جوهر المحاماة و”الجدل ” بين زملاء المهنه

كتبه: عصمت فتحى أبولبده المحامي

“الجدل” هى خاصية تتفرد بها مهنه المحاماه تحديدا وقد يكون الجدل هو جوهر المحاماه وفلسفتها فالمحامى فليسوف بغير سفسطه له وجه نظر فى كل شيء متفرده عن غيره وله تحليله الخاص لمجريات الاحداث والقضايا العامه .. وقد تختلف وجه نظره وتتصادم مع فكر الأخرين وان كانوا زملاء مهنه ويشتركون فى صفه “الجدل” فقد يكون الأمر اكثرصعوبة عندما بتبارى كل منهم فى إثبات وجه نظره .. وهذا امر طبيعى فتلك هى حياتهم الشاقه المليئه بالاحداث داخل اروقه المحاكم وفى قاعات الجلسات واستراحات المحامين مجادلات واسعة ، ومحاورات مستفيضة ، ومناقشات تفصيلية ، يقف فيها المتحاورون على طرفي نقيض ، ورغم هذه المجادلات والمحاورات والمناقشات إلا أنه تبقى بينهم دائماً وأبداً أواصر الصداقة والمحبة ، والزمالة والتقدير والاحترام لمن هم اكبر سنا وخبره . فجدل المحامين لم يكن ابدا مبتذلا ودون علم وانما كان لهدف مشروع وصولا الى حقيقه مبتغاه من الجميع وان اختلفوا ، هكذا كان للقواعد والأصول التي تركها الأوائل في هذه المهنة أثرها البالغ في هذا الأمر فلا يمكنك أبدا أن تجد في حياتك مهنة يتشاجر أصحابها ويفندون أقوال مناظريهم ويسفهون أمانيهم ،ثم يخرجون من مشاجراتهم ومجادلاتهم في محبة وصداقة وكأن شيئا لم يكن ، كما لا يمكنك أبدا أن تجد مهنة يتعصب لها أصحابها ويغيرون عليها كما يتعصب المحامون لمهنتهم ، ولعل التعصب للمحاماة والغيرة عليها هو بعض أثر تركه لنا المتقدمون وهو تعصب محمود وغيرة لا بد منها ، إلا أن ما حدث فى الفتره الانتخابيه قلب القاعدة الأصولية التي سارت عليها المحاماة عمرا ، وأصبح كل صاحب رأي هو بالضرورة عدوا لصاحب الرأي الآخر ، وقد يصل الأمر بينهم إلى التطاول والقدح في الذمم المالية ، ورمي المنافس بكل ما هو باطل ، دون تروى .. فقد تعلمنا أن الاختلاف فى الرأى لا يفسد للود قضية … فقد افسد وهذا ما لم نعرفه فى المحاماه ….
فحرية التعبير عن الرأى” حق مقدس” مجمع على وجوب احترامه وكفالته ، إلا انه من المقرر أن لهذه الحرية حدها الطبيعى ، الذى تقف عنده ، بان تكون بعبارات والفاظ تعف عن اللذعات الجارحة ، والقول الفاحش،احتراما لحق الزمالة وتوقيرا لها ، وصونا لشرف الناس وكرامتهم وسمعتهم ، من اجل ذلك كان للاختلاف فى الرأى اصول وقواعد تنبثق من ادب الدين وأدب الدنيا ، تضافرت على أن “الجدل ” لا يكون إلا بالحسنى ، وجادلهم بالتى هى أحسن” وأن من كان على حق فلنشده بعفاف ،
واخيرا احدث نفسى واياكم لاتطلقوا ألسنتكم بالتأنيب المر والنقد اللاذع والطعن فى ذمم البعض بغير اتزان ورويه وحكمه ولاتنزلقوا الى مهاوى “الجدل” المبتذل ، بغير حجه باستعمال العبارات الجارحه والالفاظ النابية
وفى هذا المقام اذكركم بموقف للامام الشافعى عندما اختلف هو وتلميذه “يونس ”
فغضب منه يونس
فذهب الية الامام الشافعى وقال يا يونس تجمعنا مئات
المسائل وتفرقنا مسألة
يا يونس لا تهدم الجسور التى بنيتها لسنوات طوال فربما تحتاج اليها للعوده ..
فلا تهدموا الجسور بينكم ولا تهدموا المحبه والصداقة والزمالة بينكم …

زر الذهاب إلى الأعلى