جرائم القتل (الجزء الثالث)
بقلم الأستاذ : ياسر الحسنين القواس
– استكمالًا للحديث السابق عن جرائم القتل أتحدث اليوم عن الصورة الرابعة وهي (القصد البسيط و القصد المشدد)، ولكن بداية أتحدث عن “يوم المحاماة” وأهنىء الأسرة العريقة من محامين ومحاميات جمهورية مصر العربية، وتهنئة خاصة إلى معالى النقيب والفقيه المحترم الأستاذ/ رجائي عطية، نقيب محامين جمهورية مصر العربية، ورئيس إتحاد المحامين العرب، وكل عام وحضراتكم بخير.
– الصورة الرابعة : وهى القصد البسيط والقصد المشدد ، فيقصد بالقصد البسيط هو ذلك القصد غير المصحوب بسبق الإصرار ، فهو قصد غير مشدد ، ذلك أن سبق الإصرار من الظروف المشددة للعقوبة ، كما أنه هو أن يقصد الشخص إتيان فعل ما، ليكون هذا الفعل مشكلًا لجريمة، وتتحقق نتيجته الإجرامية المقصودة، كمن يطلق النار على شخص قاصدًا قتله دون توفر الظرف المشدد “سبق الإصرار”، فيتحقق القصد الجنائي البسيط في الحالة التي يرتكب فيها الجاني جريمته بمجرد عزمه على ارتكابها مباشرة دون أن يكون هناك فاصل زمني يمكنه من التفكير الهادىء قبل اتخاذ قراره الإجرامي.
والأمر الثاني وهو/ القصد المشدد (سبق الإصرار) فهو التفكير الهادىء في الجريمة قبل التصميم عليها وتنفيذها، وهو بعبارة أخرى ” تروى الجاني وتدبره قبل إقدامه على ارتكاب الجريمة وتفكيره تفكيرًا هادئًا لايشوبه اضطراب”، فسبق الإصرار كما عرفته المادة 231 عقوبات بأنه :- { الإصرار السابق هو القصد المصمم عليه قبل الفعل لارتكاب جنحة أو جناية يكون غرض المصر منها إيذاء شخص معين أو أي شخص غير معين وجده أو صادفه سواء كان ذلك القصد معلقًا على حدوث أمر موقوفًا أو على شرط } ويستوى فى سبق الإصرار أن يكون قصد الجاني محددًا وهو النيل من شخص معين، أو قصدًا غير محدد كالنيل من أي شخص يتواجد فى مكان معين.
وسواء كان هذا القصد معلق على حدوث أمرًا معينًا أو كان موقوفًا على شرط معين، كما لو صمم الجاني على النيل من المجني عليه إذا قام بفعل معين، كما عرفت محكمة النقض المصرية، سبق الإصرار { وحيث إنه عن ظرف سبق الإصرار فإنه لما كان المقرر أن سبق الإصرار حالة ذهنية تقوم فى نفس الجاني وقد لايكون لها في الخارج أثر محسوس يدل عليها مباشرة وإنما هي تستفاد من وقائع وظروف خارجية وإن إثبات سبق الإصرار مسألة موضوعية تستنتج من ظروف الحال ووقائع الدعوى وله من القرائن مايدل عليه، وهو أن يعد الجاني عدته قبل وقوعه أو أن يتظاهر بمظاهر تخالف الحقيقة وصولًا لتحقيق هدفه، ولما كان مناط تحقيق هذا الظرف، هو أن يرتكب الجاني الجريمة وهو هادىء البال بعد إعمال فكره في هدوء وروية، أي يجب أن يسبق الجريمة زمن مايكون المتهم قد فكر فيه ورتب ماعزم عليه، ووازن بين مزاياه وأخطائه وتدبر عواقبه وليست العبرة بمضي الزمن بذاته بين التصميم والجريمة طال أم قصر بل العبرة بما يقع في ذلك الزمن من التدبير والتفكير } الطعن رقم 6263 لسنة 82 ق جلسة 5/3/2014 .
_______
” ومن المقرر – كذلك – فى تفسير المادة 231 عقوبات أن سبق الإصرار هو ظرف مشدد عام فى جرائم القتل والجرح والضرب يتحقق بإعداد وسيلة الجريمة ورسم خطة تنفيذها بعيداً عن ثورة الإنفعال مما يقتضى الهدوء والروية قبل إرتكابها ، فضلاً عن أنه حالة ذهنية تقوم بنفس الجانى فلا يستطيع أحد أن يشهد بها مباشرة بل تستفاد من وقائع خارجية يستخلصها القاضى منها استخلاصا مادام موجب هذه الوقائع والظروف لايتنافر عقلاً مع هذا الاستنتاج ”
الطعن رقم 5998 لسنة 81 ق جلسة 2/4/2013
– ويشترط لتحقق توافر الظرف المشدد ( سبق الإصرار ) عنصران وهما :- { عنصر التصميم السابق ، وعنصر هدؤ البال }
أ- عنصر زمنى ( التصميم ) :- ويتطلب ضرورة مرور فترة من الوقت قد تطول وقد تقصر بحسب الأحوال ، بين التفكير فى القتل وبين تنفيذه ، فيلزم لكى يتحقق العنصر الزمنى فى سبق الإصرار أن يفكر الجانى فى الجريمة قبل إرتكابها ، فيبيت النية على القيام بها ، ويتضح ذلك من نص المادة 231 عقوبات بقولها ” الإصرار السابق هو القصد المصمم عليه قبل الفعل ” ، وهذه المدة الزمنية ليست معينة ، فقد يصمم الجانى على ارتكاب الجريمة ، طويلة أو قصيرة ، وطبقاً ﻷحكام محكمة النقض المصرية __ فإنه لايستلزم مدة معينة يفكر خلالها الجانى من الجريمة قبل إرتكابها لتوافر العنصر الزمنى ولكن فإنه يهتم أكثر بتقدير العنصر النفسى ، طبقاً للسلطة التقديرية للمحكمة .
[ راجع نقض 5 ديسمبر سنة 1932 ، مجموعة القواعد القانونية ج 3 رقم 46 ص 45 ، 17 مايو سنة 1955 ، مجموعة أحكام النقض س 6 ص 1003 ، 29 أكتوبر سنة 1957 س 8 رقم 227 ، ص 838 ] .
” إن سبق الإصرار يستلزم أن تسبق الجريمة فترة من التفكير تكفى ﻷن يدبر الجانى أمر إرتكاب الجريمة فى هدؤ وروية ”
نقض 8/6/1953 أحكام النقض س 4 رقم 335 ص 927
– هذا يدفعنا إلى التحدث عن العنصر الثانى وهو العنصر النفسى ( هدؤ البال )
ب – العنصر النفسى :- يتمثل في تروى الجانى وتفكيره فى جريمته خلال الفترة الزمنية الممتدة بين العزم والإقدام على إرتكاب الجريمة ، كل ذلك وهو هادىء النفس مطمئن البال بعيداً عن سيطرة الإنفعالات النفسية كالغضب أو الإستفزاز ، وهذا العنصر هو أهم من العنصر الزمنى ، وبه تتحقق حكمة الشارع فى تشديد العقاب ، ” وحكمة التشديد فى سبق الإصرار هى :- أن إقدام الجانى على القتل وهو هادىء النفس ساكن الجنان ، أمر ينبىء عن نفسية شريرة ، لا ينبىء عنها إقدامه على إرتكابه وهو تحت تأثير ثورة الغضب والانفعال _ سواء أكان مصدرها نفس المجنى عليه أم شخص أخر غيره __ أو تحت تأثير خشية الإعتداء عليه أو التنكيل به ، وهو لهذا يعد ظرف مشدداً ، ويتحقق سبق الإصرار ولو كان معلقاً على حدوث أمر أو موقوفاً على شرط كصريح نص المادة ” [نقض 28/4/1941 القواعد القانونية ج 5 رقم 247 ص 449 ] .
– ما لايؤثر فى توافر سبق الإصرار :- إن سبق الإصرار أمراً نفسى يتصل بالقصد الجنائى ويقترن به ، ولهذا فإن ما لايؤثر فى توافر القصد الجنائي ، لايؤثر فى توافر سبق الإصرار ، ومن ذلك :-
1- يتوافر سبق الإصرار سواء كان محدداً بالإعتداء على شخص معين بالذات أم كان الجانى مصمما على قتل إنسان غير معين بذاته ، كما لو أصر الجانى على قتل من يعترضه ، فقد أشارت لذلك المادة 231 عقوبات ” يكون غرض المصر منها إيذاء شخص معين أو أى شخص غير معين وجده أو صادفه ”
[ مادام الحكم قد أثبت __ أن الطاعن وأخاه كانا مبيتين النية على قتل من يصادفانه من غرمائهما أو أقاربهم أو من يلوذ بهم وأن المجنى عليه من أقاربهما ويسكن وسط مساكنهم ، فلذلك مفاده أنه ممن شملهم التصميم]
نقض 6/1/1953 أحكام النقض س4 رقم 138 ص 352 .
2- يتوافر سبق الإصرار ، أيضاً في حالة تعليق القتل على حدوث أمراً أو على تحقق شرط ، كما لو إنتواى شخص قتل أخر وأجمع رأيه على ذلك لو حدث أمر معين ، مثل تعرض المجنى عليه له أو وجوده فى مكان معين ، أو تحقق ظروف معينة . ” سواء كان ذلك القصد معلقاً على حدوث أمر موقوفاً أو على شرط ” 231 عقوبات
[ كما قضى بأنه لايمنع من توافره تعليق تنفيذه مااتفق عليه المتهمان من قبل على سنوح الفرصة للظفر بالمجنى عليه ، حتى إذا سنحت قتلاه تنفيذاً لما عقد عليه النية من قبل ]
نقض 14/4/1952 أحكام النقض س 3 رقم 614 ص 836
3- كذلك لاينتفى ظرف سبق الإصرار إذا كان الجانى قد إنتوى قتل شخص معين بالذات ولكنه وقع فى غلط فى شخص المجنى عليه أو أخطئه فأدى فعله إلى قتل شخص أخر غير من كان يقصده .
[ كما يتحقق الظرف حتى ولو حصل خطأ في شخصية المجنى عليه ]
نقض 6/1 / 1952 أحكام النقض س 4 رقم 138 ص 352 .
{ سبق الإصرار وتعدد الجناة } :- سبق الإصرار ظرف شخصى يتصل بقصد الجانى وحالته النفسية ، وبناء على ذلك إذا تعدد الجناة فى القتل ولم يتوافر سبق الإصرار لدى بعضهم ، فى هذه الحالة لايسرى هذا الظرف إلا على من يقوم لديه منهم أو يتوافر ﻷحدهم من ضبط الأعصاب وحكم النفس مايمكنه من التفكير وعقد العزم فى هدوء ، على عكس الأخر فقد يكون مضطرب الأعصاب .
– ولكن [ إذا وجد إتفاق سابق بين المساهمين فى القتل فإن هذا الاتفاق يعد قرينة على توافر سبق الإصرار لديهم جميعاً – فاعلين كانوا أم شركاء ، وقد قررت محكمة النقض المصرية ذلك :-
” إذا تواجد شخصان فى محل الواقعة لإرتكاب جريمة قتل عمد مع سبق الإصرار وأطلق أحدهما العيار النارى ، أو أحدث الجرح الذى تمت الجريمة بسببه ، فيعتبر كلاهما فاعلاً أصليا للجريمة ” نقض 2/1/1922 المحاماة س 3 عدد 190 ، و7/2/1966 أحكام النقض س 17 رقم 17 ص 94
” متى كان الحكم المطعون فيه قد أثبت فى منطق سليم وبأدلة سائغة وجود الطاعنين – معا على مسرح الجريمة وإطلاقهم الأعيرة النارية على المجنى عليه تنفيذاً لقصدهم المشترك الذى بيتوا النية عليه ، فإن فى هذا ماتحقق به مسؤلية الطاعنين جميعاً عن جناية قتل المجنى عليه عمداً كفاعلين أصليين فيها …… ويستوى فى هذا أن يكون مطلق الأعيرة التى أودت بحياة المجنى عليه معلوما معيناً بالذات أم غير معلوم ” نقض 28/10/1968 أحكام النقض س 19 رقم 174 ص 878
” أنه مادام الطاعن وزميله قد اتفقا على إرتكاب جريمة القتل وساهم كلاهما فيها بإطلاق النار على المجنى عليه ، فإن إدانة الطاعن بإعتباره فاعلاً فى جريمة القتل تكون صحيحة حتى ولو كانت وفاة المجنى عليه لم تحدث من الأعيرة النارية التى أطلقها هو بل حدثت من العيارات التى أطلقها زميلة ” نقض 8/4/1952 أحكام النقض س 2 رقم 298 ص 797 .
وللحديث بقية