«النقض»: تقدير حالة المتهم العقلية والنفسية متروك لمحكمة الموضوع

أكدت محكمة النقض في أثناء نظرها الطعن رقم ۱۲۰٤ لسنة ۹۲ ق أن تقدير حالة المتهم العقلية والنفسية هي من الأمور الموضوعية التي تستقل محكمة الموضوع بالفصل فيها ما دامت تقيم تقديرها على أسباب سائغة

المحكمـــة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة قانوناً.

من حيث أن الطعن استوفى الشكل المقرر في القانون.

حيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة إحراز جوهر الحشيش المخدر بقصد التعاطي في غير الأحوال المصرح بها قانوناً قد شابه البطلان والقصور في التسبيب والفساد في الاستدلال والخطأ في تطبيق القانون كما اعتراه الإخلال بحق الدفاع، ذلك بأنه لم يحط بواقعات الدعوى والأدلة التي استند إليها في الإدانة، ورد على الدفع بانعدام المسؤولية للمرض النفسي وطلب العرض على إحدى المصحات النفسية بما لا يصلح رداً دون أن يعن بمستندات الطاعن الدالة على صحة دفعه إيراداً ورداً أو بأن يعرض لبعض الدفوع الثابتة بمحضر الجلسة بما لا يخل بها وبفحواها، على الرغم من عدم جدية التحريات، وبطلان الاعتراف المسند للطاعن بالتحقيقات، وبطلان تحليل العينة، لأن عرضه على النيابة العامة جاء بمناسبة مشاجرة لا تجيز للنيابة إجراء التحليل، ولعدم حضور محام إجراءات التحقيق، مما أبطل كافة إجراءات التحقيق التي أجرتها النيابة العامة، وغاب عن المحكمة تحقيقها، مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.

وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التي دان الطاعن بها وأورد على ثبوتها في حقه أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها، مستقاة مما قرره شاهد الواقعة ومن تقرير المعامل الكيماوية.

لما كان ذلك، وكان من المقرر أن القانون لم يرسم شكلاً خاصاً يصوغ فيه الحكم بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التي وقعت فيها، فمتى كان مجموع ما أورده الحكم ــــ كما هو الحال في الدعوى المطروحة ــــ كافياً في تفهم الواقعة بأركانها وظروفها وأدلتها حسبما استخلصتها، كان ذلك محققاً لحكم القانون كما جرى به نص المادة ٣١٠ من قانون الإجراءات الجنائية، ومن ثم يضحى ما يثيره الطاعن في هذا الصدد في غير محله.

لما كان ذلك، وكان الحكم قد عرض لدفاع الطاعن في شأن ما زعمه من أن به آفة عقلية واطرحه في قوله “وحيث أن الدفع بانتفاء مسؤولية المتهم لإصابة المتهم بمرض عقلي فمردود عليه من أنه من المقرر أن تقدير حالة المتهم العقلية، هي من الأمور التي تستقل بها هذه المحكمة وحدها، وقد وضحت لديها الدعوى.

ولما كانت المادة ٦٢ من قانون العقوبات، والتي تنعدم المسؤولية الجنائية للمتهم حالة وجود مرض، الذي من شأنه أن يعدم الشهور والإدراك بأن سائر الأحوال النفسية، التي لا تعيق الشخص شعوره وإدراكه لا تعد سبباً لانعدام المسؤولية.

ولما كان الثابت من مسلك المتهم بالتحقيقات ومن إقراره بتعاطي المواد المخدرة، ومن خلال سير التحقيق معه أن المتهم كان في حالة إدراك تام ووعي كامل، وأن لديه حرية الاختيار، وقد اعترف بتناول المواد المخدرة، وبالتالي تكون مسؤوليته كاملة عما وقع منه من أفعال، ومن ثم ترى المحكمة ترك هذا الدفاع لقيامه على سند غير صحيح من الواقع والقانون”.

لما كان ذلك، وكان البين من أسباب الطعن أن ما أثاره الطاعن حاصلة انعدام مسئوليته لآفة عقلية، فإن ما انتهى إليه الحكم ــــ على السياق المتقدم ــــ يكون صحيحا في القانون بعد أن تأكدت المحكمة وثبت لديها من سير التحقيقات واعتراف الطاعن أنه كان في حالة إدراك تام ووعي كامل وأنه تمتع بحرية الاختيار.

وحيث أنه من المقرر أن تقدير حالة المتهم العقلية والنفسية هي من الأمور الموضوعية التي تستقل محكمة الموضوع بالفصل فيها ما دامت تقيم تقديرها على أسباب سائغة، وهو ما لم تخطئ في تقديره، ويكون ما أثاره الطاعن مجرد جدل في تقدير الدليل، مما لا يجوز الخوض فيه أمام محكمة النقض.

لما كان ذلك، وكانت الأدلة في المواد الجنائية إقناعية، فللمحكمة أن تلتفت عن دليل النفي ولو حملته أوراق رسمية ما دام يصح في العقل أن يكون غير ملتئم مع الحقيقة التي اطمأنت إليها المحكمة من باقي الأدلة القائمة في الدعوى، فإن ما يثيره الطاعن فـي هذا الشأن لا يكون مقبولاً.

لما كان ذلك، وكان من المقرر أنه يجب لقبول وجه الطعن أن يكون واضحاً ومحدداً، وكان الطاعن لم يبين في طعنه ماهية الدفوع التي التفت الحكم المطعون فيه عن الرد عليها، بل أرسل القول إرسالاً، مما لا يمكن معه مراقبة ما إذا كان الحكم قد تناولها بالرد أو لم يتناولها، وهل كانت دفوعاً جوهرية مما يجب على المحكمة أن تجيبها أو أن الرد عليها مسـتفادا من القضاء بالإدانة للأدلة التي أوردتها المحكمة في حكمها، فإن ما يثيره الطاعن في هـذا الصدد لا يكون مقبولاً.

لما كان ذلك، وكان الحكم قد استند في إثبات التهمة في حق الطاعن إلى أقوال شاهد الإثبات وتقرير الإدارة المركزية لمعامل المخدرات، ولم يعول في ذلك على ما تضمنته تحريات الشرطة، فإن النعي على الحكم في هذا الشأن يكون غير سديد.

لما كان ذلك، وكان الحكم قد عرض للدفع ببطلان الاعتراف في التحقيقات ورد عليه بقوله أنه “وحيث أن الدفع ببطلان اعتراف المتهم بالتحقيقات فمردود عليه بأن الاعتراف من المسائل الجنائية من عناصر الاستدلال الذي تملك هذه المحكمة كامل الحرية في تقدير صحته، وصحته في الإثبات، ولها أن تأخذ به متى اطمأنت إلى صدقه ومطابقته للحقيقة والواقع، كما لها دون غيرها البحث في صحة ما يدعيه المتهم أن الاعتراف الذي أدلى به قد انتزع منه.

ولما كان ذلك، وكان الاعتراف الذي أدلى به المتهم في تحقيقات النيابة العامة قد جاء مفصلاً، وأكده تناول المواد المخدرة، وقد جاءت أوراق الدعوى خلوا من أي أثر قد شاب هذا الاعتراف، إذ أدلى به المتهم بتفصيل الواقعة والخلاف القائم بينه وبين المجني عليه وتعدي كل منهما على الآخر.

ولما كانت المحكمة تطمئن إلى سلامة الاعتراف الذي أدلى به المتهم، وهو في كامل حريته طواعية واختياراً دون أي أثر شاب هذا الاعتراف، ويكون منع الدفاع في هذا الصدد غير سديد جدير بالرفض” وهو تدليل سائغ في الرد على دفع الطاعن ببطلان اعترافه،.

لما هو مقرر من أن الاعتراف في المسائل الجنائية من عناصر الاستدلال التي تملك محكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير صحتها وقيمتها في الإثبات، فلها بغير معقب تقدير عدم صحة ما يدعيه المتهم من أن اعترافه وليد إكراه أو أنه صدر عن غير إرادة حرة منه ما دامت تقيمه علـى أسباب سائغة، فإن النعي على الحكم بالقصور يكون ولا محل له.

لما كان ذلك، وكان من المقرر أن الإجراءات التي تولاها مأمور الضبط القضائي “وكيل النائب العام” ــــ المخول قانوناً كسلطة تحقيق ــــ بعد أن وجد الدلائل الكافية على اتهام الطاعن بجريمة أخرى، وأنه أثناء عرض الطاعن على النيابة العامة بمناسبة تلك القضية واعترافه أمام النيابة ساعتها أنه متعاط للمخدر، فبادرت النيابة بإجراء تحليل ثبت منه تعاطي الطاعن لجوهر الحشيش المخدر المدرج بالجدول الأول من قانون المخدرات، فإن تلك الإجراءات قد تمت صحيحة وأقرتها محكمة الموضوع، الأمر الذي يكون معه استناد الحكم إلى الدليل المستمد من هذا الإجراء سليماً ولا مطعن عليه، ويضحى ما يثيره الطاعن من بطلان الإجراءات التي اتخذها وكيل النيابة المحقـق لانتفاء مبرراته، لا يعـدو أن يكون دفاعاً قانونياً ظاهر البطلان، لا على المحكمة إن هي التفتت عنه ولم ترد عليه.

لما كان ذلك، وكان المشرع قد استحدث في المادة ١٢٤ من قانون الإجراءات الجنائية المعدل ضمانه خاصة لكل متهم في جناية، وهى أنه لا يجوز للمحقق في الجنايات أن يستجوب المتهم أو يواجهه بغيره من المتهمين أو الشهود إلا بعد دعوة محاميه للحضور عدا حالة التلبس وحالة السرعة بسبب الخوف من ضياع الأدلة على النحو الذي يثبته المحقق في المحضر

وكان من المقرر أن الأصل في الإجراءات أنها قد روعيت وعلى من يدعى أنها قد خولفت إقامة الدليل على ذلك، فإن ما يثيره الطاعن بهذا الشأن لا يعدو أن يكون تعييباً للتحقيق الذي أجرى في مرحلة سابقة على المحاكمة، لا يصح أن يكون سبباً للطعن في الحكم، ومن ثم فلا محل لتعييب الحكم المطعون فيه في هذا الشأن.

هذا فضلاً عن أن القانون لم يرتب البطلان جزاء على مخالفة هذه المادة، ويكون ما ينعاه الطاعن في ذلك لا يصلح لأن يكون سبباً للطعن على الحكم.

لما كان ذلك، وكان ما أثاره الطاعن نعياً بقصور تحقيقات النيابة العامة، لا يعدو أن يكون تعييباً للتحقيق الذي جرى في المرحلة السابقة على المحاكمة، مما لا يصح أن يكون سبباً للطعن ولا تأثير له على سلامة الحكم، والأصل أن العبرة عند المحاكمة هي بالتحقيق الذي تجريه المحكمة بنفسها وما دام لم يطلب منها الدفاع استكمال ما عساه أن يكون قد شاب التحقيق الابتدائي من نقص، فليس له أن يتخذ من ذلك سبباً لمنعاه، كما لا يبين من محاضر الجلسات أن الطاعن طلب إجراء ثمة تحقيق، فليس له من بعد النعي بقعود المحكمة عن إجراء تحقيق لم يطلب منها ولم تر هي من جانبها حاجة لإجرائه.

ولما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة: بقبول الطعن شكلًا ورفضه موضوعًا .

زر الذهاب إلى الأعلى