براءة الأديان من مغالطات التفاسير وأغراض السياسة (3)

 

نشر بجريدة المال الخميس 16/7/2020

بقلم: أ. رجائي عطية نقيب المحامين

تتضح أغراض السياسة، في الملحق الأول الذي أضافه جورج بوش الجد الأعلى لكتابه عن «محمد» -صلى الله عليه وسلم-، فيعتسف فيه تفسيرًا غريبًا ومغلوطًا لنبوءتي دانيال ويوحنا اللاهوتي.

يبدأ بنبوءة دانيال الواردة بالعهد القديم الذى امتد وضعه قرابة ألف عام، واستغرق جمعه نحو ألف عام أخرى من سنة 1100 ـ 200 ق م . ينتزع منه بوش رؤيا لدانيال الذي ذكرت دائرة المعارف الكتابية أن وضع سفره في القسم الثاني للأسفـار القانونية فـي الكتاب المقدس العبري، كان على الأرجح لأنهم لم يعتبروه «نبيا»، بل كان بالحري «رائيا» أو «حكيما» (ج/3 ـ ص 388).. ويذكر سفر دانيال نفسه أنه كان واحدًا من النسل الملكي في يهوذا، ومن الشرفاء الذين أخذهم نبو خذ نصر (605 ق.م) إلى بابل بيد أن بوش يمضى مـع الرؤيـا أو الحلـم الذى رَوَى دانيـال أنـه رآه (الإصحاح 8 : 8 ـ 26 ) ، تحدث فيه عـن « تيس » و« قرن عظيم » و« قرن صغير » ، ورواية رآها في المنام ، ليسحبها بوش أكثر من 1500 سنة ويجتزها من الأسر البابلي ليطبقها على الإسلام ورسوله ، وألف سنة أخرى ليطبقها على الواقع المعاصر .. ويتجاهل في تفسيره الغريب كل منطق ، ويخالف وقائع التاريخ ، ليقفز إلى نبوءة أغرب من الخيال ، أن المسلمين بعـد إزاحـة حكامهـم المتسلطين ، سيتركون دين « الدعىّ » محمد ـ كذا ! ـ إلى الدين الحقيقي ! يفسر الرؤيا أو المنام بأن القرن الكبير الأول ( قرن الكبش ) هو مملكة الإسكندر ، وأن القرن الصغير يشير إلى الدين المحمدي ـ هكذا يفضل تسميته ! وأن « فخر الأراضي » أو« زينة الأراضي » مقصود بها أرض يهوذا أي فلسطين ، وأن شاهد صدق النبوءة ـ حسب تفسيره ـ أن « الدعي » العربي ـ كذا ! ـ حصل على درجة من التوقير مساوية لما يحظى به يسوع المسيح ، بل ورفع نفسه عليه درجة حين جعله مجرد نبي واحتفظ لنفسه وللقرآن بمكانة أوفر . الدين الإسلامي في تفسيره هو :«.. هرطقة محمد ».. ينسب إليه في اجتراء غشوم أنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ أطاح بالطقوس السابقة وبرموزها ومذابحها .. وأن مـا تنبـأ به القديس بولس عن « رجل الخطية » يشير إلى ما أسماه « الخداع المحمدي » !.. ولذلك الغرض يلوى بوش الآيات القرآنية الواردة على لسان يوسف عليه السلام فينسبها إلى لسان « محمد » .. ليطلق عليه أنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ هو « مؤلف القرآن » !!

* * *

بذات الملحق الأول لكتاب « محمد مؤسس الدين الإسلامي » ، ينتقل بوش الجد الأعلى من سفر دانيال في القرن السابع قبل الميلاد ، إلى رؤيا يوحنا اللاهوتي الذى كتب إنجيله في أرجح الروايات بعد أكثر من تسعين عاما من رفع السيد المسيح . أما الرؤيا التي تصدى الواعظ بوش لتفسيرهـا على هـواه ، فضمن رسائل يوحنا اللاهوتـي بالعهـد الجديد ( الإصحاح 9 : 1 ـ 19 ) .. ورد بها نفخ ببوق ، وكوكب سقط من السماء إلى الأرض ، وهاوية أُعْطِىَ مفتاحها للنجم الساقط .. يصعد الدخان من بئرها وأتونها العظيم ، ويخرج منها جراد على الأرض شكله كشكل الخيل المعدة للحرب ، على رءوسها أكاليل ، ولها أذناب شبه العقارب ، ولها ملاك الهاوية ، والويل الواحد مضى ، يأتي بعده ويلان ، ثم نفخ الملاك السادس بالبوق ، وانفك أربعة ملائكة لكى يقتلوا ثلث الناس ، والخيل والجالسون عليها لهم دروع نارية تخرج النار والدخان والكبريت من أفواهها !

يلوى بوش الجد الأعلى هذه الرؤيا ليسحبها على الإسلام والعرب ، فهم الجراد وزعيمهم ( محمد ) هو المبيد !.. والكوكب الذى سقط من السماء وأُعْطِىَ مفتاح الهاوية يرمز دينيا لظهور « الدعى » العربي ـ كذا !.. أما سقوط النجم قبل ظهوره فيشير إلى شخص « آريوس » وغيره من الهراطقة وارتدادهم عن الحق الذى جازتهم العناية الإلهية عنه بظهور الإسلام : « ذلك الدين المدمر المخادع »!!!.. لا يدع بوش الجد الأعلى سبيلا لتزييف التاريخ والحقائق إلاّ سلكه ليستقيم له التفسير المغلوط الذى تبناه !

زر الذهاب إلى الأعلى