ترويع الآمنين باسم الإسلام جناية على الإسلام
من تراب الطريق ( 1256 )
نشر بجريدة المال الثلاثاء ٨/ ٢ / ٢٠٢٢
ـــ
بقلم : رجائى عطية
ــــــ
من المؤسف ، أننا فى الوقت الذى نستند إلى الخطاب الإسلامى ، وإلى القيم الإسلامية ، أن يشيع « ترويع » الآمنين و« التعدى » عليهم ، وانتهاك حرماتهم ، وتعريضهم للخطف والسرقة والاغتصاب ، ومقايضة المخطوفين والمخطوفات ، بفدية يفرضها الخاطفون ، وإلاّ قتلوا الرهينة .. وهذه وغيرها ظواهر دخيلة على مصر الآمنة من مئات السنين ، ودخيلة على الأخلاق والطباع المصرية ، ومنافية ـ وهذا هو الأهم ـ لقيم ومبادئ وأحكام الإسلام الذى نرفع رايته أو يتشح البعض به ، دون أن يلزموا أنفسهم بمنظومة سجاياه وشمائله وأحكامه .
لقد كان الأمن ، ولا يزال ، مرتبطًا بالإيمان فى الإسلام ارتباط لزوم ، وجدير بالذكر أنه قبل أن تنفجر هذه الظواهر الخطيرة المقلقة ، اجتمع زبدة علماء الإسلام من كافة الدول الإسلامية فى أول عام 2008 ، ليتدارسوا معًا أسس ومبادئ الأمن المجتمعى فى الإسلام ، ومن حصاد هذا المؤتمر الواسع ، أصدر المجلس الأعلى للشئون الإسلامية فى مارس 2008 ، مجلدًا ضخمًا بلغ 1270 صفحة من القطع الكبير ، دارت مقوماته ومحاوره الأربعة حول قضايا وخطوط واهتمامات وعناصر وتوجهات ومرام وغايات توفير الأمن المجتمعى فى الإسلام.
وتلفت الدراسات التى قدمت ونشرت فى هذا المجلد الضخم ، إلى أصول المقومات الحافظة للأمن المجتمعى فى الإسلام ، فالإنسانية ـ فيما أرشد القرآن الحكيم ـ تنتمى إلى أسرة بل ونفس واحدة .. « يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالا كَثِيرًا وَنِسَاءً » (النساء 1) .. والتعاون على البر والتقوى أصل من الأصول الإسلامية .. « وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ » (المائدة 2) .. هذه الرؤية أثرت وتـؤثر إيجابًا بلا شك على مفهوم الأمن والسلام المجتمعى .. ترعاها باقة من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية .. فالسلام اسم من أسماء الله تعالى ، وجعل سبحانه وتعالى إفشاء السلام غاية . وفى الحديث : « والذى نفسى بيـده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ، ولا تؤمنوا حتى تحابوا ، أوَ لا أدلكم على شىء إذا فعلتموه تحاببتم ، أفشوا السلام بينكم » .. وفى حديث برواية عمار ابن ياسر : « ثلاث من كن فيه استكمل الإيمان :الإنفاق من الإقتار ، والإنصاف من نفسك ، وبذل السلام للعالم » ، ويقول عليه الصلاة والسلام لمن سأله عن خير الإسلام : « تطعم الطعام وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف » .
كان دور « الإيمان » فى تحقيق السلام الاجتماعى ، محلاً لكثير من الدراسات فى هذا المؤتمر الإسلامى الكبير ، والأمن الذى انصرفت إليه هذه الدراسات هو أمن الإنسان على نفسه وذويه ، وما ملكت يداه ، وأمنه على عقله وفكره وحريته ، وكل ما يشكل ركنًا من أركان وجوده المادى والمعنوى . ثم هو أمن المجتمع شاملاً الأغيار إلى جوار أمن وأمان النفس .
والأمن هو المقابل المضاد للخوف والفزع .. فهو الطمأنينة والاطمئنان إلى عـدم توقع المكروه ، أما« الإيمان » فهو اطمئنان القلب بالانتماء إلى الخالق عز وجل .. الرازق والمنعم والراعى والحافظ .. فالاطمئنان بالمعيّة الإلهية يعصم من أى خوف أو فزع أو اغتراب فى الدنيا والآخرة ، ومن ثم كان الإيمان هو أفضل السبل لتحقيق أمن الإنسان وأمن علاقاته بالناس .. عن الوعد الإلهى بهذا الأمن . يقول الحق جل وعلا فى سورة النور : « وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ همُ الْفَاسِقُونَ » ( النور 55 ) .. يقول الصادق المصدوق ـ صلى الله عليه وسلم :« لا يؤمن من لا يأمن جاره بوائقه » ..« المؤمن من أمنه الناس علـى دمائهـم وأموالهم » .
وفى الحديث الشريف أيضًا : « لا تخيفوا أنفسكم بعد أمنها » ، وضرب القرآن الحكيم مثلاً للأمن والطمأنينة للجماعة والمجتمع ، فى قوله عز من قائل : « وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ » ( النحل 112) .
هذا الإيمان هو القوة الروحية التى تخرج الإنسان من الخوف إذا ألم به أو حملت النوازل نذره .. هذه القوة الروحية التى منبعها الإيمان هى التى تؤمن الإنسان من الخوف ومن الجوع ومن نوازل النقص فى الأموال والثمرات وما يصيب الأنفس ، فيقول الحق تبارك وتعالى : « وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُـواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْـهِ رَاجِعـونَ * أُولَـئِكَ عَلَيْهِـمْ صَلَوَاتٌ مّــِن رَّبِّهِـمْ وَرَحْمَـةٌ وَأُولَـئِكَ هُـمُ الْمُهْتَدُونَ (البقرة 155 ـ 157 ).
وهذه المنابع التى تصب ـ بالإيمان ـ فى أمان الفرد ، تنعكس بالضرورة على أمان المجتمع الذى حرص الإسلام على بنائه وكفالة أمنه. وسيلته هى ذات الإنسان المؤمن الذى يقوم نسيجه على جناحين : « الأمن الروحى » الذى يتحقق بالانتماء الدينى والمعيّة الإلهية والأنس بالحضرة الربانية ، و« الأمن المادى » على المعاش .