المقصود بعبارة “لمدة تزيد على سنة دون مبرر” في الإيجارات
بقلم/ مايكل بساده أديب – باحث الدكتوراه بقسم القانون المدني
المحامي بالنقض و الإدارية العليا
حول المقصود بعبارة “لمدة تزيد على سنة دون مبرر”: الواردة في الفقرة الأولى من المادة (7) من القانون رقم 164 لسنة 2025 بشأن العلاقة بين المؤجر والمستأجر
1 – مقدمة
تُعد المادة (7) من القانون رقم 164 لسنة 2025 بشأن بعض الأحكام المتعلقة بقوانين إيجار الأماكن وإعادة تنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر من النصوص القانونية التي أثارت جدلاً واسعاً في الأوساط القانونية والاجتماعية، نظرًا لتأثيرها المباشر على مبدأ استقرار العلاقة الإيجارية والتوازن بين حقوق المالك والمستأجر.
وقد نصت المادة على أنه:
“مع عدم الإخلال بأسباب الإخلاء المبينة بالمادة (18) من القانون رقم 136 لسنة 1981 المشار إليه، يلتزم المستأجر أو من امتد إليه عقد الإيجار، بحسب الأحوال، بإخلاء المكان المؤجر وردِّه إلى المالك أو المؤجر، بحسب الأحوال، في نهاية المدة المبينة في المادة (2) من هذا القانون، أو حال تحقق أي من الحالتين الآتيتين:
(1) إذا ثبت ترك المستأجر أو من امتد إليه عقد الإيجار للمكان المؤجر مغلقاً لمدة تزيد على سنة دون مبرر.”
2 – المشكلة :-
· يمكن تفسير نص المادة بهدف الى تفريغ نص المادة من مضمونه على نحو يجعل نص المادة جزءاً زائداً عن الحاجه أو بلا اثر قانونيا و يجعل من نص المادة تكراراً لا طائل منه و ذلك إذا كان المقصود بالسنة المذكورة في المادة هي ان تكون سنه لاحقه على صدور القانون ذلك لآن ذلك يعنى أن نص المادة اصبح عباره عن دعوة من المشرع لجموع المستأجرين الى عدم ترك الوحدات المؤجرة لمده سنه بعد صدور القانون حتى يعجز المالك عن استصدار حكم قضائي بطر المستأجر … فماهي فأئده هذه المادة هل نكون بصدد قاعده قانونيه تخاطب الجميع أم دعوى موجهه الى فئه محدده تحابي فئه على حساب فئه اخرى …و في هذه الحالة لا نكون بصدد قاعده قانونيه من المنظور القانوني السليم.
· اما اذا كان تفسير نص المادة على ان يكون المقصود بالسنة المذكورة في المادة هي ان تكون سنه سابقه على صدور القانون فإن هذا يتفق مع العله التشريعية من القانون كما يتوافق مع أحكام الترك
و من ثم يثور التساؤل حول المقصود بعبارة “لمدة تزيد على سنة دون مبرر”: هل تُحتسب السنة قبل صدور القانون أم بعده؟
هذا التساؤل يمس جوهر فلسفة القانون، وحدود مبدأ عدم رجعية القوانين، ومدى التزام المشرع بالغاية الاجتماعية من التشريع، وهو ما يستدعي بحثاً منهجياً في ضوء مبادئ التفسير القانونية وفلسفة قوانين الإيجارات.
3- تحليل النص في ضوء المناهج التفسيرية التقليدية
3.1 – التفسير اللفظي والمنطقي :- يكشف التفسير اللفظي عن غموض في عبارة “لمدة تزيد على سنة دون مبرر”، إذ لم يُحدِّد المشرع ما إذا كانت السنة السابقة أم اللاحقة لصدور القانون. وبناءً عليه، لا يكفي التفسير الحرفي وحده لتحديد المقصود، بل ينبغي ربط النص بمنظومته التشريعية الكاملة، وخاصة المادة (18) من القانون رقم 136 لسنة 1981. و بالمنطق القانوني، يُستفاد أن المقصود هو حالة ترك المكان مغلقاً بصورة مستمرة، وهي واقعة دائمة الأثر، لا تتقيد بزمن معين، مما يجعل تطبيق النص على الوقائع السابقة غير مخالف لمبدأ عدم الرجعية لأن القانون هنا يسري على حالة مستمرة لا على واقعة منقضية.
3.2- التفسير الغائي والمقاصدي :- يُظهر التفسير الغائي أن الغرض من النص هو تحقيق التوازن بين حقوق الملكية وحق السكن، والحد من ظاهرة غلق الوحدات المؤجرة دون استعمالها الفعلي، وهو ما يمثل هدراً للثروة العقارية في ظل أزمة سكن متفاقمة. ومن ثمّ، فإن تفسير النص على أن السنة لاحقة لصدور القانون يؤدي إلى تفريغ النص من مضمونه، وتحويله إلى مجرد توجيه سلوكي لا يترتب عليه أثر قانوني فعّال( على النحو الوارد شرحه تحت عنوان “المشكلة “). أما التفسير الذي يرى أن السنة السابقة تدخل في نطاق التطبيق، فهو الذي ينسجم مع هدف التشريع في معالجة أوضاع قائمة وقت صدور القانون.
3.3 – التفسير التاريخي :- بالعودة إلى التطور التاريخي لتشريعات الإيجار في مصر، نجد أن القوانين السابقة منذ منتصف القرن العشرين اتجهت إلى حماية المستأجرين بشكل مطلق، قبل أن يبدأ المشرع تدريجياً في إعادة التوازن للعلاقة الإيجارية.
ويأتي القانون رقم 164 لسنة 2025 تتويجاً لهذا الاتجاه التصحيحي، مما يؤكد أن إرادة المشرع متجهة نحو إعادة استغلال الوحدات المغلقة ومعالجة حالات قائمة بالفعل. وبالتالي، فإن إدخال السنة السابقة ضمن نطاق التطبيق يتفق مع التطور التاريخي لفلسفة الإيجار في التشريع المصري.
4 – تفريغ النص من مضمونه في حالة التفسير اللاحق
إذا فُسّر النص على أن السنة المقصودة لاحقة لصدور القانون، فإن ذلك يؤدي إلى تعطيل أثره لمدة عام كامل، ويُحوّله من قاعدة قانونية آمرة إلى مجرد “إعلان نوايا تشريعي”، وهو ما يخالف مبدأ عدم جواز تعطيل النصوص الإلزامية بالتفسير.
كما أن ذلك التفسير يُفضي إلى إخلال بمبدأ المساواة بين الملاك الذين يتضررون من غلق وحداتهم والمستأجرين الذين يسيئون استعمال الامتداد القانوني.
5 – الغاية الاجتماعية من التشريع
يهدف النص إلى تحقيق الاستخدام الأمثل للثروة العقارية ومنع احتكار الوحدات السكنية دون مبرر، وهو ما يتماشى مع مفهوم “الوظيفة الاجتماعية للملكية” المنصوص عليه في الدستور المصري.
ويُعد هذا التوجه ترجمة عملية لفكرة العدالة التوزيعية في فلسفة القانون، التي تسعى إلى إعادة توزيع فرص الانتفاع بالمساكن بما يخدم الصالح العام.
6 – العدالة الاقتصادية والتوازن بين الحقوق
يسهم تطبيق المادة فوراً في دعم العدالة الاقتصادية من خلال إعادة طرح الوحدات المغلقة في سوق الإيجار، وهو ما يعزز المنافسة ويخفض من معدلات الإيجار المصطنعة الناتجة عن قلة المعروض.
كما أنه يحقق التوازن بين الحق في الملكية الخاصة والحق في السكن، وفقاً لما أقرته المحكمة الدستورية العليا من أن الملكية الخاصة ذات وظيفة اجتماعية لا يجوز تعطيلها أو تجميدها دون مبرر مشروع.
7- خاتمة
يتضح من الدراسة أن التفسير الصحيح للمادة (7) من القانون رقم 164 لسنة 2025 هو التفسير الذي يعتبر أن المدة المشار إليها تشمل السنة السابقة على صدور القانون، طالما استمر الغلق دون مبرر حتى تاريخ نفاذه.
ذلك أن هذا التفسير وحده:
1. يتسق مع المنهج المنطقي والغائي في تفسير النصوص القانونية؛
2. ويتوافق مع مبدأ الأثر الفوري للقانون على الوقائع المستمرة؛
3. ويحقق الغاية الاجتماعية والاقتصادية للتشريع.
أما التفسير القائل بأن السنة لاحقة، فهو يفرغ النص من مضمونه التشريعي ويحوّله إلى نص غير منتج للأثر، مخالفاً لمبدأ فاعلية القانون.
ومن ثمّ، فإن التفسير الغائي المنضبط هو الأجدر بالتطبيق، لأنه يُعبّر عن روح التشريع ويمثل اتجاهاً عقلانياً يوازن بين حماية الملكية وتحقيق العدالة الاجتماعية، في إطار فلسفة الإيجار العادل التي يسعى إليها المشرع المصري في القرن الحادي والعشرين.