بادرة في ليبيا!
من تراب الطريق (918)
بادرة في ليبيا!
نشر بجريدة المال الأحد 23/8/2020
بقلم: أ. رجائي عطية نقيب المحامين
أرضانا ولا شك الإنفراجة أو بادرة الانفراج التي طلت من ليبيا بعد أن كانت الأمور قد تأزمت واشتدت، وبدا أنه لا حل لها في الأفق المرئي إلاَّ التصادم العسكري دفاعًا عن الأمن القومي المصري الذي تأتيه رياح الأخطار من حدودنا الغربية مع الحدود الشرقية لليبيا التي تعاني معاناة هائلة منذ الخريف العربي الذي بدأت غاراته منذ صدر عام 2011.
أشفقت علينا من انفتاح أبواب الخطر بمصر وأمنها ومصالحها العليا، من الغرب حيث زرعت المليشيات المرتزقة والدواعش ومدت تركيا تمددها من العراق ثم سوريا إلى ليبيا، وإلى المياه الإقليمية لدول شمال وجنوب البحر المتوسط، ومن الشرق حيث هجمات الإرهاب الذي بذلت مصر الكثير من دماء بنيها حتى أجهضت معظم قوته في سيناء، وحالت بينه وبين الاختراق إلى الدلتا والعمق المصري، بينما تأتينا الأخطار من الجنوب، وعلى رأسها السد الأثيوبي الذي يهدد حياة مصر وشعبها.
وسط هذه التوجسات، انفتحت طاقة ظهر أمس الحادي والعشرين من أغسطس الجاري، تصدرت خلافًا لكل التحليلات والتوقعات، وفي تطور مفاجئ، إعلان المجلس الرئاسي لحكومة لوفاق الليبية برئاسة السراج، إيقاف إطلاق النار في جميع أنحاء البلاد، أعقبه بيان للبرلمان ليبي برئاسة عقيلة صالح الذى التقى بالرئيس السيسي من أيام في مصر، وبعد أن كان السيد الرئيس قد استقبل وفدًا من زعماء القبائل الليبية لشكر مصر والتنسيق معها، وأكد بيان البرلمان الليبي أن «إيقاف النار سيخرج المرتزقة، ويؤدي إلى تفكيك المليشيات ويوقف التدخل الأجنبي».
وجاء في بيان حكومة «الوفاق» أن فايز السراج أصدر «تعليمات لجميع القوات العسكرية بالإيقاف الفوري لإطلاق النار وجميع العمليات القتالية في كل الأراضي الليبية».
وكانت المفاجأة الثانية التي لا يعرفها إلاَّ العالمون ببواطن الأمور وبما بذلته وتبذله مصر -أن وجه فايز السراج رئيس حكومة الوفاق في ليبياــ وجه الشكر للرئيس عبد الفتاح السيسي، لجهوده في إحلال الأمن والسلام والاستقرار في ليبيا.
يذكر لهذه الجهود، أنها بذلت سرًّا بلا استعراض ولا ضجيج، قامت فيها مصر بدورها القومي كقاطرة للعالم العربي، توجت بهذه الإنفراجة التي يُرجى لها الاستمرار حتى عقد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية لليبيا في مارس القادم كما أفصح البيان الرئاسي الليبي.
طبيعي إذن أن ترحب مصر، وأن يرحب رئيسها، بالبيانات الصادرة عن المجلس الرئاسي ومجلس النواب في ليبيا، بإيقاف إطلاق النار في جميع أنحاء ليبيا، والتهيئة لعقد انتخابات رئاسية وبرلمانية في مارس القادم، وهو موعد تستلزمه ترتيب الأوضاع التي كانت قد بلغت ذروة الاصطدام.
كما رحبت الأمم المتحدة ببيان المجلس الرئاسي الذي دعا إلى إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية في مارس المقبل، معلنة في الوقت نفسه ضرورة خروج جميع القوات الأجنبية والمرتزقة من ليبيا.
الأيام القادمة بالغة الأهمية، ففيها يجب أن تستأنف بجدية العملية السياسية، واستئناف انتاج النفط لصالح ليبيا وشعبها لا سواه، بذلك رحبت السفارة الأمريكية في ليبيا، وكذلك الحكومة الإيطالية التي أعربت عن أملها في تطبيق التصريحات بشأن استئناف إنتاج النفط، فيما رحبت كندا بإيقاف إطلاق النار، وحثت الأطراف الليبية على استئناف العملية السياسية، ولم تتخلف جامعة الدول العربية عن هذا الترحيب والحث على وضع الترتيبات الواجبة موضع التنفيذ.
ومما يهم الأمن القومي المصري، ما جاء بالبيان الرئاسي الليبي، من أن «تحقيق وقف فعلى لإطلاق النار ــ يقتضي أن تصبح منطقتا سرت والجفرة منزوعتي السلاح، وأن تقدم الأجهزة الشرطية من الجانبين بالاتفاق على الترتيبات الأمنية داخلهما».
لست أريد أن أصدق أو أكذب ما نسبته بعض الصحف والمواقع إلى أردوغان أنه نوه بالدور الإيجابي لمصر في ليبيا.. إن كان قد قال فإنه يكون قد أفلح إن صدق!