«النقض»: يلزم لصحة الحكم بالإدانة أن يكون جماع الدليل القولي غير متناقض مع جوهر الدليل الفني

أكدت محكمة النقض في حكمها بالطعن رقم 11291 لسنة 90 قضائية، أنه لا يلزم لصحة الحكم بالإدانة أن تطابق أقوال الشهود مضمون الدليل الفني في كل جزئية منه بل يكفي – كما هو الحال في الدعوى الماثلة – أن يكون جماع الدليل القولي غير متناقض مع جوهر الدليل الفني تناقضاً يستعصى على الملائمة والتوفيق ، فإن ما يثيره الطاعن من وجود تناقض بينهما لا يكون له محل.

المحكمـــة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد القاضي المقرر والمرافعة وبعد المداولة قانوناً :

أولاً : الطعن المقدم من الطاعن الأول/ ……………..:

لما كان من المقرر أن النظر في شكل الطعن إنما يكون بعد الفصل في جوازه ، وكان الطاعن سالف الذكر متهماً في جناية ، وصدر الحكم ضده غيابياً ، وكانت المادة 395 من قانون الإجراءات الجنائية تنص على أن الحكم الغيابي الصادر من محكمة الجنايات يبطل بحضور المحكوم عليه في غيبته ، أو بالقبض عليه قبـل سقوط العقوبة بمضي المدة ، ويُعاد نظر الدعوى أمام المحكمة ، كما أن الشارع قد خول حق الطعن لمن عدا المتهم من خصوم الدعوى في الحكم الصادر في غيبته، لما كان ما تقدم ، فإن الطعن المقدم من الطاعن لا يكون جائزاً.

ثانياً : الطعن المقدم من الطاعن الثاني/ …………… :

من حيث إن الطعن قد استوفى الشكل المقرر في القانون.

وحيـث إن ما ينعاه الطاعـن على الحكم المطعـون فيه أنه إذ دانه بجريمتي إحداث عاهة مستديمة وحيازة وإحراز أداة ماسورة حديد ، وشقرف مما تستخدم في الاعتداء على الأشخاص بغير مسوغ قانوني ، قد شابه القصور والتناقض في التسبيب ، والفساد في الاستدلال ، والإخلال بحق الدفاع ، ذلك بأنه جاء قاصراً في بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التي وقعت فيها ، ولم يحدد محدث الإصابة التي تخلف عنها العاهة ، وعول على تقرير الطب الشرعي دون بيان مضمونه بشكل واف من وصف الإصابة والأداة المستخدمة وفحوى مذكرة النيابة وما حوته من تصوير وصولاً لمدى توافقه مع باقي الأدلة.

وتمسك بتناقض الدليلين الفني والقولي ، ولم يعن بدفاعه بانتفاء أركان جريمة الشروع في القتل في حقه ، واعتنق صور متعارضة لواقعة الدعوى بما يصمه بالتناقض وينبئ عن اضطراب الواقعة في ذهن المحكمة وعدم الإلمام بها ، وعول على أقوال شهود الإثبات الكاذبة رغم استحالة وعدم معقولية تصويرهم للواقعة فضلاً عن تناقضهم وتعدد رواياتهم سيما وأن الشاهدين الثالث والرابع لم يشاهدا الواقعة حال حدوثها وهو ما قام عليه دفاعه ، دون إجراء تحقيق في هذا الشأن وصولاً لوجه الحقيقة ، وعول على تحريات النقيب/ ………والتي لا تصلح دليلاً للإدانة رغم عدم جديتها لشواهد عددها سيما وقد تناقضت مع التحريات الأولية لغيره ، وقضى بإدانته رغم خلو الأوراق من شاهد رؤية ، فضلاً عن أنه لم يبادر بالاعتداء على المجني عليه بدلالة أقوال شهود الإثبات ، ولم يعن بأقوال شهود النفي ، بما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.

لما كان ذلك ، وكان من المقرر أنه لا يلزم لصحة الحكم بالإدانة أن تطابق أقوال الشهود مضمون الدليل الفني في كل جزئية منه بل يكفي – كما هو الحال في الدعوى الماثلة – أن يكون جماع الدليل القولي غير متناقض مع جوهر الدليل الفني تناقضاً يستعصى على الملائمة والتوفيق ، فإن ما يثيره الطاعن من وجود تناقض بينهما لا يكون له محل ، فضلاً عن أن البين من محضر جلسة المحاكمة أن المدافع عن الطاعن لم يثر شيئاً عما أورده بوجه الطعن من قالة التناقض بين الدليلين القولي والفني.

لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن التناقض الذي يعيب الحكم ويبطله هو الذي يقع بين أسبابه بحيث ينفي بعضها ما أثبته البعض الآخر ولا يعرف أي الأمرين قصدته المحكمة ، وكان الحكم المطعون فيه قد اعتنق صورة واحدة لكيفية وقوع الحادث وساق على ثبوتها في حق الطاعن أدلة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها ، فإن في ذلك ما يكفي لحمل قضائه بالإدانة على الوجه الذي انتهى إليه ، مما تنتفي معه قالة التناقض ولا يعدو ما يثيره الطاعن في هذا الشأن أن يكون منازعة في الصورة التي اعتنقتها المحكمة للواقعة وجدلاً موضوعياً في سلطة محكمة الموضوع في استخلاص صورة الواقعة كما ارتسمت في وجدانها مما تستقل بالفصل فيه بغير معقب ، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد يكون غير سديد.

لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن للمحكمة أن تأخذ بأقوال الشاهد ولو كانت سماعية ذلك أن الأصل في الشهادة هو تقرير الشخص لما يكون قد رآه أو سمعه بنفسه أو أدركه على وجه العموم بحواسه فلا على الحكم إن هو أخذ بشهادتهم وإذ كان الحكم المطعون فيه قد اطمأن إلى حصول الواقعة طبقاً للتصوير الذي أورده وكانت الأدلة التي استند إليها سائغة ومقبولة في العقل والمنطق ولا يجادل الطاعنون في أن لها معينها الصحيح في الأوراق.

لما كان ذلك ، وكان يبين من الاطلاع على الأوراق أن المحامي الموقع على تقرير الأسباب المقدم من المحكوم عليه الثاني هو بذاته الذي حضر بجلسات المحاكمة بصفته وكيلاً عن المجني عليه وادعى مدنياً قبله بمبلغ عشرة آلاف وواحد جنيه على سبيل التعويض المدني الأمر الذي يمتنع عليه طبقاً للمادة 80 من القانون رقم 17 لسنة 1983 الخاص بالمحاماة أمام المحاكم وأمرت المحكمة بإحالة الدعوى المدنية إلى المحكمة المدنية المختصة ، إلا أن هذه المخالفة المهنية لا تستتبع تجريد العمل الإجرائي الذي قام به من آثاره القانونية وبالتالي لا تنال من صحة تقرير الأسباب المثبت للإجراء المذكور الذي تم وفقاً للأوضاع التي تطلبها القانون ، ومن ثم فلا يضار الطاعن بتلك المخالفة. لما كان ما تقدم ، فإن الطعـن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة : أولاً: بعدم جواز طعن المحكوم عليه غيابياً/ ……. ، ثانياً: بقبول طعن المحكوم عليه/ …………وفي الموضوع برفضه.

أمين الســـر رئيس محكمة النقض

زر الذهاب إلى الأعلى