«النقض»: إحراز المخدر بقصد الإتجار واقعة مادية يستقل قاضى الموضوع بالفصل فيها
أكدت محكمة النقض في حكمها بالطعن رقم 2993 لسنة 91 قضائية، أن إحراز المخدر بقصد الإتجار واقعة مادية يستقل قاضى الموضوع بالفصل فيها طالما أنه يقيمها على ما ينتجها وكان البين من الحكم المطعون فيه أنه عرض لقصد الإتجار وأطرحه برد سائغ ، وكان فيما أورده الحكم على ذلك النحو ما يكفى للدلالة على توافر قصد الإتجار لدى الطاعن ولا حرج على محكمة الموضوع في استخلاصه على أي نحو تراه متى كان ما حصلته واقتنعت به للأسباب التي أوردتها – في حدود سلطتها في تقدير أدلة الدعوى والتي لا تخرج عن الاقتضاء العقلي والمنطقي . لما كان ذلك، وكان عدم ضبط عملاء للطاعن في بيع أو شراء المخدر.
المحكمـــة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد القاضي المقرر والمرافعة وبعد المداولة قانوناً :
حيث أن الطعن المقدم من الطاعن قد استوفي الشكل المقرر في القانون.
حيث أن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة إحراز جوهر الحشيش المخدر بقصد الاتجار في غير الأحوال المصرح بها قانوناً ، قد شابه القصور في التسبيب ، والفساد في الاستدلال ، والإخلال بحق الدفاع ، ذلك أن المدافع عن الطاعن دفع ببطلان القبض والتفتيش لأن الواقعة لم تكن في حالة تلبس لوقوعهما بغير إذن من النيابة العامة وقبل أن يتبين ضابط الواقعة كنه المادة المخدرة ولتلقى الضابط نبأ الجريمة من الغير.
غير أن الحكم أطرح هذا الدفع بما لا يسوغ ، وعول في الإدانة على أقوال ضابطي الواقعة المستمدة من القبض والتفتيش الباطلين ، رغم عدم معقولية تصويرهما للواقعة لشواهد عددها بأسباب طعنه مما يدل على اختلاقهما حالة التلبس ، وأخذ بإقرار الطاعن بمحضر الضبط رغم عدم صدوره منه بدلالة عدم توقيعه عليه ، ودلل على قصد الإتجار بما لا يوفره في حق الطاعن لعدم ضبط العميل أو مبالغ مالية من حصيلة الإتجار فضلاً عن ضآلة الكمية المضبوطة ، وأخيراً استدل على توافر قصد الإتجار من كمية الأقراص المضبوطة. كل ذلك مما يعيب الحكم المطعون فيه بما يستوجب نقضه.
وَمِنْ حَيْث إنَّ الحُكْم المَطْعون فيه بَيَّن وَاقِعَة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجَرْيمَة التي دان الطَّاعِن بها وأورد على ثبوتها في حقه أدِلَّـة سَائِغة من شأنها أن تؤدى إلى ما رتبه الحُكْم عليها ، وكان من المقرر أن القول بتوافر حالة التلبس أو عدم توافرها من المسائل الموضوعية التي تستقل بها محكمة الموضوع بغير معقب عليها ما دامت قد أقامت قضاءها على أسباب سائغة ، كما أنه يكفي لقيام حالة التلبس أن يكون هناك مظاهر خارجية تنبئ بذاتها عن وقوع الجريمة ، ولا يشترط في التلبس بإحراز المخدر أن يكون من شهد هذه المظاهر قد تبين ماهية المادة التي شاهدها بل يكفي في ذلك تحقيق تلك المظاهر الخارجية بأي حاسة من الحواس يستوي في ذلك أن تكون تلك الحاسة حاسة الشم أو حاسة النظر.
وكان البين من مدونات الحكم المطعون فيه أن ضابط الواقعة قد أدرك وقوع الجريمة من رؤيته للطاعن يتقابل مع آخر ويخرج من الحقيبة الخلفية لسيارته جوال بلاستيك أبيض اللون مخرجاً منه طربة بنية اللون لمخدر الحشيش ، ولا يغير من ذلك إن ضابط الواقعة قد تلقي نبأها عن طريق الغير إلا أنه انتقل إلي حيث تواجد المحكوم عليه وشاهد ارتكابه جريمة إحراز مواد مخدرة بنفسه وأدركها بحواسه ، فإن ما أورده الحكم تدليلاً على توافر حالة التلبس ورداً على دفع الطاعن بعدم توافرها كافياً وسائغاً ويتفق وصحيح القانون ، ويكون النعي عليه في هذا الشأن غير سديد.
لما كان ذلك ، ولئن كان الأصل أن من يقوم بإجراء باطل لا تقبل منه الشهادة عليه ، إلا أن ذلك لا يكون إلا عند قيام البطلان وثبوته ، وإذ كان الحكم المطعون فيه قد انتهى سديداً إلى صحة إجراءات القبض والتفتيش ، فإنه لا تثريب عليه إن هو عول في الإدانة على أقوال ضابط الواقعة ، ويكون منعى الطاعن في هذا الشأن غير قويم. لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى مادام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق .
وكان وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها الشهادة متروكاً لتقدير محكمة الموضوع ، ومتى أخذت بشهادة شاهد فإن ذلك يفيد أنها أطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها ، ولما كانت المحكمة قد اطمأنت إلى أقوال ضابطي الواقعة وصحة تصويرهما للواقعة ، ومن ثم فلا محل لتعييب الحكم في صورة الواقعة التي اعتنقتها المحكمة واقتنعت بها ، بدعوي استحالة الرؤية في ظلام الليل الدامس ، ولا على المحكمة من بعد إن هي التفتت عن دفاع الطاعن المخالف للتصوير الذي اعتنقته ، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في هذا الشأن ينحل إلي جدل موضوعي في تقدير الدليل مما تستقل به محكمة الموضوع ولا تجوز مجادلتها ولا مصادرة عقيدتها بشأنه أمام محكمة النقض.
لما كان ذلك ، وكان ما يثيره الطاعن من تعويل الحكم على إقراره بمحضر الضبط بملكيته للمضبوطات بقصد الإتجار رغم عدم صحته بدلالة عدم توقيعه على ذلك المحضر وإنكاره له بالتحقيقات مردوداً بما هو مقرر من أن للمحكمة أن تأخذ بإقرار المتهم بمحضر الشرطة متى اطمأنت إلى صدقه ومطابقته للواقع ولو عدل عنه في مراحل التحقيق الأخرى دون بيان السبب ، كما أن عدم التوقيع على محضر جمع الاستدلالات ليس من شأنه إهدار قيمته كله كعنصر من عناصر الإثبات وإنما يخضع كل ما يعتريه من نقص أو عيب لتقدير محكمة الموضوع.
ولما كانت المحكمة قد اطمأنت إلى إقرار الطاعن لضابطي الواقعة بملكيته للمضبوطات بقصد الإتجار ، فإن ما يثيره في هذا الصدد يكون غير سديد. لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن إحراز المخدر بقصد الإتجار واقعة مادية يستقل قاضى الموضوع بالفصل فيها طالما أنه يقيمها على ما ينتجها وكان البين من الحكم المطعون فيه أنه عرض لقصد الإتجار وأطرحه برد سائغ ، وكان فيما أورده الحكم على ذلك النحو ما يكفى للدلالة على توافر قصد الإتجار لدى الطاعن ولا حرج على محكمة الموضوع في استخلاصه على أي نحو تراه متى كان ما حصلته واقتنعت به للأسباب التي أوردتها – في حدود سلطتها في تقدير أدلة الدعوى والتي لا تخرج عن الاقتضاء العقلي والمنطقي .
لما كان ذلك، وكان عدم ضبط عملاء للطاعن في بيع أو شراء المخدر ، وأن ضآلة كمية المخدر أو كبرها من الأمور النسبية ، لا يقيد حرية المحكمة في استخلاص قصد الإتجار من كافة ظروف الدعوى وملابساتها ، فضلاً عن ضبط مبالغ نقدية متحصلة من الإتجار في المخدر ليس شرطاً للقول بتوافر هذا القصد ، ومن ثم يكون ما يثيره الطاعن في هذا الشأن لا محل له. لما كان ذلك ، وكان ما يثيره الطاعن بشأن تعويل الحكم في إدانته بجريمة إحراز جوهر الحشيش المخدر بقصد الإتجار استناداً لكمية الأقراص المضبوطة ، أمر لم يتصل بقضاء الحكم فإن منعاه في هذا الخصوص يكون لا محل له.
لما كان ذلك ، وكانت المحكمة لا تلتزم بمتابعة المتهم في مناحي دفاعه الموضوعي وفى كل شبهة يثيرها والرد على ذلك مادام يستفاد ضمناً من القضاء بالإدانة استناداً إلى أدلة الثبوت السائغة التي أوردها الحكم ، ومادامت المحكمة قد اطمأنت في حدود سلطتها التقديرية إلى أقوال شاهدي الإثبات وما ثبت بتقرير المعمل الكيماوي ، فلا تثريب عليها إذ هي لم تتعرض في حكمها إلى دفاع الطاعن الموضوعي الذي ما قصد به سوى إثارة الشبهة في الدليل المستمد من تلك الأقوال ومن ثم فإن منعى الطاعن على الحكم في هذا المقام يكون في غير محله. ولما كان ما تقدم ، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة : بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع برفضه.
أمين الســـر رئيس محكمة النقض