«النقض»: تقدير جدية التحريات وكفايتها لإصدار إذن التفتيش من المسائل الموضوعية

 

أكدت محكمة النقض أثناء نظرها الطعن رقم ٢٩٥٢ لسنة ٨٩ قضائية بجلسة السبت الموافق ٦ من  نوفمبر  سنة ٢٠٢١، أن تقدير جدية التحريات وكفايتها لإصدار إذن التفتيش هو من المسائل الموضوعية التي يوكل الأمر فيها إلى سلطة التحقيق تحت إشراف محكمة الموضوع ، وكانت المحكمة قد اقتنعت بجدية الاستدلالات التي بنى عليها إذن التفتيش وكفايتها لتسويغ إصداره – كما هو الشأن في الدعوى المطروحة – وأقرت النيابة على تصرفها في هذا الشأن فإنه لا معقب عليها فيما ارتأته لتعلقه بالموضوع لا بالقانون ، وكانت المحكمة قد سوغت الأمر بالتفتيش وردت على شواهد الدفع ببطلانه لعدم جدية التحريات التي سبقته بأدلة منتجة لا ينازع الطاعنون في أن لها أصل ثابت بالأوراق ، ولما كان الحكم المطعون فيه قد تناول الرد على الدفع ببطلان إذن التفتيش على نحو يتفق وصحيح القانون فإن ما ينعاه الطاعنون في هذا الصدد لا يكون سديداً .

المحكمـة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد القاضي المقرر والمرافعة وبعد المداولة قانوناً :

أولاً: – عن الطعن المقدم من المحكوم عليه ………

من حيث إن المحكوم عليه وإن قرر بالطعن بالنقض في الميعاد إلا أنه لم يقدم أسباباً لطعنه . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن التقرير بالطعن بالنقض في الحكم هو مناط اتصال المحكمة به وأن تقديم الأسباب التي بُني عليها الطعن في الميعاد الذي حدده القانون هو شرط لقبوله ، وكان التقرير بالطعن وتقديم الأسباب التي بني عليها يكونان معاً وحدة إجرائية لا يقوم أحدهما مقام الآخر ولا يغني عنه . لما كان ذلك ، فإنه يتعين القضاء بعدم قبول الطعن المقدم منه شكلاً .

ثانياً :- عن الطعن المقدم من الطاعنين  ……. ، …….  ، ……..

حيث إن الطعن استوفى الشكل المقرر في القانون .

ومن حيث إن ما ينعاه الطاعنون على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانهم بجريمة حيازة وإحراز جوهر الهيروين المخدر بغير قصد الاتجار أو التعاطي أو الاستعمال الشخصي في غير الأحوال المصرح بها قانوناً ، قد شابه القصور والتناقض في التسبيب ، والفساد في الاستدلال ،  وانطوى على الإخلال بحق الدفاع ؛ ذلك بأنه خلا من بيان واقعة الدعوى بياناً تتحقق به الأركان القانونية للجريمة التي دانهم بها ولم يورد الأسباب التي استند إليها في قضائه ، وعول في الإدانة على أقوال الشاهد الثالث ولم يورد مؤداها ، وأحال في بيانها إلى ما أورده من أقوال الشاهد الثاني رغم اختلاف أقوالهما ، وعدم اشتراك شاهد الإثبات الثاني في إجراء التحريات.

واطرح دفعيهما ببطلان إذن التفتيش لعدم جدية التحريات التي سبقته ، وبطلان القبض والتفتيش لحصولهما قبل صدور الأمر بهما بدلالة التلاحق الزمني السريع في الإجراءات بما لا يسوغ به اطراحهما ، واعتنق تصويراً للواقعة استمدها من أقوال شهود الإثبات يخالف الحقيقة ، ورد على دفاعهم القائم على عدم معقولية الواقعة والانفراد بالشهادة وحجب باقي أفراد القوة المرافقة عنها بما لا يصلح رداً ولم تجر المحكمة تحقيقاً لدفاعهم في هذا الشأن.

وقضى ببراءتهم عن جريمة تأليف تشكيل عصابي بغرض الاتجار في المواد المخدرة ، مما كان لازمه بتبرئتهم من جريمة إحراز المخدر لعدم ارتكابها بما يصمه بالتناقض ، وأضاف الطاعن الأول أن الحكم دانه بجريمة إحراز جوهر الهيروين المخدر بقصد الاتجار رغم عدم توافر أركانها في حقه ، والتفتت المحكمة عن طلبه بضم دفتر الأحوال ، مما يعيبه بما يستوجب نقضه .

ومن حيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التي دان الطاعنين بها وأورد على ثبوتها في حقهم أدلة مستمدة من أقوال شهود الإثبات ومما ثبت من تقرير المعمل الكيميائي وهي أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها . لما كان ذلك ، وكان القانون قد أوجب على كل حكم بالإدانة أن يشتمل على بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التي وقعت فيها وأن يورد مؤدى الأدلة التي استخلص منها الإدانة حتى يتضح وجه استدلاله بها وسلامة مأخذها ، ولم يرسم القانون شكلاً خاصاً يصوغ فيه الحكم بيان الواقعة .

لما كان ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه قد بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية لجريمة إحراز جوهر الهيروين المخدر بغير قصد من القصود المسماة في القانون المسندة إلى الطاعنين وأورد مؤدى الأدلة التي استخلص منها الإدانة في بيان كاف ، فإنه ينحسر عن الحكم قالة القصور في التسبيب ويكون منعى الطاعنين في هذا الصدد في غير محله . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أنه لا يعيب الحكم أن يحيل في بيان شهادة الشهود إلى ما أورده من أقوال شاهد آخر ما دامت أقوالهم متفقة مع ما استند إليه الحكم منها.

وأن محكمة الموضوع غير ملزمة بسرد روايات كل الشهود – إن تعددت – وبيان وجه أخذها بما اقتنعت به ، بل حسبها أن تورد منها ما تطمئن إليه وتطرح ما عداه ، ولا يؤثر في هذا النظر اختلاف الشهود في بعض التفصيلات التي لم يوردها الحكم ذلك بأن لمحكمة الموضوع في سبيل تكوين عقيدتها تجزئة أقوال الشاهد والأخذ منها بما تطمئن إليه واطراح ما عداها دون أن يعد هذا تناقضاً في حكمها ، فلا ضير على الحكم من بعد إحالته في بيان أقوال الشاهد الثالث إلى ما أورده من أقوال الشاهد الثاني.

ولا يؤثر فيه أن يكون الشاهد الثاني لم يشترك في إجراء التحريات التي أجراها الشاهدين الأول والثالث – على فرض صحة ذلك – إذ أن مفاد إحالة الحالة الحكم في بيان أقوال الشاهد الثالث إلى ما حصله من أقوال الشاهد الثاني فيما اتفقا فيه أنه التفت عن هذه التفصيلات مما ينحسر عن الحكم دعوى القصور في التسبيب في هذا الشأن .

لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن تقدير جدية التحريات وكفايتها لإصدار إذن التفتيش هو من المسائل الموضوعية التي يوكل الأمر فيها إلى سلطة التحقيق تحت إشراف محكمة الموضوع ، وكانت المحكمة قد اقتنعت بجدية الاستدلالات التي بنى عليها إذن التفتيش وكفايتها لتسويغ إصداره – كما هو الشأن في الدعوى المطروحة – وأقرت النيابة على تصرفها في هذا الشأن فإنه لا معقب عليها فيما ارتأته لتعلقه بالموضوع لا بالقانون ، وكانت المحكمة قد سوغت الأمر بالتفتيش وردت على شواهد الدفع ببطلانه لعدم جدية التحريات التي سبقته بأدلة منتجة لا ينازع الطاعنون في أن لها أصل ثابت بالأوراق ، ولما كان الحكم المطعون فيه قد تناول الرد على الدفع ببطلان إذن التفتيش على نحو يتفق وصحيح القانون فإن ما ينعاه الطاعنون في هذا الصدد لا يكون سديداً .

لما كان ذلك ، وكان البين أن الحكم المطعون فيه عرض للدفع ببطلان القبض والتفتيش لحصولهما قبل صدور إذن النيابة العامة بما يكفي لحمل قضائه بالرفض ، فضلاً عن أنه من المقرر أن الدفع بصدور الإذن بالتفتيش بعد الضبط إنما هو دفاع موضوعي يكفي للرد عليه اطمئنان المحكمة إلى وقوع الضبط بناء على الإذن أخذاً بالأدلة التي أوردتها فإن منعى الطاعنين في هذا الصدد يكون غير سديد .

لما كان ذلك ، وكان من الأصل أن من حق محكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق – كما هو الحال في الدعوى المطروحة – فإن ما يثيره الطاعنون من منازعة حول التصوير الذي أخذت به المحكمة للواقعة ينحل إلى جدل موضوعي في تقدير الدليل وهو ما تستقل به محكمة الموضوع ولا يجوز مجادلتها فيه أمام محكم النقض .

لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن الدفع بعدم معقولية الواقعة من أوجه الدفوع الموضوعية التي لا تستوجب في الأصل من المحكمة رداً صريحاً ما دام الرد يستفاد ضمناً من القضاء بالإدانة استناداً إلى أدلة الثبوت التي أوردها الحكم ، وكان سكوت الضابط عن الادلاء بأسماء أفراد القوة المصاحبة له لا ينال من سلامة أقواله وكفايتها كدليل في الدعوى ، وكانت المحكمة قد اطمأنت إلى أقوال شهود الإثبات وصحة تصويرهم للواقعة واطرحت دفاع الطاعنين في هذا الشأن بما يسوغ اطراحه ، فإن ما يثيروه ينحل إلى جدل موضوعي حول حق محكمة الموضوع في تقدير أدلة الدعوى مما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض . لما كان ذلك ، وكان يبين من محضر جلسة المحاكمة أن الطاعنين لم يطلبوا إلى المحكمة إجراء تحقيق لدفاعهم فلا يصح لهم من بعد النعي على المحكمة قعودها عن القيام بإجراء لم يطلبوه منها ولم تر هي حاجة لإجرائه فإن ما ينعاه الطاعنون على الحكم المطعون فيه في هذا الخصوص يكون لا محل له .

لما كان ذلك ، وكان التناقض الذي يعيب الحكم ويبطله هو الذي يقع بين أسبابه بحيث ينفي بعضها ما أثبته البعض الآخر ولا يعرف أي الأمرين قصدته المحكمة ، وكان مفاد ما أورده الحكم عند قضائه ببراءة الطاعنين من تهمة تأليف تشكيل عصابي بغرض الإتجار في المواد المخدرة استناداً إلى عدم اطمئنان المحكمة إلى الأدلة التي ساقتها النيابة العامة وعدم كفايتها لإسناد ذلك الاتهام إلى الطاعنين لا يتعارض مع ما أثبته في حقهم من أنهم أحرزوا المخدر المضبوط بغير قصد من القصود المسماة قانوناً ، ومن ثم فإن قالة التناقض تنحسر عن الحكم المطعون فيه .

لما كان ذلك ، وكان الحكم لم يدن الطاعن الأول بجريمة الإتجار في المواد المخدرة ، فإن ما يثيره في هذا الشأن يكون وارداً على غير محل . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن الطلب الذي تلتزم المحكمة بإجابته أو الرد عليه هو الطلب الجازم الذي يصر عليه مقدمه ولا ينفك عن التمسك والإصرار عليه في طلباته الختامية.

وكان الثابت من الاطلاع على محاضر جلسات المحاكمة أن المدافع عن الطاعن الأول وإن أبدى طلب ضم دفتر الأحوال المشار إليه بأسباب الطعن بجلسة ٩ من سبتمبر سنة ٢٠١٨ ، إلا أنه بجلسة ٨ من ديسمبر سنة ٢٠١٨ التي اختتمت بصدور الحكم المطعون فيه – ترافع في الدعوى منتهيا إلى طلب الحكم ببراءة الطاعن دون أن يصر في ختام مرافعته على ضم الدفتر سالف الذكر ، ومن ثم فإن طلبه ذاك يكون قد افتقد خصائص الطلب الجازم ، فلا جناح على المحكمة إن هي لم تستجب إليه أو ترد عليه في حكمها ، ويكون منعى الطاعن عليها في هذا الصدد في غير محله . لما كان ما تقدم فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً .

 

فلهــــــــــذه الأسبـــــــاب

حكمت المحكمة :- أولاً : بعدم قبول طعن المحكوم عليه ……. شكلاً .

ثانياً : بقبول الطعن المقدم من باقي الطاعنين شكلاً وفى الموضوع برفضه.

 

تعليق محكمة النقض في شأن تقدير جدية التحريات وكفايتها لإصدار إذن التفتيش

زر الذهاب إلى الأعلى