تنفيذ الأحكام القضائية في مصر

بقلم: أ. حسام عبد الشافي

إن تنفيذ الأحكام القضائية هو الهدف المتوخى من اللجوء إلى القضاء، إذ لا ينفع التكلم بحق لا نفاذ له، كما أن عدم التنفيذ أو التأخير فيه يلحق ضررًا جسيمًا بالمحكوم له، ويؤثر بالتالي على مصداقية الأحكام وعلى ثقة المواطنين في الجهاز القضائي.

أي قاعدة قانونية أو تنظيم يفقد سبب وجوده، إن لم يكن فعالًا ومنتجًا، فالقضاء دوره إنهاء المنازعات، وقد حذرت المحاكم من خطورة امتناع الجهات الإدارية عن تنفيذ الأحكام القضائية، لما في ذلك من زعزعة الثقة في الدولة كدولة قانون، تخضع فيها الإدارة لمبدأ المشروعية، وتلتزم بأحكام القانون، وتحترم الأحكام القضائية النهائية الصادرة وتلتزم بتنفيذها.

وتصدر محاكم الجنح والجنايات في مصر، مئات الألاف من أحكام الحبس سنويًا، وتخطر أقسام الشرطة بالأحكام لتنفيذها لكن تمر أشهر وسنوات، ويبقى أكثر من نصف الأحكام بلا تنفيذ، بحسب تقرير للأمن العام وإحصاءات للمركز القومي للبحوث الجنائية، مما يؤدي إلى ضياع حقوق ثبتت بأحكام القضاء بحسب محامين وأشخاص صدرت لصالحهم أحكام.

وبحسب مجلد العدالة (المرحلة الثالثة من 2010 إلى 2015) الصادر عن المركز القومي للبحوث الجنائية، أظهرت الإحصاءات أنّ 25,834,197 مليون حكم حبس لم ينفذ خلال الفترة من 2011 الى 2015 وهي عبارة عن 21,663,801 مليون حبس جزئي، و3,843,653 ملايين حبس مستأنف، و 326,743 ألف حكم في الجنايات.

وبلغت الأحكام المنفذة 14,190,747 مليون حكم حبس خلال الفترة من 2011 إلى 2015 وتشمل 11,578,525 مليون حبس جزئي، و2,402,225 مليون حبس مستأنف،  209,997 الف حكم جنايات.

وإن نسبة الأحكام المنفذة وفقا لما ورد في التقرير تتراوح بين 35% و 39% من إجمالي الأحكام الصادرة وهذا يدل على أن العدالة غير ناجزة، والحقوق لا تصل إلى مستحقيها، من الطبيعي، في دولة القانون، أن يكون معدل التنفيذ 100%.

إن الرقم الوارد بالتقرير ضخم جدًا وكارثي، ويعني إهدار ألاف الأحكام القضائية، وبالتالي سقوط العقوبة عن أشخاص أدانهم القضاء يشكلون خطورة على أمن المجتمع.

وفى قانون الإجراءات الجنائية المصري، تسقط العقوبة بعد مرور خمس سنوات في الجنح و٢٠ سنة في الجنايات وأيضًا في أحكام الإعدام التي تسقط بمضي ثلاثين سنة، شرط وجود المتهم داخل البلاد، لكن في حالة وجوده خارج البلاد يوقف التقادم.

زإن الأحكام تسقط بمضي المدة كل يوم، والداخلية لا تعلن أسباب سقوطها، ولا تخضع للمساءلة، لم نسمع مطلقًا عن مساءلة ضابط بقسم شرطة، عن مسؤوليته في عدم تنفيذ حكم.

إن أغلب المحكوم عليهم غيابيًا، ولاسيما في الجنح، لا يشغلون بالهم بالطعن على الأحكام، لعلمهم بتقاعس الشرطة عن ضبطهم، منتظرين مرور سنوات قليلة، لسقوط العقوبة.

ولم يحدد القانون أي مبرر يتيح لقسم الشرطة أو أي جهة حكومية عدم تنفيذ حكم قضائي، وهناك وحدة تنفيذ أحكام بكل قسم منوط بها تنفيذ الأحكام، فضلًا عن دور قطاع التفتيش والرقابة في مراقبة آليات تنفيذ الأحكام بالأقسام والتأكد من جدية مبررات عدم تنفيذها.

ونشير إلى أنه يحق للمجني عليه تحريك دعوى قضائية ضد وزارة الداخلية لتقاعسها عن تنفيذ الحكم، وتعويضه ايضًا عما لحق به من أضرار، وذلك استنادًا إلى المادة 123 قانون العقوبات والتي تنص علي ما يلي:

يعاقب بالحبس والعزل كل موظف عمومي استعمل سلطة وظيفته في وقف تنفيذ الأوامر الصادرة من الحكومة أو أحكام القوانين واللوائح أو تأخير تحصيل الأموال والرسوم أو وقف تنفيذ حكم أو أمر صادر من المحكمة أو من أية جهة مختصة.

ويعاقب بالحبس والعزل كل موظف عمومي امتنع عمدًا عن تنفيذ حكم أو أمر مما ذكر بعد مضى ثمانية أيام من إنذاره على يد محضر إذا كان تنفيذ الحكم أو الأمر داخلا في اختصاص الموظف.

وفي بعض الحالات يتطوع بعض المجني عليهم لإرشاد الشرطة إلى أماكن خصومهم المحكوم عليهم لكن دون جدوى، كما وجه بعض من صدرت لصالحهم الأحكام إنذارات رسمية عبر قلم المحضرين لأقسام شرطة لدفعها للتحرك لكن دون فائدة، وتمر السنوات، وتضيع الحقوق، وتصبح الأحكام حبرًا على ورق.

ومن تداعيات عدم تنفيذ الأحكام أنها تعوق العدالة، وهى حالة من الظلم تحيق بالطرف الذي كسب القضية ويريد حقه المتنازع عليه، ويجعل الناس تلجأ إلى الطرق غير الشرعية للحصول على حقوقها، وعدم تنفيذ الأحكام يساعد على تفشى ظاهرة من أخطر الظواهر في مصر وهى ظاهرة الثأر، ولو كانت لدينا عدالة ناجزة وسرعة في تنفيذ الأحكام، لما تفشت تلك الظاهرة، رغم وجود أسباب أخرى لها، لكن عدم تنفيذ الأحكام، يعد سببًا رئيسيًا لانتشارها بمصر، خصوصًا في الأرياف.

وواحدة أخرى من أهم تداعيات عدم تنفيذ الأحكام في مصر أن تسعى أطراف الدعاوى ليس فقط لتنفيذ الأحكام بيدها، فتسود شريعة الغاب، بل الأهم هو رفض كون السلطة القضائية حكما متفقًا عليه بين العباد، فتغرق البلاد في الفوضى، مئات الألاف من الأحكام بالعقاب البدني (إعدام- سجن) وبنزع الملكية، والتعويض المالي، ورد الأموال أو الأراضي المنهوبة، ومنها ما هو متصل بالميراث والعلاقة بين المطلقين، ورد الحقوق للموظفين.. إلخ، كلها أمور يؤدى تنفيذها إلى إعمال حقيقي لدولة القانون، وكثير من البلدان المتقدمة تقدمت بسبب دولاب العدالة، وبعض البلدان الأخرى انتكست بسبب نكوس دولاب العدالة فيها، كلنا يتذكر مقولة شارل ديجول، فبعد أن عاد إلى باريس عقب الحرب العالمية الثانية سأل سؤاله الشهير عن بلاده، فأبلغ أنها في أسوأ حال، فسأل عن القضاء فعلم أنه بخير، فقال “طالما أن القضاء والعدالة في البلد بخير فكل البلد بخير”.

وفي عصر تتزايد فيه فرص الاستثمار، ومحاولة الدولة جذب استثمارات للبلاد، فإنه ينبغي أن تكون لديها قدرة فائقة على تنفيذ الأحكام فور صدورها، فالمستثمر قبل أن ينفق جنيهًا واحدًا يسأل عن المحكمة المختصة في حالة وجود نزاع، وغالبًا يشترط محاكم أجنبية حيث يوجد مقر إدارة الشركة التي يعمل من خلالها.

وفي النهاية على الدولة أن تتحمل تعويض الضحايا، عن الأحكام الصادرة لصالحهم التي سقطت بمضي المدة، لأنه نتاج إهمال وزارة الداخلية في تنفيذها، كما يجب عليها ان تجد آلية لتنفيذ الأحكام بما يضمن احقاق الحق وارساء العدالة وتطبيق النصوص وتنفيذ الأحكام ووجوب تحري العدالة بين المتقاضين.

زر الذهاب إلى الأعلى