المُواطنة والمُساواة بين التشريع الإسلامي والمِيثاق العالمي لحقوق الإنسان
بقلم: الأستاذ/ إبراهيم جاد الله
لم تعرف المواثيق الدولية حقوق الإنسان، والتي من أهمها المواطنة والمساواة؛ إلا بميلاد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وذلك في العاشر من ديسمبر ١٩٤٨م، وباستقراء تلك الحقوق والمقارنة بينها وبين التشريع الإسلامي نجده تضمنها منذ بزوغ فجره من أربعة عشر قرنًا.
ونصت المادة الأولى من الإعلان العالمي لحقوق الانسان على أن «يُولد جميعُ الناس أحرارًا ومتساوين في الكرامة والحقوق، وهُم قد وُهِبوا العقلَ والوجدانَ وعليهم أن يعاملوا بعضهم بعضًا بروح الإخاء»، بينما جاء التشريع الإسلامي سابقًا وسباقًا بإقرار المواطنة والمساواة ليس بين أهل البلد الواحد بل بين الناس جميعاً.
وجاء ذلك في القرآن الكريم مرارًا- قال تعالى- (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ) سورة الحجرات الآية (13). فخاطبهم بوحدة الأصل لا فرق بين إنسان واخيه الإنسان.
كما أعلنها صاحب الشريعة عليه الصلاة والسلام في حجة الوداع ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَلَا إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ ، أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ وَلَا لِأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلَّا بِالتَّقْوَى).
فهذا التأصيل للمواطنة والمساواة لم يجئ في عصر الحداثة بل جاء منذ أربعة عشر قرناً في بيئة تضطرب فيها موازين المساواة ويجار فيها على الحقوق بغير سبب مشروع، ولم تكن تلك التعاليم كلاماً مسطوراً للوجاهة الاجتماعية وللتباهي دون تنفيذ بل طبق بين الناس حتى صار سلوكاً اجتماعيًا وصار لا يفرق بين مواطن وأخيه وألا يعرف للتميز بينهما سبيلا، فيوم أن عيَّر أبي ذر – رضي الله عنه – بلال رضي الله عنه وقال له : ” يا ابن السوداء ” ما كانت هذه الكلمة النابية لتمر هكذا بل قال له صاحب الشرع الشريف ﷺ : ” إنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ “.
فالمساواة ليست كلاماً يسطر ويحفظ بل لا قيمة له والا يساوي ما كتب به إن لم ينفذ ويؤخذ للقوي من الضعيف – لم يقتصر هذا التطبيق بين المواطنين أهل الملة الواحدة بل طبق بين الإنسان وأخيه الإنسان لا لشيء وإنما لكونهم متساوون في الإنسانية.
فيوم أن اراد العبَّاس بن عبـد المطلب وهو مسلم أن يأخذ مفتاح الكعبة من عُثْمَانَ بْنِ طَلْحَةَ يوم فتح مكة أنزل الله نهياً عن ذلك بقوله ۞ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا ۞ سورة النساء الآية (58) . فأقر التشريع الإسلامي حلفاً وعقداً تم في الجاهلية يقضي بأن يكون مفتاح الكعبة مع ” آل شيبة ” وأعلنها ﷺ – وَقَالَ : “خُذُوهَا خَالِدَةً تَالِدَةً لَا يَنْزِعُهَا مِنْكُمْ إلّا ظَالِمٌ”. ودفع المفتاح لعُثْمَانَ بْنِ طَلْحَةَ. كما أعلنها مدوية في سمع الدنيا كلها ليؤكد على المواطنة والمساواة بين جميع المواطنين بقوله (ألا مَن ظلمَ مُعاهدًا أو انتقصَهُ أو كلَّفَهُ فَوقَ طاقتِهِ أو أخذَ منهُ شَيئًا بغَيرِ طيبِ نفسٍ فأنا خصمُهُ يَومَ القيامةِ).
وبالملاحظ نجد سمو وسابقية التشريع الإسلامي للميثاق العالمي لحقوق الإنسان ليس فيما جاء في كلاهما فقط بل اشتمال التشريع الإسلامي ايضاً على حقوق لم تأتي بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان كالحق في الميراث وكحق الجنين في بطن أمه وما ذلك إلا لكون مصدره الْعَلِيمُ الْحَكِيم .