تعليقاً على حكم محكمة النقض في الطعن رقم 4639 لسنة 76 ق حول سلطة محكمة الموضوع في تفسير العقد

بقلم الدكتور/ محمد طرفاوى محمد المحامى

العقد شريعة المتعاقدين فلا يجوز نقضه أو تعديله إلا باتفاق الطرفين، ولا يجوز للمحكمة الخروج على أحكامه إلا في حالات استثنائية منها نظرية الظروف الطارئة؛ وبتلك القواعد المقررة بنصوص المواد (147، 148، 150، 157) من القانون المدني يكون العقد هو قانون المتعاقدين الذي يجب احترامه وعدم الخروج عليه.

وبمطالعة حكم محكمة النقض الصادر في الطعن رقم 4639 لسنة 76ق بجلسة 7/12/2021 نجد أن محكمة النقض قد أقرت مبدأً غاية في الخطورة والأهمية وهو أن القاضي لا يملك الخروج على أحكام العقد، ويملك فقط تفسير إرادة المتعاقدين وفي هذا الصدد فهو تحت رقابة محكمة النقض كون الخطأ في تفسير العقد يعنى الخطأ في تفسير إرادة المتعاقدين ويعنى بالتبعية الخطأ في تطبيق القانون.

فقد قررت محكمة النقض في هذا الطعن ما مفاده أن” النص في المادتين 147/1، 150/1 من القانون المدني يدل على أن العقد هو قانون المتعاقدين والخطأ في تطبيق نصوصه خطأ في تطبيق القانون، ويمتنع على أي من المتعاقدين نقض العقد أو تعديله، كما يمتنع ذلك على القاضي وعليه أن يلتزم بعبارات العقد الواضحة باعتبارها تعبيراً صادقاً عن الإرادة المشتركة للمتعاقدين فلا يجوز الإنحراف عنها بدعوى تفسيرها، ومراعاة هذه القواعد من مسائل القانون التي تخضع لرقابة محكمة النقض.”

وبذلك يكون لمحكمة الموضوع الحق في تفسير إرادة المتعاقدين الواردة بالعقد ولكن ذلك مشروط بعدم جواز الإنحراف عن تلك الإرادة حال كون عبارات اعقد واضحة، وتلك مسألة قانون تخضع لرقابة محكمة النقض رغم كونها شكلياً من مسائل الموضوع والتي لا تخضع –بحسب الأصل – لرقابة محكمة النقض، فلا ينال من ذلك القول بأن لمحكمة الموضوع السلطة التامة في تفسير العقود وتقرير ما ترى أنه كان مقصود المتعاقدين مستعينة بظروف وملابسات الدعوى- كما قررت بعض المبادئ الأخرى لمحكمة النقض – لأن ذلك مشروط بعدم الخروج على عبارات العقد الواضحة وتفسيرها تفسيراً قاصراً بما يعيب الحكم ويوجب نقضه.

ونرى أن خطأ محكمة الموضوع في هذا الحال هو خطأً مزدوج، فهو خطأ في تطبيق القانون باعتبار العقد هو قانون المتعاقدين ولا يجوز الخروج على أحكامه ولا تعديله إلا باتفاق الطرفين كما يمتنع على المحكمة الخروج على قواعده باعتباره قانون المتعاقدين، وكذلك فهو فساد في الاستدلال حيث إن محكمة الموضوع وهي بصدد تفسير العقد قد استنبطت أحكاماً تنافي الواقع والحقيقة وبذلك تكون قد مسخت حقيقة الدعوى ولم توردها البحث الكافي الوافي لكافة مستنداتها مما مؤداه فساد الحكم الصادر من محكمة الموضوع في الاستدلال أيضاً بجانب الخطأ في تطبيق القانون.

وقد أكد المشرع ذلك بتقرير حالات محددة لسلطة محكمة الموضوع في تفسير العقد، فقد أورد في نص المادة (150) من القانون المدني ما نصه أنه” إذ كانت عبارات العقد واضحة فلا يجوز الاحرانف عنها من طريق تفسيرها للتعرف على إرادة المتعاقدين؛ أما إذا كان هناك محل لتفسير العقد فيجب البحث عن النية المشتركة للمتعاقدين دون الوقوف على المعني الحرفي للألفاظ مع الاستهداء في ذلك بطبيعة التعامل وبما ينبغي أن يتوافر من أمانة وثقة بين المتعاقدين وفقاً للعرف الجارى في المعاملات.”

كما أكدت المادة (151) من ذات القانون ما مفاده أن الشك يفسر في مصلحة المدين، وبذلك أحاط المشرع العقد بحماية خاصة في حال تفسيره من قبل محكمة الموضوع بأن وضح كيفية تفسيره وحالات ذلك التفسير وطريقة وشروط عمل القاضي حال تفسيره للعقد، ومن ثم فقد أقر المشرع حقيقة مفادها أن تفسير العقد له قدسية خاصة ولا يجوز التوسع في أحكام تفسير العقد، ويجب على القاضي أن يسير في فلك تلك النصوص ولا يخالفها، فإن جاء ما قضي به موافقاً لها، تنحصر عنه رقابة محكمة النقض لكونه لم يخالف القانون ولم يصاب بعوار الفساد في الاستدلال، وإن كان غير ذلك سلط عليه سيف الرقابة من قبل محكمة النقض.

وكنتيجة لتلك النصوص نجد أن هناك عوامل يستهدى بها القاضي للكشف عن النية المشتركة للمتاقدين حال عدم وضوح عبارات العقد، فهناك عوامل داخلية وعوامل خارجية يمكن للقاضي أن يستهدى بها في تفسير العقد، أما عن العوامل الداخلية فقد ذكر القانون منها طبيعة التعامل وما ينبغي أن يتوافر من أمانة وثقة بين المتعاقدين، وأضاف إليها العلامة الأستاذ الدكتور/ عبدالرزاق السنهوري عاملاً آخر وهو أن يستهدى القاضي بعبارات العقد كونها تفسر بعضها بعضا في كثير من الأحيان؛ وعن العوامل الخارجية فنجد ما أورده القانون منها وهو العرف الذي يحكم المعاملات، وأُضيف إليها طريقة تنفيذ العقد؛ تلك العوامل التي يجب على القاضي أن يستهدى بها في تفسير العقد وإلا كان عمله قاصراً.

وفي نهاية تلك الأسس التي قررها القانون وهي حالة قيام الشك في تفسير عبارات العقد، فعلى القاضي أن يفسرها دائماً في مصلحة المدين، وبذلك يكون المشرع قد أورد جميع الأسس والحالات التي يجب على القاضي اتباعها في تفسير العقد، ولا يجوز له الخروج عنها وإلا كان حكمه مصاباً بعوار الخطأ في تطبيق القانون جديراً بنقضه.

 

زر الذهاب إلى الأعلى