الهيئة العامة لمحكمة النقض تقرر مبدأ قانوني جديد بشأن جريمة جلب المخدرات

بقلم: الأستاذ/ أحمد الأسيوطي

انتهت الهيئة العامة لمحكمة النقض بالأغلبية إلى العدول عن المبدأ القانوني المقرر سلفًا من أن لفظ الجلب يتسع ليشمل الطرح للتداول سواء داخل البلاد أو خارجها وأصبحت القاعدة قانونية منذ ذلك الحكم جريمة الجلب تنطبق في حالة انصراف نية المتهم إلى الطرح للتداول داخل البلاد فقط.

أصدرت الهيئة العامة للمواد الجنائية لمحكمة النقض حكما رسخت فيه مبدأ قانونيا جديدا بجلسة ١٠ / ١٢ / ١٩٩٥ وذلك علي اثر اتهام أحد الأشخاص القادمين من الخارج بأنه جلب جوهرا مخدرا (هيروين) إلى داخل ج.م.ع عن طريق مطار القاهرة الدولي في غير الأحوال المصرح بها قانونا وبدون تصريح كتابي من الجهة الإدارية المختصة، وتمت إحالته إلى محكمة جنايات القاهرة لمحاكمته طبقا للقيد والوصف الواردين بآمر الإحالة، ومحكمة جنايات القاهرة قضت آنذاك حضوريا بجلسة ٢٣/ ٨/ ١٩٩٢ بمعاقبته  بالأشغال الشاقة لمدة ست سنوات وتغريمه ٥٠ الف ج ومصادرة المخدر.

واعتبرت المحكمة أن المتهم احرز جوهر المخدر بغير قصد الإتجار أو التعاطي أو الاستعمال الشخصي في غير الأحوال المصرح بها قانونا، واستندت محكمة الجنايات في قضاؤها علي عدم توافر القصد الخاص لجريمة الجلب وهو قصد طرح المخدرات للتداول بين الناس داخل أراضي ج.م.ع لأنه أي المتهم كان في طريقه من دولة أجنبية – حاملا المخدر المضبوط – إلى دولة أجنبية أخرى مرورا بمطار القاهرة الدولي .. الأمر الذي علي اثره أن قامت النيابة العامة بالطعن علي هذا الحكم بطريق النقض وقدمت أسباب الطعن جاء أهمها الخطأ في تطبيق القانون لأنه يكفي للعقاب علي جريمة الجلب هو إدخال المخدر إلى البلاد ولو كان المتهم في سبيل لنقله إلي إقليم دولة أخرى مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه، وبجلسة ٨ / ٣ / ١٩٩٥ قررت محكمة النقض دائرة الأربعاء (ب) إحالة الطعن إلي الهيئة العامة للمواد الجنائية للفصل فيه.

ونظرت الهيئة العامة الطعن واستندت وفندت الهيئة العامة مفهوم الجلب الذي عناه الشارع في المواد ١و٢ و ٣ و ٣٣/ ١ و ٤٢ من القرار بقانون رقم ١٨٢ لسنة ١٩٦٠ المعدل، وكذا اتفاقيه الأفيون الدولية والبروتوكول الخاص بها والذي تم التوقيع عليه بجنيف في ١٩  فبراير ١٩٢٥ وتعتبر هذه الاتفاقية هي الأصل التاريخي الذي استمد منه الشارع أحكام الإتجار في المخدرات واستعمالها،

وكذا اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الإتجار غير المشروع في المخدرات، وبالتالي رأت الدائرة الجنائية العدول عن المبدأ القانوني من أن الجلب يتحقق بنقل المخدر وإدخاله إلى المجال الخاضع لاختصاص ج.م.ع الإقليمي علي خلاف الأحكام المنظمة لجلبه المنصوص عليها في القانون ولو كان في طريقة إلى دولة أخرى لطرحه وتداوله بين الناس فيها.

ومن حيث أنه لما كان ما تقدم فان الهيئة العامة تنتهي بأغلبية الآراء المنصوص عليها في المادة الرابعة من قانون السلطة القضائية إلي العدول عن المبدأ القانوني المقرر سابقا من أن لفظ الجلب يتسع ليشمل الطرح للتداول داخل البلاد أو خارجها ، لأن الثابت من الأوراق وما تم فيها من تحقيقات أن المتهم أحرز المخدر المضبوط متجها بها إلى دولة أخرى بغية طرحها وتداولها في السوق في تلك الدولة، وقد تم ضبطه بمنطقة الترانزيت بمطار القاهرة ولم يدر بخاطره أن يدخل الأراضي المصرية وأية ذلك انه لم يحصل علي تأشيرة دخول او تصريح إقامة ولم تبدي منه أية محاولة لتسريب تلك السموم داخل البلاد، ومن ثم ينتفي قصد طرح المخدر وتداوله بين الناس في داخل الأراضي المصرية وهو القصد الخاص لجريمة جلب المخدرات.

ومن حيث أن الحكم المطعون فيه الصادر من محكمة جنايات القاهرة قد دان المتهم بجريمة أحراز المخدر المضبوط احراز مجردا من أي قصد من القصود الثلاثة ( الإتجار، التعاطي، الاستعمال الشخصي)

ولما كان ما قرره الحكم يتفق وصحيح القانون لما هو مقرر من أن جلب المخدر معناه استيراده وهو معني لا يتحقق إلا اذا كان الشيء المجلوب يفيض عن حاجة الشخص واستعماله الشخصي ملحوظا في ذلك طرحه وتداوله بين الناس في داخل ج.م.ع وبالتالي قضت الهيئة العامة للمواد الجنائية بقبول الطعن شكلا وفي الموضوع برفضه.

زر الذهاب إلى الأعلى