«النقض»: لا يجوز نزع الملكية بغير رضاء المالك إلا في الأحوال التي قررها القانون
أكدت محكمة النقض في أثناء نظرها الطعن رقم 12827، على أن المادة 805 من القانون المدني نصت على أنه لا يجوز أن يحرم أحد من ملكه إلا في الأحوال التي يقررها القانون، وبالطريقة التي يرسمها، ويكون ذلك في مقابل تعويض عادل.
المحكمـة
بعـد الاطـلاع على الأوراق وسمـاع التقريـر الذى تـلاه السيد القاضى المقرر / على مرغنى الصادق نائب رئيس المحكمة والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الوقائع – على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق – تتحصل في أن مورث الطاعنين الثلاثة الأول وباقى الطاعنين أقاموا الدعوى رقم 13200 لسنة 1998 مدني.
الوقائع:
محكمة جنوب القاهرة الابتدائية على المطعون ضدهم بصفاتهم بطلب الحكم بإلزامهم بأن يؤدوا لهم مبلغ 5466585 جنيها والفوائد القانونية من تاريخ الاستيلاء ، وقالوا بياناً لذلك أن الهيئة المطعون ضدها الرابعة استولت على الأطيان المملوكة لمورثهم المبينة بالصحيفة مقدرة قيمة التعويض وفق المادة الخامسة من القانون رقم 178 لسنة 1952 بمبلغ 23415 جنيها تم صرفه ، وأن هذا التقدير لا يعادل القيمة الحقيقة للأطيان ، وإذ قضت المحكمة الدستورية بعدم دستورية المادة سالفة البيان فى الدعوى رقم 28 لسنة 6 ق دستورية فقد أقاموا الدعوى ، حكمت المحكمة برفض الدعوى . استئناف الطاعنون هذا الحكم بالاستئناف رقم 3545 لسنة 116 ق أمام محكمة استئناف القاهرة.
نديت المحكمة خبيراً فى الدعوى بعد أن أودع تقريره ، قضت وبتاريخ 27/6/2016 بإلغاء الحكم المستأنف وإلزام المطعون ضده الثانى بصفته بأن يؤدى إليهم مبلغ 255069،84 جنيها ، طعن الطاعنون فى هذا الحكم بطريق النقض وأودعت النيابة مذكرة دفعت فيها بعدم قبول الطعن لرفعها على غير ذى صفة بالنسبة للمطعون ضدهم الأول والثالث والرابع بصفاتهم ، وأبدت الرأى بنقض الحكم المطعون فيه ، وإذ عُرض الطعــــــن على المحكمـــة – في غرفة مشورة – حددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن مبنى الدفع المبدى من النيابة بعدم قبول الطعن بالنسبة للمطعون ضدهم الأول والثالث والرابع بصفاتهم لرفعه على غير ذى صفة.
وحيث إن هذا الدفع فى محله، ذلك أن المقرر – فى قضاء هذه المحكمة – أنه لا يكفى فيمن يختصم فى الطعن أن يكون خصماً فى الدعوى التى صدر فيها الحكم المطعون فيه، بل ينبغى أن يكون خصماً حقيقياً وذا صفة فى تمثيله بالخصومة. لمـــــا كـــان ذلك، وكان وزيــــر الخزانـــــة – المالية – هو صاحب الصفة فى دعوى المطالبة بالتعويض عن الأراضى المستولى عليها طبقاً لقانون الإصلاح الزراعى رقم 178 لسنة 1952 وتعديلاته، ومن ثم فإن المطعون ضدهم الأول والثالث والأخير بصفاتهم لا صفة لهم ولا يقبل اختصامهم فى الطعن ويضحى الطعن بالنسبة لهم غير مقبول.
وحيث إن الطعن – فيما عدا ما تقدم – استوفى أوضاعه الشكلية. وحيث إن الطعن أقيم على سببين ينعى بهما الطاعنون على الحكم المطعون فيه الخطأ فى تطبيق القانون ومخالفة الثابت فى الأوراق إذ قدر قيمة الأطيان محل التداعى المستولى عليها وقت الاستيلاء عليها فى 1/11/1954 فى حين أن تقدير قيمة الأطيان يكون وقت رفع الدعوى وأن يراعى فى التعويض ما لحقهم من خسارة وما فاتهم من كسب من تاريخ الاستيلاء حتى تاريخ رفع الدعوى وأن الثابت من تقرير الخبير المنتدب فى الدعوى أنه قدر قيمة الأطيان محل التداعى المستولى عليها بمبلغ 4575000 جنيه وهو ما يعيب الحكم المطعون فيه بما يستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعى فى محله ، ذلك ان المقرر – وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة- أن النص فى المادة 805 من القانون المدنى على أنه لا يجوز أن يحرم أحد من ملكه إلا فى الأحوال التى يقررها القانون ، وبالطريقة التى يرسمها ، ويكون ذلك فى مقابل تعويض عادل – يدل وعلى ضوء ما جاء بالمذكرة الإيضاحية تعليقاً على هذه المادة هو ألا تنزع الملكية بغير رضاء المالك إلا فى الأحوال التى قررها لقانون وبالطريقة التى رسمها ، وفى مقابل تعويض عادل فهناك إذن قيود ثلاثة الأول أن تكون الحالة قد نص عليها القانون والشرط الثانى هو اتباع الإجراءات التى رسمها القانون والشرط الثالث هو دفع تعويض عادل للمالك ومؤدى ذلك أنه باستثناء حالة المصادرة – التى هى عقوبة جنائية توقع بمقتضى حكم جنائى.
لا يجوز أن ينقص من ملكية أحد الأفراد أو حقوقه إلا إذا عاصر ذلك تعويض مكافئ لما لحقه من خسارة وما فاته من كسب ، فالمعاصرة جزء من العدل ، لأن العدل يقتضى ألا يحرم الشخص فى الوقت ذاته من البدلين ، ماله الذى انتزع والتعويض المستحق عنه ، فإذا تراخى وضع التعويض المكافئ تحت تصرفه تعين أن يكون ذلك محل تقدير القاضى فى الدعوى باعتبار أن تأخر صرف التعويض أو بخسه ففى الظروف الملابسة التى تؤثر على مقدار الضرر ، ومدى التعويض سواء بتغير قيمة النقد أو الحرمان من ثمرات الشئ أو عوضه إلى آخر هذه الاعتبارات التى لا يوصف التعويض بأنه عادل إن لم يراعها ، فإذا كان قرار الاستيلاء قد حدد قيمة الأرض على أساس سعر المثل ووضع المبلغ تحت تصرف صاحب الحق فيه كانت العبرة بقيمة الأرض فى هذا التاريخ ، وإن تراخى التقدير أو بخس تعين على القاضى أن يراعى ذلك سواء فى تقديره القيمة أو الريع ، بصرف النظر عن مشروعية تحديد الحد الأقصى للملكية أو الاستيلاء.
البخس والمطل خطأ فى حد ذاته ، وهو ما أكده حكم المحكمة الدستورية الصادر بتاريخ 7/3/1998 فى القضية رقم 24 لسنة 15 ق عليا بعدم دستورية أسس تقدير التعويض عن الأطيان المستولى عليها على أساس الضريبة العقارية المربوطة عليها فى تاريخ الاستيلاء على النحو الذى سطره بأسبابه من أن التعويض عن الأراضى الزراعية الزائدة على الحد الأقصى لا يتحدد على ضوء الفائدة التى تكون الجهة الإدارية قد جنتها من وراء نزع ملكيتها من أصاحبها ، وإنما الشأن فى هذا التعويض إلى ما فاتهم من مغانم وما لحقهم من خسران من جراء أخذها عنوة منهم ، تقديراً بأن هذه وتلك تمثل مضار دائمة لا موقوتة ، ثابتة لا عرضيه ناجمة جميعاً عن تجريد ملكيتهم من ثمارها وملحقاتها ومنتجاتها ، فلا يجبرها إلا تعويض يكون جابراً لها ، ولا ينحل بالتالى تفريطاً أو تقتيراً ، وكان القضاء بعدم دستورية أسس التقدير سالفى الذكر يعد قضاءً كاشفاً عن عيب لحق النص منذ نشأته بنا ينفى صلاحيته لترتيب أى أثر من تاريخ نفاذه ، كما أنه من المقرر – فى قضاء هذه المحكمة – أن تقدير التعويض عن الضرر يعد من مسائل الواقع التى يستقل بها قاضى الموضوع.
إلا أن مناط ذلك أن يكون لتقدير قائماً على أساس سائغ ، مردوداً إلى عناصره الثابتة بالأوراق ومبرراته التى يتوازن بها أساس التعويض مع العله من فرضه ، بحيث يكون متكافئاً مع الضرر ليس دونه وغير زائد عليه ، وأن التعويض مقياسه الضرر المباشر الذى أحدثه الخطأ ، ويشتمل هذا الضرر على عنصرين جوهرين هما الخسارة التى لحقت المضرور والمكسب الذى فاته ، وهذان العنصران هما اللذان يقومهما القاضى بالمال ، على ألا يقل عن الضرر أو يزيد عليه منذ لحظة حدوثه وحتى تاريخ الحكم بالتعويض مع الأخذ فى الاعتبار التغير الذى يطرأ على سعر النقد أو أسعار السوق منذ حدوث الضرر وحتى لحظة إصدار حكم التعويض ، وأنه يتعين على محكمة الموضوع أن تبين فى حكمها عناصر الضرر التى أقامت عليها قضاءها بالتعويض ، كما أن تعيين العناصر المكونة قانوناً للضرر والتى يحق أن تدخل فى حساب التعويض من مسائل القانون التى تخضع لرقابة محكمة النقض ، وكان البين من الأوراق أن الطاعنين لم يتقاضوا القيمة الفعلية للأطيان وقت الاستيلاء عليها وحتى رفع الدعوى دون سند من القانون.
ومن ثم فإن تعويضهم عنها يجب أن يراعى فى تقديره ما فاتهم من كسب ما لحقهم من خسارة وفقاً لما أصابهم من ضرر وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر وقدر التعويض من تلك الأطيان بتاريخ الاستيلاء عليها ، وهو ما لا يفيد أن ما قضى به يتساوى وقيمة الأرض المستولى عليها فى تاريخ الحكم ، ولا يعد جبراً للضرر وفقاً لما صار إليه ومراعاة جميع عناصره مع احتساب ما طرأ من تغير على القوة الشرائية للنقود ، فإنه يكون قد أخطأ فى تطبيق القانون ، وشابه القصور بما يعيبه ويوجب نقضه، على أن يكون مع النقض الإحالة.
لذلــــك
نقضت المحكمة الحكم المطعون فيه، وأحالت القضية إلى محكمة استئناف القاهرة وألزمت المطعون ضده الثانى بصفته المصروفات، ومبلغ مائتى جنيه مقابل أتعاب المحاماة.
أمين السر نائب رئيس المحكمة