«النقض» توضح شرط قيام حالة التلبس

أكدت محكمة النقض في أثناء نظرها الطعن رقم 2969 لسنة 91 قضائية، أن التلبس صفة تلازم الجريمة ذاتها لا شخص مرتكبها، وأنه يكفي لقيام حالة التلبس أن تكون هناك مظاهر تنبئ بذاتها عن وقوع الجريمة، وأن تقدير الظروف المحيطة بالجريمة والمدة التي مضت من وقت وقوعها إلى وقت اكتشافها للفصل فيما إذا كانت الجريمة متلبسًا بها أو غير متلبس بها موكول إلى محكمة الموضوع بغير معقب عليها ما دامت قد أقامت قضاءها على أسباب سائغة.

 

المحكمـــة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد القاضي المقرر وبعد المداولة قانونًا :-

حيث إن الطعن استوفى الشكل المقرر في القانون .

حيث ينعى الطاعن على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة إحراز جوهر ( الهيروين ) المُخدر بغير قصد الإتجار أو التعاطي أو الاستعمال الشخصي ، قد شابه القصور في التسبيب ، والفساد في الاستدلال ، والاخلال بحق الدفاع ، ذلك أنه خلا من بيان الواقعة المُستوجبة للعقوبة ، والظروف التي وقعت فيها ، وساعة الضبط ، وعول على شهادة شاهد الإثبات الأول رغم تناقضها ، ودون أن تُعن المحكمة برفع ذلك التناقض ، وُملتفته – دون رد – عن دفعي الطاعن بانفراد القائم بالضبط وحجبه لأفراد القوة المرافقة له عن الشهادة واستحالة رؤيته للواقعة وتبين كنه المادة المضبوطة لبُعد المسافة وصعوبة الرؤية وتعذرها ليلًا ، وعول الحكم على شهادة شاهد الإثبات الثاني دون إيرادها وعلى تقرير المعمل الكيماوي دون إيراد مضمونه ، وأطرح الحكم – بما لا يصلح – دفع الطاعن ببطلان القبض والتفتيش لانتفاء حالة التلبس ، ولم تُشر المحكمة لحافظة المُستندات المقدمة من الطاعن بمدونات حكمها ، ذلك بما يُعيب الحكم ويستوجب نقضه .

لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغًا مستندًا إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصل في الأوراق ، وكان وزن أقوال الشاهد وتقدير الظروف التي يؤدي فيها شهادته وتعويل القضاء على أقواله مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من شبهات مرجعه إلى محكمة الموضوع تقدره التقدير الذي تطمئن إليه دون رقابة من محكمة النقض ، وكان تناقض الشاهد – بفرض حصوله – لا يعيب الحكم ما دام استخلص الإدانة من أقواله بما لا تناقض فيه.

وكان من المقرر أن اطمئنان المحكمة إلى حدوث القبض والتفتيش في زمان ومكان معين هو من المسائل الموضوعية التي تستقل بالفصل فيها ولا تجوز إثارتها أمام محكمة النقض ، ولا يقدح في ذلك عدم تحديد ساعة الضبط ما دامت الواقعة على الصورة التي اعتنقتها المحكمة ضُبط الطاعن بها مُتلبسًا بالجريمة وليس بناءً على إذن من النيابة العامة تحكمه مواعيد تنفيذه.

وأن إمساك الضابط عن ذكر أسماء أفراد القوة المرافقة له عند الضبط وانفراده بالشهادة على واقعة الضبط والتفتيش لا ينال من سلامة أقواله وكفايتها كدليل في الدعوى ، وإذ كانت المحكمة قد اطمأنت إلى أقوال الضابط شاهد الإثبات وحصلت مؤداها ما لا يحيلها عن معناها ويحرفها عن مواضعها ويكفي بيانًا لوجه استدلاله بها على صحة الواقعة ، فإن ما يثيره بشأن بُعد المسافة بين ضابط الواقعة والطاعن حال تداوله للمخدر وعدم إمكان تبينه مُحتوى اللفافة المُتداولة وكنه المادة المخدرة بها ينحل إلى جدل موضوعي في تقدير الدليل وهو ما تستقل به محكمة الموضوع ولا تجوز مجادلتها فيه أو مصادرة عقيدتها في شأنه أمام محكمة النقض.

ومن ثم يضحي دفع الطاعن في هذا الشأن غير مقبول ، فضلًا عن أنه من المقرر أنه لا يعيب الحكم أن يحيل في بيان شهادة الشهود إلى ما أورده من أقوال شاهد آخر ما دامت أقوالهم متفقة مع ما استند إليه الحكم منها ، وكان من المقرر كذلك أن محكمة الموضوع غير ملزمة بسرد روايات كل الشهود – إن تعددت – وبيان وجه أخذها بما اقتنعت به بل حسبها أن تورد منها ما تطمئن إليه وتطرح ما عداه ، ومن ثم فإن النعي على الحكم في هذا الصدد لا يكون له محل .

 

لما كان ذلك ، وكان الحكم قد أورد مؤدي تقرير المعمل الكيمائي وأبرز ما جاء به من أن المادة المضبوطة هي لجوهر الهيروين المخدر، فإن ما ينعاه الطاعن على الحكم بعدم إيراده مضمون تقرير المعمل الكيمائي لا يكون له محل لما هو مقرر من أنه لا ينال من سلامة الحكم عدم إيراده نص تقرير الخبير بكامل أجزائه .

لما كان ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه قد عرض لدفع الطاعن ببطلان القبض والتفتيش لانتفاء حالة التلبس وأطرحه بقوله : ( …. وحيث إنه عن الدفع ببطلان إجراءات القبض والتفتيش لحصوله في غير حالات التلبس فمردود عليه بأن التلبس وفق صحيح القانون صفة تلازم الجريمة ذاتها لا شخص مرتكبها كما أن حالة الجناية بالتلبس تتيح لمأمور الضبط القضائي أن يقبض على المتهم الحاضر الذي توجد دلائل كافية على اتهامه وتفتيشه ويكفي لتوافرها أن يكون شاهدها قد حضر ارتكابها بنفسه أو أدركها بإحدى حواسه متى كان ذلك بطريقة يقينية لا تحتمل شكًا.

ولما كانت المحكمة قد اطمأنت لأقوال ضابط الواقعة من أنه أبصر المتهم حال إخراجه كيس أبيض شفاف أخرج منه لفافة شفافة بها الجوهر المخدر وأعطاه للشخص الواقف معه والذي اختبره بطريقة الشم وهي المتعارف عليها لمعرفة كنية وجودة المخدر فأنه يكون قد توافرت معه المظاهر الخارجية التي تنبئ عن وقوع الجريمة ومن ثم يكون قد توافرت حالة التلبس ويكون الضبط صحيحًا ويكون الدفع قد أقيم على غير سند صحيح من القانون وهو ما يتعين رفضه ) وكان من المقرر أن التلبس صفة تلازم الجريمة ذاتها لا شخص مرتكبها ، وأنه يكفي لقيام حالة التلبس أن تكون هناك مظاهر تنبئ بذاتها عن وقوع الجريمة.

وأن تقدير الظروف المحيطة بالجريمة والمدة التي مضت من وقت وقوعها إلى وقت اكتشافها للفصل فيما إذا كانت الجريمة متلبسًا بها أو غير متلبس بها موكول إلى محكمة الموضوع بغير معقب عليها ما دامت قد أقامت قضاءها على أسباب سائغة ، وإذ كان ما أورده الحكم المطعون فيه تدليلًا على توافر حالة التلبس وردًا على ما دفع به الطاعن في هذا الشأن كافيًا وسائغًا ومتفقًا مع صحيح القانون ، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الخصوص يكون غير مقبول .

لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن المحكمة غير ملزمة بالرد صراحة على أدلة النفي التي تُقدم لها ما دام الرد عليها مستفادًا ضمنًا من الحكم بالإدانة اعتمادًا على أدلة الثبوت التي أوردتها ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن من التفات المحكمة عما قدمه من مستندات بجلسة المحاكمة يكون غير مقبول . لما كان ما تقدم ، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعينًا رفضه موضوعًا .

فلهذه الأسباب

 

حكمت المحكمة :

 

بقبول الطعن شكلًا وفي الموضوع برفضه .

 

أمين السر نائب رئيس المحكمة

زر الذهاب إلى الأعلى