أكواباً من البيرة لشركة «باولانر»، مع ارتداء اللاعبين زي ليدرهوزن التقليدي. ولكن، كل من اللاعب السنغالي «ساديو مانيه» واللاعب المغربي «نصير مزراوي» رفضا مسك الكوب المملوء بالبيرة، التزاماً منهما بتعاليم الدين الإسلامي، الذي يحرم بشكل قاطع تناول المشروبات الكحولية. وجدير بالذكر في هذا الصدد أن نادي بايرن ميونخ قد اعتاد على إقامة جلسة تصوير سنوية، يرتدي خلالها اللاعبون لباس ليدرهوزن (الزي الألماني التقليدي)، كما تتضمن الإعلان عن راعي الفريق.
وفي الثاني عشر من شهر أبريل 2017م، وفي واقعة أخرى تتعلق بأحد لاعبي الرجبي في دولة نيوزلندا، حصل أحد اللاعبين على موافقة ناديه والشركة الراعية على أن يغطي شعار راعي الفريق على قمصيه، لأن الراعي شركة مراهنات، الأمر الذي يتعارض مع معتقداته الدينية. وتتعلق هذه الواقعة باللاعب النيوزلندي المسلم، سوني وليامز، والذي رفض ارتداء شعارات بنك نيوزلندا، احتراماً لمعتقداته الدينية، والتي تقوم على تحريم الشريعة الإسلامية للربا، ومن ثم يعتقد بأن الفوائد والرسوم التي تفرضها البنوك على القروض هي من باب الربا المحرم. وقد أثارت هذه الخطوة إمكانية اتخاذ إجراء تأديبي ضد اللاعب، ولكن الاتحاد النيوزلندي للرجبي (NZRU) قبل طلب اللاعب بعد أن قدم اعتراضاً ضميرياً. وقد أسهم في ذلك موقف ناديه الداعم للاعب، حيث وافق فريق نيوزلندا الرجبي والبلوز (New Zealand Rugby and the Blues) على طلب سوني بيل وليامز بإزالة إعلانات بنك نيوزلندا (BNZ) وشعار شركة (Investec) المالية من على قميص اللاعب. وجدير بالذكر أن (Investec) هي شركة مصرفية دولية متخصصة في الأعمال المصرفية والأصول، وهي الراعي الرسمي لمسابقة الرجبي الممتاز. وبدلاً من ارتداء قميص يحمل شعار البنك والشركة، ارتدى اللاعب قميصاً مفصلاً يحمل اسم خدمة دعم الأطفال (Plunket). وقد جاء هذا الحل بناء على اقتراح بنك (BNZ)، حيث إن (Plunket)، وهي منظمة غير ربحية تقدم الرعاية والدعم للآباء وأطفال ما قبل المدرسة، شريك لبنك (BNZ).
وتعليقاً على هذه الواقعة، قال اللاعب: «أريد أن أوضح أن الأمر ليس شيئاً شخصياً ضد بنك (BNZ) ضد شركة (Investic). اعتراضي هو على ارتداء الملابس التي تسوق للبنوك والكحوليات والمقامرة، وهذا هو أمر أساسي لمعتقداتي الدينية، ومن المهم بالنسبة لي أن أحصل على هذا الإعفاء. كلما تعلمت المزيد، وطوّرت فهمًا أعمق لإيماني، لم أعد مرتاحاً لفعل الأشياء التي اعتدت القيام بها. لذا في حين أن الشعار الموجود على القميص قد يبدو شيئاً صغيراً بالنسبة لبعض الناس، فمن المهم بالنسبة لي أن أفعل الشيء الصحيح فيما يتعلق بإيماني وآمل أن يحترم الناس ذلك. أود أن أشكر فريق (New Zealand Rugby and Blues) على العمل معي من خلال هذه المسألة، واحترام ديني وتلبية طلبي». أما الرئيس التنفيذي لبنك (BNZ)، فقال معلقاً على الحل البديل المتمثل في ارتداء اللاعب قميصاً مفصلاً يحمل اسم خدمة دعم الأطفال (Plunket): «نعتقد أن هذه نتيجة رائعة للجميع». وقال المدير العام للاتحاد النيوزلندي للرجبي (NZRU): «لدى سوني معتقدات دينية واضحة فيما يتعلق بهذه المسألة ونحن نحترمها». واستطرد المدير العام للاتحاد النيوزلندي للرجبي، قائلاً: «يجب أن يكون الاعتراض الضميري حقيقياً ونعتقد أن هذا صحيح».
وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أن اعتراض اللاعب سوني وليامز على وضع شعار (BNZ) على قميصه لا يمتد إلى وضع شعار (AIG)، وهي منظمة التأمين التي ترعى المنتخب الوطني النيوزلندي للرجبي، والتي يظهر اسمها بشكل بارز في مقدمة قمصان الفريق الذي يلعب معه.
وعلى كل حال، وبعد حوالي ثلاث أعوام على هذه الواقعة، حدثت واقعة مماثلة للاعب ذاته، ولكن مع شركة راعية أخرى تعمل في مجال المراهنات. إذ رفض اللاعب سوني بيل وليامز، وهو مسلم متدين، ارتداء زياً يظهر فيه شعار إحدى شركات المراهنات، وتدعى (Unibet)، وهي من رعاة النادي الذي يلعب له. في هذه المرة كذلك، ورغم تغير الرعاة، فإن الراعي الجديد احترم معتقدات وليامز الدينية ورغبته بالتالي في عدم إظهار شعارات المصارف والكحول والمراهنات. وفي هذه المرة أيضاً، تفاوض وليامز على الزي الذي يلعب به خلال الفترة التي قضاها في الدوري الإنجليزي الممتاز مع تورنتو. وكان الحل هذه المرة أيضاً هو أن يتم وضع شعار إحدى الشركات الصغيرة على قميص وليامز، من أجل الترويج للشركة، كبديل لشعار شركة المراهنات (Unibet).
التنازع بين حرية التعبير وحظر الشعارات السياسية في الملاعب الرياضية
في الأسبوع الأخير من شهر سبتمبر 2022م، تداول رواد منصات التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو تظهر عناصر من الأمن الفرنسي، وهم يحاولون انتزاع علم فلسطين من أيدي بعض مشجعي المنتخب التونسي، وذلك خلال المباراة الدولية الودية المقامة على استاد حديقة الأمراء (Parc des Princes) بالعاصمة الفرنسية باريس، والتي جمعت بين منتخبي تونس والبرازيل، في إطار استعدادات المنتخبين لبطولة كأس العالم المقامة في قطر في الفترة من 20 نوفمبر إلى 18 ديسمبر 2022م. ويثور التساؤل مرة أخرى عما إذا كان الأمر يتعلق بحرية التعبير، ومن ثم ينبغي على سلطات الأمن الفرنسية احترام حق المشجع التونسي في التعبير عن رأيه، أم أن الأمر يندرج ضمن استعمال الشعارات السياسية المنهي عنها في الفعاليات الرياضية.
وفي الإطار ذاته، وفي يوم الأحد الموافق الخامس والعشرين من سبتمبر 2022م، وبمناسبة إقامة مباراة الدنمارك ضد فرنسا، المقامة على استاد باركين في كوبنهاجن، ضمن منافسات دوري الأمم الأوربية، تم التنبيه على مستشارة لمنظمة العفو الدولية بعدم جواز الدخول إلى ملعب المباراة حاملة وشاح يلفت الانتباه إلى معاملة دولة قطر للعمال المهاجرين، ومنعها بالتالي من الظهور مرتدية الوشاح في مدرجات ملعب المباراة. والغريب في الأمر أن ذلك قد تم على الرغم من أن قميص الفريق المضيف جرى تصميمه لتسليط الضوء على القضية ذاتها. ووقفت أنيته ستوبكير ريمر، المستشارة السياسية لمنظمة العفو الدولية في الدنمارك، خارج استاد باركين في كوبنهاجن، لبيع أوشحة صفراء تحمل رسالة «من أجل العمال المهاجرين». وكانت ستوبكير ونحو عشرة أو خمسة عشر شخصاً خارج الملعب يتحدثون إلى مشجعي كرة القدم عن الفيفا وقطر ومسؤولياتهما عن تعويض العمال المهاجرين الذين عانوا في الاستعدادات لكأس العالم. ولكن، وعندما ذهبت لتشغل مقعدها لحضور المباراة، التي فازت فيها الدنمارك على فرنسا 2-0، قيل لها إنه لن يُسمح لهذا الوشاح بأن يكون في الداخل، حيث قام حراس الأمن بإيقافها، ثم قرروا بعد إجراء نقاش بينهم أن السماح لها ورفاقها بالدخول بالوشاح سيكون رسالة سياسية مبالغاً فيها بالنسبة لهم. وإزاء ذلك، اضطرت إلى ترك الوشاح خارج الاستاد. وكانت شركة هامل للملابس الرياضية قد قالت، عبر تطبيق انستجرام، إن القميص الذي سيخوض به منتخب الدنمارك كأس العالم، والذي ارتداه أيضاً ضد فرنسا، مصمم للاحتجاج على سجل قطر في مجال حقوق الإنسان. وقالت هامل إنها خففت بعض التفاصيل الخاصة بقميص المنتخب الدنماركي لكأس العالم وأصدرت أيضاً قمصاناً سوداء كزي ثالث للمنتخب. وتعليقاً على هذه الواقعة، فإن جاكوب هوير، مدير الاتصالات في الاتحاد الدنماركي لكرة القدم، والذي عمل مع منظمة العفو الدولية بشأن قضايا تتعلق بحقوق الإنسان وكأس العالم، قد عبر عن رفضه لمنع مسؤولة منظمة العفو الدولية من ارتداء الوشاح، قائلاً إنه كان ينبغي السماح لها بدخول الملعب وهي تضع وشاحها. وأضاف مدير الاتصالات في الاتحاد الدنماركي لكرة القدم: «رسالة (من أجل العمال المهاجرين) في حد ذاتها ليست سياسية، وينبغي أن يكون من الممكن لأي شخص إحضار مثل هذا الوشاح إلى مباراة للمنتخب في باركين». وفي المقابل، ورداً على الانتقادات الموجهة إلى الدولة المضيفة في هذا الشأن، قالت اللجنة العليا للمشاريع والإرث في قطر، وهي الجهة المنظمة لكأس العالم، إنها تعارض ادعاء هاميل أن «البطولة كلفت آلاف الأشخاص حياتهم». وأضافت اللجنة: «نحن نرفض بشدة التقليل من شأن التزامنا الحقيقي بحماية صحة وسلامة 30 ألف عامل شيدوا ملاعب كأس العالم لكرة القدم والمشاريع الأخرى المتعلقة بالبطولة».
حقوق التراث الثقافي غير المادي للشعوب
في التاسع والعشرين من سبتمبر 2022م، طالبت وزارة الثقافة المغربية شركة «أديداس» الألمانية بسحب قمصان لمنتخب الجزائر لكرة القدم، بدعوى أن تصميمها مستوحى من نقوش الزليج المغربي، حسب ما أفاد محامي الوزارة. وأدانت الوزارة ما وصفته بـ «عملية استيلاء ثقافي» أو «سرقة ثقافية»، مطالبة شركة «أديداس» بسحب قمصان لمنتخب الجزائر لكرة القدم، بدعوى أن تصميمها مستوحى من نقوش الزليج المغربي.
وكان عملاق الملابس الرياضية الألماني أديداس قد نشر على موقع تويتر، في النصف الثاني من شهر سبتمبر 2022م، صوراً لطقم جديد من قمصان المنتخب الجزائري، الملقب باسم «ثعالب الصحراء»، موضحاً أن تصميمها مستوحى من التاريخ والثقافة والتصاميم العريقة لقصر المشور بمدينة تلمسان الجزائرية. ولكن، وزارة الثقافة المغربية اعتبرت أن هذه التصاميم «سرقة لأنماط من الزليج المغربي نسبت إلى الجزائر»، وقررت تبعاً لذلك توكيل أحد المحامين المغاربة، لمطالبة الشركة الألمانية بسحب تلك الأقمصة من السوق. ودعا المحامي المغربي إلى سحب الطاقم من قمصان المنتخب الجزائري، في أجل خمسة عشر يوما أو توضيح أن الرسوم المستعملة في تصميمها تعود لفن الزليج المغربي، وفق نص الإنذار القضائي الذي وجهه إلى المدير العام للشركة.
وأدانت وزارة الثقافة المغربية ما وصفته ﺑـ «عملية استيلاء ثقافي»، فيما أكد محاميها في الرسالة التي وجهها لشركة «أديداس»، عبر البريد الإلكتروني والمفوض القضائي، أنها «تحتفظ بحقها في استعمال كافة الوسائل القضائية الممكنة (…) لحماية عناصر التراث الثقافي المغربي من محاولات التملك غير المشروع». وجدير بالذكر في هذا الصدد أن «الزليج» عبارة عن صناعة تقليدية رائجة في المغرب لبلاط تزينه رسوم ونقوش ملونة مختلفة، ويستعمل في أرضيات وجدران البيوت أو القصور والمساجد».