الهيكل الحكومي.. وزارة الإعلام
مقال للدكتور أحمد عبد الظاهر – أستاذ القانون الجنائي بجامعة القاهرة
مقدمة
خلال العصر الملكي، وحتى قيام ثورة الثالث والعشرين من يوليو 1952م، لم تعرف مصر الكثير عن الإعلام ووسائل الاتصال. وبالنسبة لما نسميه حالياً وسائل الاتصال الجماهيرية، لم يكن هناك سوى جهاز الراديو والبث الإذاعي فضلاً عن عدد محدود من الصحف والمجلات، والتي كانت محدودة الانتشار والتأثير. بل إن البث الإذاعي لم يعرف طريقه إلى الحياة الإعلامية المصرية سوى في الحادي والثلاثين من شهر مايو 1934م، حيث بدأ إرسال الإذاعة المصرية لأول مرة، وهو بذلك تاريخ بداية الإعلام الاذاعي المصري.
ولكن، وبعد ثورة يوليو 1952م ببضعة أشهر، نشأت وزارة خاصة بالإرشاد القومي، أي الإعلام، واستمر وجود هذه الوزارة حتى سنوات قليلة مضت. وسنحاول فيما يلي إلقاء الضوء على المراحل المختلفة التي مرت بها وزارة الإعلام في الحياة السياسية المصرية والهيكل التنظيمي للحكومات المتابعة، قبل أن نجيب عن التساؤل الخاص بمدى جدوى وجود هذه الوزارة، وذلك في عدة مطالب، على النحو التالي:
المطلب الأول: نشـأة وزارة الإرشاد القومي.
المطلب الثاني: وزارة الإعلام في عصر السادات.
المطلب الثالث: وزارة الإعلام في عصر مبارك.
المطلب الرابع: وزارة الإعلام بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011م.
المطلب الخامس: وزارة الإعلام بعد ثورة الثلاثين من يونيو 2013م.
المطلب السادس: مدى جدوى وجود وزارة للإعلام.
المطلب الأول
نشأة وزارة الإرشاد القومي
مع قيام ثورة يوليو 1952م، أدرك النظام السياسي الجديد أهمية تزويد الرأي العام المصري والعربي والعالمي ودوائر الثقافة والسياسة الوطنية والأجنبية بالبيانات والإحصائيات والأرقام والصور والرسوم عن حقائق الأمور في مصر. وهكذا، وفي شهر نوفمبر 1952م، ولأول مرة في التاريخ المصري، تم إنشاء وزارة خاصة بشئون الإعلام والاتصال، أُطلق عليها مسمى «وزارة الإرشاد القومي»، ثم تغير اسمها إلى «وزارة الثقافة والإرشاد القومي»، ثم عادت مرة أخرى إلى «وزارة الإرشاد القومي». واستمر هذا الوضع قائماً حتى نهاية حكم الرئيس الراحل جمال عبد الناصر بوفاته في شهر سبتمبر سنة 1970م.
ولم يقتصر الأمر خلال هذه الفترة على مجرد تغيير مسمى الوزارة المعنية، سواء من خلال الربط بينها وبين الثقافة تارة أو الفصل بينهما وتخصيص وزارة منفصلة للإرشاد القومي تارة أخرى، وإنما شهدت كذلك العديد من التعديلات والتغييرات، فيما يتعلق بتبعية الجهات ذات الصلة بالإعلام، نذكر منها على سبيل المثال أن الإذاعة المصرية قد انتقل الاشراف عليها إلى وزارة الإرشاد القومي بعد إنشائها، ولكن وفي الخامس عشر من شهر فبراير 1958م، صدر القرار الجمهوري رقم 183 لسنة 1958 باعتبار الإذاعة المصرية مؤسسة عامة ذات شخصية اعتبارية، وتم الحاقها برئاسة الجمهورية.
كذلك، وفي العام 1954م، تم إنشاء مصلحة الاستعلامات، والتي حلت محلها الهيئة العامة للاستعلامات، وذلك بموجب قرار رئيس الجمهورية العربية المتحدة رقم 1820 لسنة 1967 بإنشاء الهيئة العامة للاستعلامات. وطبقاً للمادة الأولى من قرار إنشائها، «تنشأ هيئة عامة تسمى الهيئة العامة للاستعلامات تحل محل مصلحة الاستعلامات وتكون لها الشخصية الاعتبارية، وتتبع وزير الإرشاد القومي، وتخضع لإشرافه ورقابته وتوجيهه». وجدير بالذكر في هذا الشأن أن هذا القرار قد صدر في التاسع من أكتوبر سنة 1967م، أي بعد حوالي أربعة أشهر من حدوث نكسة الخامس من يونيو 1967م. ويبدو أن الحاجة كانت ملحة في هذا التوقيت إلى إنشاء ما يمكن أن نطلق عليه «جهاز الإعلام الرسمي والعلاقات العامة للدولة»، وبحيث تضطلع هذه الهيئة بدورها في شرح سياسة الدولة في المجالات المختلفة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية على الصعيدين الداخلي والخارجي ومواقفها إزاء مختلف القضايا، وتنمية وعي المواطن ومشاركته الفعالة في بناء مجتمعه في الداخل ولتعميق أواصر الصداقة والعلاقات الوثيقة بين مصر والعالم الخارجي. وبالإضافة إلى كونها جهاز العلاقات العامة للدولة، فهي مركز للدراسات السياسية والاعلامية، وبنك للمعلومات، ودار نشر كبرى للثقافة والفكر. فوفقاً للمادة الثانية الفقرة الأولى من قرار رئيس الجمهورية العربية المتحدة رقم 1820 لسنة 1967 بإنشاء الهيئة العامة للاستعلامات، «تهدف الهيئة إلى المساهمة في تحقيق رسالة وزارة الإرشاد القومي، وذلك في مجال التعرف على موقف الرأي العام المحلي والعالمي تجاه القضايا والأحداث التي تهم الدولة، وفي مجال إرشاد وتوعية وتنوير الرأي العام المحلي باستخدام وسائل الاتصال المباشر، وفي مجال الإعلام وتنوير الرأي العام العالمي باستخدام مختلف الوسائل وذلك طبقاً لخطط الإعلام المقررة». وفي سبيل تحقيق هذه الأهداف، تخول الفقرة الثانية من المادة ذاتها «للهيئة أن تقوم بما يحقق هذه الأهداف بالتعاون مع كافة الأجهزة المعنية بالدولة، وخاصة أجهزة الإعلام الأخرى وأجهزة الاتحاد الاشتراكي العربي وأجهزة الدولة بالخارج وللهيئة على الأخص ما يأتي:
(1) تنظيم الحصول على المعلومات عن شتى الموضوعات والأحداث والقضايا التي تهم الرأي العام في الداخل والخارج، وتجميع وتصنيف ودراسة هذه المعلومات وتحليلها لاستخلاص الاتجاهات المختلفة فيها وإبلاغ هذه النتائج للجهات المعنية – وعلى الأخص وزارة الإرشاد القومي – بما يسمح بتخطيط ورسم سياسة الإعلام على أساس الموقف الحقيقي لاتجاهات الرأي العام المحلي والعالمي.
(2) قياس ردود الفعل واتجاهات الرأي العام المحلي والعالمي إزاء برامج الإعلام التي تقدمها مختلف أجهزة الإعلام، وإزاء الإجراءات والقرارات التي تتخذها أجهزة الدولة فيما يرتبط بجماهير الشعب وذلك كله عن طريق أجهزتها المحلية والخارجية، وبالاستعانة بمختلف أجهزة الدولة في الداخل والخارج.
(3) إعداد وتنفيذ البرامج الإعلامية الموجهة إلى الرأي العام المحلي وفقاً لسياسة وخطط الإعلام المقررة، بهدف تدعيم وتعميق المفاهيم الاشتراكية بين القواعد الشعبية، ومعاونة الجهود التي تبذل لرفع المستوى الحضاري للقرية وتحقيق اللقاء المتصل بين الشعب وقيادته، وإيصال فلسفة العمل الوطني إلى جميع العاملين، وتبصير المواطنين بسياسة واتجاهات وقرارات الدولة، والمساهمة في إبراز المناسبات القومية وما إلى ذلك من أهداف إرشاد وتوجيه الجماهير وذلك باستخدام وسائل الاتصال المباشر عن طريق ما تقوم به مراكز الإعلام المحلية – الثابتة والمتنقلة – من عقد اللقاءات المباشرة ونشر المطبوعات والصور وعرض الملصقات والشرائح والأفلام التسجيلية وإذاعة الشرائط التسجيلية وما إلى ذلك من وسائل الاتصال المباشر بجماهير الشعب».
وتجدر الإشارة أيضاً إلى أن هذه الفترة شهدت صدور بعض القرارات الجمهورية ذات الصلة، ونعني بذلك قرار رئيس الجمهورية رقم 3718 لسنة 1965 بتنظيم قطاع الثقافة والإرشاد القومي والسياحة والآثار. كذلك، صدر قرار رئيس الجمهورية رقم 76 لسنة 1966 بتنظيم وزارة الإرشاد القومي.
المطلب الثاني
وزارة الإعلام في عصر الرئيس السادات
خلال سنوات السبعينيات من القرن الماضي، ومع تولي الرئيس الراحل محمد أنور السادات الحكم في مصر، استمر الاهتمام الرسمي بالإعلام. ويبدو ذلك طبيعياً بالنظر إلى أن الرئيس الراحل عمل لفترة من الوقت في دار الهلال، وكان ذلك في بداية حياته، وقبل أن يلتحق بركب السياسة. وبعد الثورة، وتحديداً في الرابع من شهر يوليو 1953م، وتحقيقاً لهدف «صحافة الثورة»، تم تكليفه بالإشراف على إصدار أول صحيفة يومية تصدرها ثورة يوليو، لتدعو لها وتتبنى أفكارها وتدافع عن سياساتها. وهكذا، قام البكباشي محمد أنور السادات بتأسيس جريدة الجمهورية وتولى إدارتها في بداية نشأتها. وخلال رئاسته للجريدة، كتب السادات أكثر من ألف مقال صحفي. وفى العام 1954م، نشرت له قصة قصيرة بعنوان «ليلة خسرها الشيطان»، كما كتب قصة أخرى لم تر النور حتى تاريخه بعنوان «صراع الجزيرة».
ولعل اجتماع الثقافة والحس الصحفي في شخصية الرئيس السادات هو الذي استدعى اتجاه الهيكل الحكومي خلال فترة حكمه إلى ضم قطاعي الاعلام والثقافة. وقد حدث ذلك في وزارة ممدوح سالم الثانية، وهي الوزارة السابعة والتسعون في تاريخ مصر، وتشكلت في التاسع عشر من مارس 1976م، حيث تم الجمع بين الثقافة والإعلام في وزارة واحدة، تحت مسمى وزارة الثقافة والإعلام، والتي تولى منصبها آنذاك الدكتور جمال العطيفي، واستمر الوضع كذلك في وزارات ممدوح سالم اللاحقة، وآخرها وزارة ممدوح سالم الخامسة، والتي تشكلت في التاسع من شهر مايو 1978م، حيث تم الجمع بين الثقافة والإعلام في وزارة واحدة، تحت مسمى «وزارة الثقافة والإعلام»، والتي تولى منصبها آنذاك الأستاذ عبد المنعم الصاوي.
كذلك، وخلال فترة حكم الرئيس محمد أنور السادات، صدر القانون رقم 13 لسنة 1979 في شأن اتحاد الإذاعة والتليفزيون. وطبقاً للمادة الأولى من هذا القانون، «تنشا هيئة عامة باسم (اتحاد الإذاعة والتليفزيون)، تتولى شئون الإذاعة المسموعة والمرئية في جمهورية مصر العربية، وتكون لها الشخصية الاعتبارية ومركزها مدينة القاهرة». ويبدو لافتاً في هذا القانون أن المشرع لم يقرر تبعية الاتحاد لوزارة الإعلام، حيث اكتفت المادة الرابعة من القانون بالنص على أن «يحدد بقرار من رئيس الجمهورية الوزير المختص بشئون الإذاعة والتلفزيون. ويكون للاتحاد مجلس الأمناء ومجلس للأعضاء المنتدبين، وجمعية عمومية».
ومن ناحية ثالثة، وبناء على نتيجة الاستفتاء على تعديل الدستور، والذي أجري يوم 22 مايو 1980م، تم إضافة فصل جديد إلى الدستور تحت عنوان «سلطة الصحافة» (المواد من 206 إلى 211). وعلى حد علمنا، فإن تعبير سلطة الصحافة لم يسبق استخدامه في أي نص دستوري أو قانوني آخر، الأمر الذي يمكن أن يكون ذا دلالة على نظرة جديدة للصحافة باعتبارها مستقلة عن هيمنة أو إشراف أي وزارة من الوزارات. كذلك، وفي الإطار ذاته، تجدر الإشارة إلى المادة (206) من الدستور، والتي تنص على أن «الصحافة سلطة شعبية مستقلة تمارس رسالتها على الوجه المبين في الدستور والقانون». ولا شك أن إطلاق وصف «سلطة شعبية مستقلة» يعبر عن نظرة جديدة تضفي استقلالية كاملة غير منقوصة على الصحافة. ولعل ذلك يتأكد من خلال قراءة المادة (207) من الدستور، بنصها على أن «تمارس الصحافة رسالتها بحرية وفي استقلال في خدمة المجتمع بمختلف وسائل التعبير، تعبيراً عن اتجاهات الرأي العام وإسهاما في تكوينه وتوجيهه، في إطار المقومات الأساسية للمجتمع، والحفاظ على الحريات والحقوق والواجبات العامة، واحترام حرمة الحياة الخاصة للمواطنين، وذلك كله طبقا للدستور والقانون». كذلك، تنص المادة (208) من الدستور على أن «حرية الصحافة مكفولة والرقابة على الصحف محظورة وإنذارها أو وقفها أو إلغاءها بالطريق الإداري محظور وذلك كله وفقاً للدستور والقانون». وفي الاتجاه ذاته، تنص المادة (209) من الدستور على أن «حرية إصدار الصحف وملكيتها للأشخاص الاعتبارية العامة والخاصة وللأحزاب السياسية مكفولة طبقا للقانون. وتخضع الصحف في ملكيتها وتمويلها والأموال المملوكة لها لرقابة الشعب على الوجه المبين بالدستور والقانون». وتكريساً وتأكيداً على الاستقلالية التي تتمتع بها الصحافة، تخول المادة (210) من الدستور «للصحفيين حق الحصول على الأنباء والمعلومات طبقا للأوضاع التي يحددها القانون. ولا سلطان عليهم في عملهم لغير القانون». وأخيراً، تنص المادة (211) من دستور 1971م، مضافة بموجب التعديل الدستوري المؤرخ في شهر مايو 1980م، على أن «يقوم على شئون الصحافة مجلس أعلى يحدد القانون طريقة تشكيله واختصاصاته وعلاقاته بسلطات الدولة. ويمارس المجلس اختصاصاته بما يدعم حرية الصحافة واستقلالها، ويحقق الحفاظ على المقومات الأساسية للمجتمع، ويضمن سلامة الوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي، وذلك على النحو المبين في الدستور والقانون».
المطلب الثالث
وزارة الإعلام في عصر الرئيس مبارك
مع بداية فترة حكم الرئيس الراحل محمد حسني مبارك، صدر القرار الجمهوري رقم 43 لسنة 1982م، فأصبح للإعلام وزارة مستقلة تحت مسمى «وزارة الدولة للإعلام». وفي العام 1986م، أصبحت وزارة الإعلام وزارة كاملة، وبذلك استقرت أوضاع وزارة الإعلام من كافة النواحي الإدارية والقانونية والتشريعية، حيث صدر القرار الجمهوري رقم 310 لسنة 1986م بتحديد اختصاصات وزارة الاعلام. وقد استمر الوضع على هذا النحو حتى قيام ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011م (يراجع في هذا الشأن: تاريخ الاعلام المصري، وزارة الإعلام، 2007م).
ولا نغالي إذا قلنا إن صفوت الشريف هو أشهر وزراء الإعلام في عهد الرئيس الراحل محمد حسني مبارك، حيث ظل في هذا المنصب لفترة طويلة، امتدت لفترة تزيد على عقدين من الزمان تقريباً، وذلك قبل أن يترك هذه الوزارة ويتولى رئاسة مجلس الشورى آنذاك. وقبل تركه لمنصب وزير الإعلام، أدلى صفوت الشريف بتصريح صحفي، أكد فيه أنه آخر وزير للإعلام في مصر. ومع ذلك، فقد تولى المنصب بعده الوزير ممدوح البلتاجي ثم الوزير أنس الفقي.
المطلب الرابع
وزارة الإعلام بعد 25 يناير 2011م
بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011م، احتدم الجدل حول مدى جدوى وجود وزارة للإعلام. ويبدو أنه كان لهذا الجدل انعكاس على نصوص الدستور الصادر في الخامس والعشرين من ديسمبر 2012م. بيان ذلك أن المادة (215) من هذا الدستور تنص على أن «يتولى المجلس الوطني للإعلام تنظيم شئون البث المسموع والمرئي وتنظيم الصحافة المطبوعة والرقمية وغيرها. ويكون المجلس مسئولا عن ضمان حرية الإعلام بمختلف صوره وأشكاله والمحافظة على تعدديته، وعدم تركزه أو احتكاره، وعن حماية مصالح الجمهور، ووضع الضوابط والمعايير الكفيلة بالتزام وسائل الإعلام المختلفة بأصول المهنة وأخلاقياتها، والحفاظ على اللغة العربية، ومراعاة قيم المجتمع وتقاليده البناءة». وبدورها، تنص المادة (216) من الدستور ذاته على أن «تقوم الهيئة الوطنية للصحافة والإعلام على إدارة المؤسسات الصحفية والإعلامية المملوكة للدولة، وتطويرها، وتنمية أصولها، وضمان التزامها بأداء مهني وإداري واقتصادي رشيد». ولعل ذلك يدل على إضفاء استقلالية على وسائل الإعلام، بما يتناسب مع الظروف الجديدة الناجمة عن ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011م.
ومع ذلك، فقد كان حرص جماعة الإخوان كبيراً على تولي أحد كوادرها هذه الحقيبة الوزارية، حيث تولى صلاح عبد المقصود منصب وزير الإعلام في حكومة الدكتور هشام قنديل. كذلك، وبموجب القرار الجمهوري رقم (170) لسنة 2012م، الصادر في السادس من شهر سبتمبر 2012م، تم نقل تبعية الهيئة العامة للاستعلامات، بحيث تتبع مباشرة لرئاسة الجمهورية.
ولعل ذلك يؤكد بشكل جلي على مدى الأهمية التي تحظى بها هذه الوزارة في فكر جماعة الإخوان وحرصها الشديد ورغبتها الدفينة في السيطرة على وسائل الإعلام.
المطلب الخامس
وزارة الإعلام بعد ثورة الثلاثين من يونيو 2013م
بعد ثورة الثلاثين من يونيو 2013م، يبدو أن الإرادة السياسية قد اتجهت إلى إلغاء هذه الوزارة، حيث تضمن الدستور المصري لأول مرة النص على إنشاء المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام والهيئة الوطنية للصحافة والهيئة الوطنية للإعلام، باعتبارها هيئات مستقلة. فوفقاً للمادة 211 من الدستور المصري الحالي لعام 2014م، «المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام هيئة مستقلة تتمتع بالشخصية الاعتبارية والاستقلال الفني والمالي والإداري، وموازنتها مستقلة. ويختص المجلس بتنظيم شئون الإعلام المسموع والمرئي، وتنظيم الصحافة المطبوعة، والرقمية، وغيرها. ويكون المجلس مسئولاً عن ضمان وحماية حرية الصحافة والإعلام المقررة بالدستور، والحفاظ على استقلالها وحيادها وتعدديتها وتنوعها، ومنع الممارسات الاحتكارية، ومراقبة سلامة مصادر تمويل المؤسسات الصحفية والإعلامية، ووضع الضوابط والمعايير اللازمة لضمان التزام الصحافة ووسائل الإعلام بأصول المهنة وأخلاقياتها، ومقتضيات الأمن القومي، وذلك على الوجه المبين في القانون. يحدد القانون تشكيل المجلس، ونظام عمله، والأوضاع الوظيفية للعاملين فيه. ويُؤخذ رأي المجلس في مشروعات القوانين، واللوائح المتعلقة بمجال عمله». أما فيما يتعلق بالهيئة الوطنية للصحافة، فإن المادة 212 من الدستور تنص على أن «الهيئة الوطنية للصحافة هيئة مستقلة، تقوم على إدارة المؤسسات الصحفية المملوكة للدولة وتطويرها، وتنمية أصولها، وضمان تحديثها واستقلالها، وحيادها، والتزامها بأداء مهني، وإداري، واقتصادي رشيد. ويحدد القانون تشكيل الهيئة، ونظام عملها، والأوضاع الوظيفية للعاملين فيها. ويُؤخذ رأي الهيئة في مشروعات القوانين، واللوائح المتعلقة بمجال عملها». وفيما يتعلق بالهيئة الوطنية للإعلام، تنص المادة 213 من الدستور على أن «الهيئة الوطنية للإعلام هيئة مستقلة، تقوم على إدارة المؤسسات الإعلامية المرئية والإذاعية والرقمية المملوكة للدولة، وتطويرها، وتنمية أصولها، وضمان استقلالها وحيادها، والتزامها بأداء مهني، وإداري، واقتصادي رشيد. ويحدد القانون تشكيل الهيئة، ونظام عملها، والأوضاع الوظيفية للعاملين فيها. ويُؤخذ رأي الهيئة في مشروعات القوانين، واللوائح المتعلقة بمجال عملها».
وتنفيذاً للمقتضيات الدستورية سالفة الذكر، واتساقاً معها، صدر القانون رقم 92 لسنة 2016م في شأن التنظيم المؤسسي للصحافة والإعلام، والذي نص على المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام باعتباره هيئة وطنية مستقلة، وبحيث يتولى تنظيم شئون الإعلام المسموع والمرئي والرقمي بالصحافة المطبوعة والرقمية وغيرها، ويتمتع بالاستقلال الفني والمالي والإداري، ولا يجوز التدخل في شؤونه. ويتشكل المجلس بقرار من رئيس الجمهورية.
وبإمعان النظر في المقتضيات الدستورية والنصوص القانونية سالفة الذكر، يبدو سائغاً القول إن المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام هو الجهة البديلة التي انتقلت إليها مسئوليات وزارة الإعلام وقبلها وزارة الإرشاد القومي. ولعل ذلك يتأكد في ضوء ما تحقق على أرض الواقع فعلاً، حيث تم إلغاء وزارة الإعلام اعتباراً من وزارة إبراهيم محلب الثانية، مروراً بحكومة المهندس شريف إسماعيل ثم وزارة الدكتور مصطفى مدبولي.
ومع ذلك، فقد كانت بعض الأصوات تتصاعد من آن لآخر، مطالبة بإعادة وزارة الإعلام، بدعوى ضبط الوسط الإعلامي. ويبدو أن هذه الأصوات قد وجدت استجابة، حيث عادت حقيبة الإعلام مرة أخرى كوزارة دولة في تعديل وزارة مصطفى مدبولي في 22 ديسمبر 2019م. ولكن، لم يستمر ذلك مدة طويلة. إذ تولى الأستاذ أسامة هيكل المنصب من 22 ديسمبر 2019م إلى 25 أبريل 2021م، حيث استقال من منصبه بفعل بعض الضغوط والحملات الصحفية والإعلامية، وتم نشر خبر قبول الاستقالة في الجريدة الرسمية بتاريخ السادس والعشرين من شهر أبريل 2021م.
والواقع أن أداء الوزارة خلال هذه الفترة كان باهتاً، ولا يتعلق ذلك بشخص الوزير، وإنما يمكن إرجاع هذا الأداء الباهت إلى أن وجود هذه الحقيبة الوزارية كان نشازاً في ظل وجود المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام والهيئة الوطنية للصحافة والهيئة الوطنية للإعلام، منظوراً إليها باعتبارها هيئات مستقلة بنص الدستور والقانون.
المطلب السادس
مدى جدوى وجود وزارة للإعلام
في تقييم مدى جدوى ومدى أهمية وجود وزارة للإعلام، قد يكون من المناسب الوقوف على رأي الأستاذ محمد حسنين هيكل في هذا الشأن، لاسيما وأنه تولى وزارة الإرشاد القومي، وينتمي إلى مجال الصحافة والإعلام بمعناه الواسع. ففي إحدى حلقات برنامجه التليفزيوني «مع هيكل»، وتحديداً في الحلقة رقم (209)، وتحت عنوان «دهاليز الكرملين»، سرد الكاتب الصحفي الكبير ووزير الإرشاد القومي الأسبق، محمد حسنين هيكل واقعة حدثت أثناء زيارة وفد رسمي مصري برئاسة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر إلى الاتحاد السوفيتي، والتي تمت في الثلاثين من شهر يونيو 1970م، وبهدف الحصول على بعض الأسلحة اللازمة لخوض معركة تحرير سيناء. ففي أثناء جلسة المباحثات بين الوفد الرسمي المصري وبين الجانب السوفيتي برئاسة الرئيس السوفيتي الأسبق ليونيد بريجنيف، قدم الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر قائمة طلبات الأسلحة التي يحتاجها الجيش المصري لخوض غمار الحرب، والتي بلغت قيمتها آنذاك 660 مليون روبل بما يعادل 660 مليون دولار، والتي تعادل ما يساوي ثلاثة مليارات دولار بالأسعار الحالية، كما طلب زيادة عدد الخبراء السوفييت لأغراض تدريب الجنود المصريين على هذه الأسلحة. وفي الجلسة الأولى من جلسات هذه المفاوضات، أثار الرئيس السوفيتي ليونيد بريجنيف مسألة أو مشكلة تتعلق بشأن عمل وزارة الإرشاد القومي التي كان الكاتب الصحفي محمد حسنين هيكل وزيراً لها آنذاك. إذ قال الرئيس السوفيتي موجهاً كلامه إلى الرئيس جمال عبد الناصر: أنتم تطلبون مزيداً من الخبراء، ونحن نعلم أن الشعب المصري قد لا يكون راغباً في كثرة الخبراء. وعندما سأله الرئيس عبد الناصر عن ذلك، التفت الرئيس ليونيد بريجنيف إلى هيكل وأشار في اتجاهه، قائلاً إن السيد هيكل يعلم التفاصيل لأنها جرت في وزارته. وعندما استوضح منه الرئيس جمال عبد الناصر عن الأمر، قال بريجنيف إن وزارة الإرشاد القومي قامت بإجراء استفتاء على شريحة كبيرة من الرأي العام المصري، منهم المثقفين. ثم إن هذا الاستفتاء أظهر أن الشعب المصري لا يريد خبراء سوفييت، وأنه طبقاً للاستفتاء 75% من المثقفين في مصر لا يريدون هؤلاء الخبراء. وهنا التفت الرئيس جمال عبد الناصر إلى هيكل، سائلاً إياه عما إذا كان لذلك أصل، فرد عليه هيكل بأن هذا الموضوع ليس له أصل. ومع ذلك، استأذن هيكل للتحقق من الموضوع، حيث قام بالاتصال تليفونياً – من مكتب ملاصق بقاعة الاجتماعات – بالدكتور عبد الملك عودة، والذي كان يقوم آنذاك بالإشراف على إدارة مكتبه، طالباً منه التحقق والتقصي عن الموضوع. واستشعاراً لخطورة الموضوع، قامت هيئة المستشارين في مكتب الأستاذ هيكل بالتقصي سريعاً عنه، حيث كانت النتيجة أن الموضوع يبدو أن له أصلاً. ولكن، هذا الأصل يختلف اختلافاً بيناً عما قيل خلال القمة المنعقدة بين كبار المسؤولين في الدولتين. وتتلخص الواقعة في أن اثنين من هيئة المستشارين بوزارة الإرشاد القومي، وهما الأستاذ تحسين بشير والدكتور عبد الوهاب المسيري ذهبوا إلى مكتب الاستعلامات في كفر الزيات، حيث قابلوا مدير المكتب وسألوه عن كيفية إعداد تقارير الرأي العام، فقال لهم إن بعض موظفي المكتب يذهبون إلى القهاوي أو إلى الأهالي أو مكاتب موظفي الحكومة ويتناقشون معهم بهدف الاستماع منهم إلى تصوراتهم. ويتم ذلك بدون أي آلية منهجية، سواء فيما يتعلق باختيار العينات أو اختيار الأسئلة. وعندما وجه الدكتور عبد الوهاب المسيري سؤالاً إلى مدير مكتب استعلامات كفر الزيات عن كيفية تحديد الموضوعات التي يتم سؤال الناس عنها، رد عليه بأنهم يقومون بالاستماع إلى الدعايات المضادة، حيث يستمعون على سبيل المثال إلى راديو لندن وراديو صوت أمريكا في ذلك الوقت، وذلك بهدف الوقوف على القضايا التي أثاروها، ومن ثم يتم سؤال الرأي العام عنها، بالإضافة إلى بعض المشاكل أو القضايا الداخلية، مثل توافر السلع وتوافر الخدمات. وهنا تدخل في الحديث والمناقشة الأستاذ تحسين بشير، مستفسراً بشكل أكثر تحديداً عن أي موضوعات قاموا بالسؤال عنها، فرد عليه مدير مكتب استعلامات كفر الزيات بأنهم سألوا في موضوع الخبراء السوفييت لأن قبلها راديو لندن كان يتكلم كثيراً في هذا الموضوع، فتصورنا أن هذا الموضوع يهم الناس. ولذلك، سألنا الناس في هذا الموضوع، فكان بعضهم موافقاً، وكان بعضهم معترضاً.
وتعليقاً على هذه الواقعة، أكد الأستاذ محمد حسنين هيكل أنه في هذه الفترة كان يحاول إعادة تنظيم وزارة الإرشاد القومي، أي وزارة الإعلام فيما بعد، وكان رأيه في واقع الأمر متجهاً إلى حل هذه الوزارة، مبرراً ذلك بأن هذه الوزارة لا معنى لها. ووفقاً لرأي الأستاذ هيكل، فإن الإذاعة والتليفزيون يتعين أن يذهبوا كمؤسسة مستقلة، على غرار البي بي سي، وأنه اختار الدكتور مصطفى خليل ليكون مسؤولاً عنها، وتكون هذه المؤسسة المستقلة تابعة لمجلس الأمة في ذلك الوقت، شأنها في ذلك شأن الجهاز المركزي للمحاسبات، حيث تقوم بتقديم تقاريرها السنوية إلى البرلمان، وتكون مستقلة في كل ما تقوله. وفيما يتعلق بمصلحة الاستعلامات أو الهيئة العامة للاستعلامات، فقد كان رأيه أن هذه المصلحة أو الهيئة إضافة لا لزوم لها وتكرار لعمل الوزارات. وللتدليل على ذلك، وبحسب رأي الأستاذ هيكل، يكفي أن نقول إن ثمة مكاتب لمصلحة الاستعلامات في الخارج، وثمة مكاتب أخرى لوكالة أنباء الشرق الأوسط في الدول الأجنبية، وثمة مكاتب ثالثة متابعة للصحافة في السفارات. أي أنه كانت هناك ثلاثة تقارير يومية تأتي إلى الحكومة المصرية من الجهات الثلاث، وهذه التقارير تكرر نفسها، وهي كلها مأخوذة مما هو منشور في الصحف الأجنبية، وليس فيها جديد، وليس فيها مصادر خاصة، الأمر الذي يشكل من وجهة نظراً إهداراً للموارد. وفي نفس الوقت، كان فيه مكاتب للاستعلامات في الداخل. وسبق للأستاذ هيكل أن طلب إعادة تقييم هذه المكاتب، والتي كانت تقدم لوزارة الإرشاد القومي، وبشكل يومي، تقريراً عن اتجاهات الرأي العام. وحسب اعتقاده، فإنه ليس منطقياً ولا معقولاً أن تقاس اتجاهات الرأي العام يومياً. ولذلك، طلب أن تكون فيه لجنة أو لجان تقوم بتقييم عمل مكاتب الاستعلامات في الداخل. وهذه المكاتب كان لديها قوافل، يعرضوا فيها أفلام، ويقومون بتوعية الفلاحين، وينشروا بيانات عن أنشطة الحكومة، ثم يقومون بقياس اتجاهات الرأي العام. ولما كانت آلية عمل هذه المكاتب كانت تتم بشكل غير علمي وغير منهجي، لذا فإن الأستاذ هيكل كان من رأيه عدم ضرورة وجود هذه المكاتب.
والواقع أن السنوات اللاحقة قد أثبتت صحة هذه الوجهة من النظر. ففي الأول من شهر نوفمبر 2014م، صدر قرار الهيئة العامة للاستعلامات رقــم 462 لسنة 2014م بشأن إغلاق بعض المكاتب الإعلامية في بعض العواصم والمدن. كذلك، وفي التاريخ ذاته، صدر قرار الهيئة العامة للاستعلامات رقــم 463 لسنة 2014 بشأن إلغاء فئة ملحق إعلامي في مكاتب الإعلام بالخارج في بعض العواصم. وقد نصت المادة الأولى من هذا القرار على أن «تُلغى فئة ملحق إعلامي في مكاتب الإعلام بالخارج في العواصم وطبقاً للتواريخ المبينة في الجدول الآتي: …». ولم يقتصر الأمر على هذا الحد، حيث نصت المادة الثانية من القرار ذاته على أن «يخفض عدد الملحقين الإداريين في المكتب الإعلامي …».