«النقض»: على محكمة الموضوع تقص الحكم القانوني الصحيح المنطبق على العلاقة بين طرفي دعوى التعويض

أكدت محكمة النقض في أثناء نظرها الطعن رقم 10402 لسنة 82 بتاريخ 8 مارس 2023، أنه يتعين على محكمة الموضوع في كل حال أن تتقصى من تلقاء نفسها الحكم القانوني الصحيح المنطبق على العلاقة بين طرفي دعوى التعويض وأن تنزله على الواقعة المطروحة عليها بوصف أن كل ما تولد به للمضرور حق في التعويض عما أصابه من ضرر قِبل من أحدثه أو تسبب فيه، إنما هو السبب المباشر المولد للدعوى بالتعويض مهما كانت طبيعة المسئولية التي استند إليها المضرور في تأييد طلبه أو النص القانوني الذي اعتمد عليه في ذلك، لأن هذا الاستناد يعد من وسائل الدفاع في دعوى التعويض التي يتعين على محكمة الموضوع أن تأخذ منها ما يتفق وطبيعة النزاع المطروح عليها، وأن تنزل حكمه على واقعة الدعوى ولا يعد ذلك منها تغييرًا لسبب الدعوى أو موضوعها مما لا تملكه من تلقاء نفسها.

المــحكـــمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد القاضي المقرر/محـمد سمير عبد الظاهر نائب رئيس المحكمة ، والمرافعة وبعد المداولة.

حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.

وحيث إن الواقعات – على ما يبين من الحكم المطعون فيه وجميع الأوراق – تتحصل أن الطاعنين أقاموا الدعوى التي آل قيدها برقم ۹۳ لسنة ۲۰۱۰ عمال جنوب القاهرة الابتدائية على المطعون ضدهما بطلب الحكم بإلزامهما بأن يؤديا لهم مائتي وخمسين ألف جنيه تعويضًا ماديًا وأدبيًا وموروثًا عن وفاة مورثهم.

 

وقالوا بيانًا لها:- إنه في غضون عام ۲۰۰۷ التحق مورثهم للعمل لدى المطعون ضده الأول وفي أثناء عمله سقط عليه حجر أدى إلى إصابته التي أودت بحياته، وحرر عن ذلك المحضر رقم ٤٤١٠ لسنة ۲۰۰۹ بني مزار، ولتوفر عناصر المسئولية قبل المطعون ضده الأول ولإصابتهم بأضرار من جراء ذلك والتي يستحقون تعويضًا عنها فقد أقاموا الدعوى. حكمت المحكمة برفض الدعوى. استأنف الطاعنون هذا الحكم بالاستئناف رقم ٢٩٤١ لسنة ۱۲۷ ق القاهرة، أحالت المحكمة الدعوى للتحقيق وبعد سماع شهود الطرفين قضت بتأييد الحكم المستأنف. طعن الطاعنون في هذا الحكم بطريق النقض، وأودعت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي بنقضه، عرض الطعن على المحكمة -في غرفة مشورة – فحددت جلسة لنظره، وفيها التزمت النيابة رأيها.

وحيث إن مما ينعاه الطاعنون على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون والقصور في التسبيب، وفي بيان ذلك يقولون: – إن الحكم المطعون فيه قضى برفض دعواهم بالتعويض عن وفاة مورثهم على ما قرره من أن إصابة مورثهم إصابة عارضة لم يتدخل أحد في إحداثها وهي قضاءٌ وقدر، وليست ناتجة من خطأ شخصي ينسب إلى صاحب العمل، وذلك بالمخالفة لأحكام المادة 209 من قانون العمل رقم 12 لسنة 2003 مما يعيب الحكم المطعون فيه ويستوجب نقضه.

وحيث إن هذا النعي في محله؛ ذلك أن من المقرر أنه يتعين على محكمة الموضوع في كل حال أن تتقصى من تلقاء نفسها الحكم القانوني الصحيح المنطبق على العلاقة بين طرفي دعوى التعويض وأن تنزله على الواقعة المطروحة عليها بوصف أن كل ما تولد به للمضرور حق في التعويض عما أصابه من ضرر قِبل من أحدثه أو تسبب فيه، إنما هو السبب المباشر المولد للدعوى بالتعويض مهما كانت طبيعة المسئولية التي استند إليها المضرور في تأييد طلبه أو النص القانوني الذي اعتمد عليه في ذلك، لأن هذا الاستناد يعد من وسائل الدفاع في دعوى التعويض التي يتعين على محكمة الموضوع أن تأخذ منها ما يتفق وطبيعة النزاع المطروح عليها، وأن تنزل حكمه على واقعة الدعوى ولا يعد ذلك منها تغييرًا لسبب الدعوى أو موضوعها مما لا تملكه من تلقاء نفسها.

 

ومن المقرر أيضًا تكييف الفعل المؤسس عليه طلب التعويض بأنه خطأ أو نفي هذا الوصف عنه هو من المسائل التي يخضع فيها قضاء محكمة الموضوع لرقابة محكمة النقض، وأن مؤدى النص في المادة ۲۰۹ من قانون العمل الصادر بالقانون ۱۲ لسنة ۲٠٠٣ والمادة الرابعة من قرار وزير الدولة للقوى العاملة والتدريب رقم ٥٥ لسنة ١٩٨٣ في شأن الاحتياطات والاشتراطات اللازمة لتوفير وسائل السلامة والصحة المهنية في أماكن العمل، يدل على أن الشارع أنشأ بهاتين القاعدتين الآمرتين التزامًا قانونيًا فرض به على كل أصحاب الأعمال الخاضعين لقانون العمل توفير وسائل السلامة والصحة المهنية في أماكن العمل، واتخاذ الاحتياطات كافة اللازمة لحماية العامل للحيلولة دون اصطدامه بأي جسم صلب أو سقوطه عليه، ونص في القانون على معاقبة كل من يخالف ذلك، وجعل صاحب العمل أومن يفوضه أو المدير المسئول عن المنشأة مسئولًا بالتضامن مع المتسبب عن مخالفته قواعد السلامة والصحة المهنية. ومن المقرر أيضًا أن استخلاص الخطأ الموجب للمسئولية وإن كان يدخل في السلطة التقديرية لمحكمة الموضوع إلا أن ذلك مشروط بأن يكون استخلاصها سائغًا ومستمدًا من عناصر تؤدي إليه من وقائع الدعوى.

 

لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد نفى قيام الخطأ في جانب المطعون ضده الأول – صاحب العمل – على ما أورده بمدوناته من أن مورث الطاعنين اتجه لإحضار إحدى الآلات وسلك طريق المحجر ومكان تكسير الحجارة فسقط عليه الحجر، فإن خطأه قد استغرق خطأ المطعون ضده.

وهذا الذي أورده الحكم لا ينفي مسئولية صاحب العمل – المطعون ضده الأول – عن الحادث ما دام لم يقم في الأوراق الدليل على قيامه بما يفرضه عليه القانون من التزامات بتوفير وسائل واحتياطات السلامة والصحة المهنية، وما يدل على قيام صاحب العمل بإحاطة طريق تكسير الحجارة بتلك الوسائل التي يفرضها القانون، ويحمي العامل من مخاطر العمل وبأنه زود مورث الطاعنين بما يكفل حمايته من مخاطر العمل، فإنه يكون قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه وشابه القصور في التسبيب وبما يوجب نقضه، من دون حاجة لبحث باقي أوجه الطعن، على أن يكون مع النقض الإحالة.

لذلك

نقضت المحكمة الحكم المطعون فيه، وأحالت الدعوى إلى محكمة استئناف القاهرة، وألزمت المطعون ضده الأول المصروفات، ومبلغ مائتي جنيه أتعاب المحاماة.

أمين السر نائب رئيس المحكمة

زر الذهاب إلى الأعلى