«النقض»: الإكراه فى السرقة يتحقق بكل وسيلة قسرية تقع على الأشخاص

أكدت محكمة النقض في حكمها بالطعن رقم ۳۲۷۹ لسنة ۹۱ قضائية، أن الإكراه فى السرقة يتحقق بكل وسيلة قسرية تقع على الأشخاص لتعطيل قوة المقاومة أو إعدامها عندهم تسهيلاً للسرقة، وكان تعطيل مقاومة المجنى عليه كما يصح أن تكون بالوسائل المادية التى تقع مباشرة على جسمه يصح أيضاً أن تكون بالتهديد، ويندمج فى الإكراه كل وسيلة قسرية تستعمل لغل يد المجنى عليه عن المقاومة والحيلولة بينه وبين منع الجانى من مقارفة جريمته، وكان لا يلزم أن يتحدث الحكم عن ركن الإكراه فى السرقة استقلالاً، ما دامت مدوناته تكشف عن توافر هذا الركن وترتب جريمة السرقة عليه.

 المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذى تلاه السيد المستشار المقرر، والمرافعة، وبعد المداولة قانوناً:

من حيث إن الطعن استوفى الشكل المقرر فى القانون.


ومن حيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجرائم السرقة بالإكراه فى الطريق العام ليلًا مع التعدد وحمل سلاح، وحيازة وإحراز سلاح نارى مششخن “بندقية آلية” وذخائره مما لا يجوز الترخيص بحيازته أو إحرازه، والإتلاف العمدى، قد شابه القصور فى التسبيب، والفساد فى الاستدلال، والإخلال بحق الدفاع، ذلك بأنه خلا من بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة بياناً تتحقق به أركان الجرائم التى دانه بها والظروف التى وقعت فيها ومؤدى الأدلة التى عوَّل عليها فى الإدانة ودون أن يدلل تدليلاً سائغاً على توافر أركان جريمة السرقة بالإكراه وعلى الأخص القصد الجنائى فيها ومظاهر الإكراه ومدى توافره كظرف مشدد لا سيما وقد خلت الأوراق من أى مظاهر له إذ لم تحدث إصابات بجسم المجنى عليه ملتفتاً عن دفعه فى هذا الشأن.

 وعوَّل فى الإدانة على أقوال المجنى عليه إلا أنه لم يوردها فى بيان واف فضلاً عن تناقضها استدلالًا عنها بالتحقيقات وتناقضها مع أقوال الشاهد الثالث، وتساند فى الإدانة على تحريات الشرطة رغم تناقضها مع أقوال المجنى عليه وملتفتاً عن دفوعه بعدم جديتها وبانتفاء صلته بالواقعة وبعدم اختصاص مجرى التحريات مكانياً بالضبط، ودانته المحكمة رغم خلو الأوراق من شاهد رؤية أو دليل يقينى ضده وهو ما قام عليه دفاعه بيد أن المحكمة التفتت – إيرادًا وردًا – عن دفعه بما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.

ومن حيث إن الحكم المطعون فيه بيَّن واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجرائم التى دان الطاعن بها، وأورد على ثبوتها فى حقه أدلة سائغة من شأنها أن تؤدى إلى ما رتبه الحكم عليها مستمدة مما قرره شهود الإثبات ومما ثبت بتقرير الأدلة الجنائية، وجاء استعراض المحكمة لأدلة الدعوى على نحو يدل على أنها محصتها التمحيص الكافى وألمت بها إلماماً شاملاً يفيد أنها قامت بما ينبغى عليها من تدقيق البحث لتعرف الحقيقة.


لما كان ذلك، وكان القانون لم يرسم شكلاً خاصاً يصوغ فيه الحكم بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التى وقعت فيها، فمتى كان مجموع ما أورده الحكم – كما هو الحال فى الدعوى المطروحة – كافياً فى تفهم الواقعة بأركانها وظروفها حسبما استخلصتها المحكمة، فإن ذلك يكون محققاً لحكم القانون كما جرى به نص المادة 310 من قانون الإجراءات الجنائية، ومن ثم فإن منعى الطاعن على الحكم بالقصور فى هذا الشأن يكون فى غير محله.


 لما كان ذلك، وكان من المقرر أن القصد الجنائى فى جريمة السرقة هو قيام العلم لدى الجانى وقت ارتكاب الفعل بأنه يختلس المنقول المملوك للغير من غير رضاء مالكه بنية تملكه، وكان التحدث عن نية السرقة شرط لازم لصحة الحكم بالإدانة فى جرائم السرقة، متى كانت هذه النية محل شك فى الواقعة المطروحة أو كان المتهم يحاول نفى قيامها لديه، إلا أن التحدث عنها استقلالاً فى الحكم أمر غير لازم، ما دامت الواقعة الجنائية، كما أثبتها، تفيد بذاتها أن المتهم إنما قصد من فعلته إضافة ما اختلسه إلى ملكه، وهو ما توافر فى الدعوى الراهنة.


 وكان من المقرر أن الإكراه فى السرقة يتحقق بكل وسيلة قسرية تقع على الأشخاص لتعطيل قوة المقاومة أو إعدامها عندهم تسهيلاً للسرقة، وكان تعطيل مقاومة المجنى عليه كما يصح أن تكون بالوسائل المادية التى تقع مباشرة على جسمه يصح أيضاً أن تكون بالتهديد، ويندمج فى الإكراه كل وسيلة قسرية تستعمل لغل يد المجنى عليه عن المقاومة والحيلولة بينه وبين منع الجانى من مقارفة جريمته، وكان لا يلزم أن يتحدث الحكم عن ركن الإكراه فى السرقة استقلالاً، ما دامت مدوناته تكشف عن توافر هذا الركن وترتب جريمة السرقة عليه.


 وكان لا يقدح فى ثبوت الجريمة وتوافر ركن الإكراه فيها – كما اقتنعت بها المحكمة – خلو جسم المجنى عليه من الإصابات، ما دام يصح فى العقل والمنطق أن يقع الإكراه دون حدوث إصابات أو أن يترك أثراً بالمجنى عليه. لما كان ذلك، وكان ما أورده الحكم فى بيانه لواقعة الدعوى وأدلتها تتوافر به جناية السرقة بإكراه ليلاً مع التعدد وحمل سلاح بكافة أركانها كما هى معرفة به فى القانون، كما أن ما أورده الحكم فى مدوناته يكشف عن توافر هذا القصد لدى الطاعن.

 وكان استخلاص نية السرقة من الأفعال التى قارفها الطاعن وكذا الارتباط بين السرقة والإكراه هو من الموضوع الذى يستقل به قاضيه بغير معقب، ما دام قد استخلصها بما ينتجها – كما هو الحال فى الدعوى المطروحة -، فإن ما يثيره الطاعن فى هذا الشأن، لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً فى تقدير الدليل وفى سلطة محكمة الموضوع فى وزن عناصر الدعوى واستنباط معتقدها وهو ما لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض.


 لما كان ذلك، وكان من المقرر أنه لا يلزم قانوناً إيراد النص الكامل لأقوال الشهود الذى اعتمد عليها الحكم بل يكفى أن يورد مضمونها، ولا يقبل النعى على المحكمة إسقاطها بعض أقوال الشاهد.


 لأن فيما أوردته منها وعولت عليه ما يعنى أنها اطرحت ما لم تشر إليه منها لما للمحكمة من حرية فى تجزئة الدليل والأخذ بما ترتاح إليه والالتفات عما لا ترى الأخذ به، ما دام أنها قد أحاطت بأقوال الشاهد ومارست سلطتها فى تجزئتها بغير بتر لفحواها أو مسخ لها بما يحيلها عن معناها أو يحرفها عن مواضعها، وإذ كان ما أورده الحكم المطعون فيه بالنسبة لأقوال الشاهد الأول – المجنى عليه – يحقق مراد الشارع الذى استوجبه فى المادة 310 من قانون الإجراءات الجنائية من بيان مؤدى الأدلة التى يستند إليها الحكم الصادر بالإدانة وحصل مضمونها بطريقة وافية، فإن ما ينعاه الطاعن فى هذا الصدد يكون فى غير محله.


 لما كان ذلك، وكان من المقرر أن وزن أقوال الشهود وتقديرها مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التى تراها وتقدره التقدير الذى تطمئن إليه بغير معقب، والأصل أنه متى أخذت المحكمة بأقوال الشاهد، فإن ذلك يفيد اطراحها لجميع الاعتبارات التى ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها، وأن الأحكام لا تلتزم بأن تورد من أقوال الشهود إلا ما تقيم عليه قضاءها، وأن المحكمة غير ملزمة بسرد روايات الشاهد إن تعددت وبيان وجه أخذها بما اقتنعت به، بل حسبها أن تورد منها ما تطمئن إليه وتطرح ما عداه.

 وأن تناقض الشهود وتضاربهم فى أقوالهم أو مع أقوال غيرهم لا يعيب الحكم، ما دامت المحكمة قد استخلصت الحقيقة من تلك الأقوال استخلاصاً سائغاً لا تناقض فيه – كما هو الحال فى الدعوى المنظورة -، فإن ما يثيره الطاعن من منازعة فى هذا الشأن بدعوى تناقض أقوال شاهد الإثبات الأول مع بعضها البعض ومع أقوال الشاهد الثالث هو محض جدل موضوعى لا تقبل إثارته أمام محكمة النقض.


 لما كان ذلك، وكان من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تعوِّل فى تكوين عقيدتها على تحريات الشرطة باعتبارها معززة لما ساقته من أدلة، ما دامت تلك التحريات قد عرضت على بساط البحث.


 وإذ كانت الأدلة والقرائن التى أوردها الحكم – والمستمدة من أقوال المجنى عليه “شاهد الإثبات الأول” ومن ضبط هاتفه الجوال والسيارة محل جريمة السرقة والسلاح النارى المستخدم فى الواقعة لدى الطاعن والمحكوم عليه الآخر – من شأنها أن تؤدى إلى ما رتب الحكم عليها من ثبوت مقارفة الطاعن للجريمة التى دانه الحكم بها، فلا على الحكم إن هو عوَّل على التحريات، ضمن ما عوَّل عليه، فى إدانة الطاعن، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن فى هذا الصدد هو عودة منه إلى الجدل الموضوعى فى تقدير الدليل وفى سلطة محكمة الموضوع فى وزن عناصر الدعوى واستنباط معتقدها وهو ما لا تجوز إثارته أو الخوض فيه أمام محكمة النقض.


 لما كان ذلك، وكان من المقرر أن ما تمسك به الطاعن أمام محكمة الموضوع من عدم جدية التحريات ومن انتفاء صلته بالواقعة، لا يعدو دفاعاً موضوعياً وكان من المقرر أن المحكمة ليست ملزمة بتتبع المتهم فى كافة مناحى دفاعه الموضوعى والرد على كل شبهة يثيرها استقلالاً، إذ أن الرد يستفاد دلالة من أدلة الثبوت التى أوردها الحكم وفى عدم إيرادها لهذا الدفاع أو ردها عليه ما يدل على أنها اطرحته اطمئناناً منها إلى أدلة الثبوت التى أقامت عليها قضاءها، ومن ثم فإنه تنحسر عن الحكم قالة الإخلال بحق الدفاع.


 لما كان ذلك، وكان البيِّن من محضر جلسة المحاكمة أن الطاعن لم يدفع أمام محكمة الموضوع بعدم اختصاص الضابط مجرى التحريات مكانياً بضبطه، وكانت مدونات الحكم خالية مما ينفى هذا الاختصاص ويظاهر ما يدعيه الطاعن، فلا يجوز له أن يثير هذا الدفع لأول مرة أمام محكمة النقض لكونه يحتاج إلى تحقيق موضوعى يخرج عن وظيفتها.


 هذا فضلاً عن أن مجرى التحريات – الشاهد الثالث – لم يقم بضبط الطاعن وأن القائم بالضبط هو الشاهد الثانى. لما كان ذلك، وكان البين من مطالعة الحكم المطعون فيه أنه عوَّل – من بين ما عوَّل عليه فى الإدانة – على أقوال شاهد الإثبات الأول – المجنى عليه – وهو شاهد رؤية – خلافاً لما يقوله الطاعن – فإن منعى الطاعن فى هذا الشأن لا يكون له محل.


لما كان ذلك، وكان من المقرر أن القانون لا يشترط لثبوت جريمة السرقة بالإكراه والقضاء بإدانة مرتكبها وجود شهود رؤية أو قيام أدلة معينة، بل للمحكمة أن تكون اعتقادها بالإدانة فى تلك الجريمة من كل ما تطمئن إليه من ظروف الدعوى وقرائنها.


 ومتى رأت الإدانة، كان لها أن تقضى بالعقوبة المقررة قانونًا على مقترفها دون حاجة إلى إقرار منه أو شهادة شاهدى رؤية حال وقوع الفعل منه أو ضبطه متلبساً بها، ومن ثم فإن ما أثاره المدافع عن الطاعن من خلو الأوراق من دليل يقينى ضده أو شهود رؤية، ينحل إلى جدل موضوعى فى تقدير الدليل وفى سلطة محكمة الموضوع فى وزن عناصر الدعوى واستنباط معتقدها مما تستقل به محكمة الموضوع بغير معقب، وبذلك يكون الحكم بريئاً من أية شائبة فى هذا الخصوص.

 لما كان ذلك، وكانت الوقائع كما أثبتها الحكم تفيد أن ما وقع من الطاعن من إتلاف عمدى لسيارة المجنى عليه وذلك بعد ارتكابه جرائم السرقة بالإكراه وإحراز وحيازة سلاح نارى مششخن وذخائره مما لا يجوز الترخيص بحيازته أو إحرازه مما لا يوفر وحدة النشاط الإجرامى بين جريمة الإتلاف العمدى وتلك الجرائم التى دين بها، ولا يتحقق به الارتباط الذى لا يقبل التجزئة بينهم.

 وإذ كان الحكم المطعون فيه قد خالف هذا النظر وأعمل فى حق الطاعن المادة 32/2 من قانون العقوبات وأوقع عليه عقوبة واحدة – عقوبة جريمة إحراز السلاح النارى باعتبارها الجريمة ذات العقوبة الأشد – عن جميع التهم، ولم يوقع عقوبة مستقلة عن تلك الجريمة – جريمة الإتلاف العمدى – فإنه يكون قد أخطأ فى تطبيق القانون، مما كان يوجب تدخل محكمة النقض لإنزال حكم القانون على وجهه الصحيح، إلا أنه لما كان الطاعن هو المحكوم عليه، ولم تطعن النيابة العامة، فإن محكمة النقض لا تستطيع تصحيح هذا الخطأ حتى لا يضار الطاعن بطعنه. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.


فلهذه الأسباب


حكمت المحكمة :- بقبول الطعن شكلاً وفى الموضوع برفضه.
أمين السر رئيس الدائرة

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى