المفكر والقانوني الكبير رجائي عطية في حواره لصوت الأزهر: د. الطيب.. “إمام التجديد” الذى جمع بين ثقافة العقل والنقل والنظرة الثاقبة للتراث
جريدة صوت الأزهر
*لست مالكاً للنقابة.. لكنى محامٍ اختارتنى الجمعية العمومية للنهوض بمهمة النقيب
*يقتضى الإنصاف أن نحمد للدولة وكافة هيئاتها وسلطاتها وأجهزتها الدور الحميد الذى تقوم به لمحاصرة الوباء ومنع انتشاره
*شكل العالم سوف يتغير بعد «كورونا».. والأزمة أعادت كثيرين إلى رحاب الله
* زيادة معاش المحامين مطلب عادل تتيحه إمكانيات وميزانية النقابة.. بشروط!
*عملت محامياً وعضواً بالقضاء العسكرى وروائياً وكاتباً.. وأحَب الألقاب إلىَّ هو «الإنسان»
*بصراحة.. نحن فى مجتمع ذكورى ويجب تمكين المرأة لتحصل على وضعها ومكانتها
* تنقية جدول المحامين واجب لا نكوص عنه.. طبقاً للقانون بلا اعتساف ولا استبداد
* لا يصح إنزال الفهم البشرى منزلة الشريعة واعتبار شروح وآراء العلماء شريعة وإضفاء عصمة عليها كالنص القرآنى أو النبوى
* كثير من المتحدثين فى التجديد غير مُلمّين بقضاياه ويتوهمون أنه تغيير فى متون وثوابت الدين.. وهذا خطأ فادح
* «التجديد» قضية عامة يجب أن يحتشد لها المجتمع بأسره للإسهام بفهم ووعى فى تحقيقه
*الأزهر قطع شوطاً كبيراً لا يدركه إلا المُطّلعون.. والجهل يدفع كثيرين للتطاول على ما لا يعرفون
* كثيرون ممن يتحدثون عن مناهج الأزهر لم يقرأوا كتاباً من كتبه ولا علماً من علومه
* وثيقة «الأخوة الإنسانية» إنجاز رائع وتحل كثيراً من الأزمات.. ويجب تكاتف المجتمع الدولى على مبادئها لتؤتى ثمارها
* مشروعى الفكرى والحضارى نابع من الرغبة فى إعلاء قيم العقل وبث الفهم والاستنارة فى الدين ومعالجة الآفات الاجتماعية
أجرى الحوار: أحمد الصاوى – وليد عبدالرحمن
لا يختلف اثنان على قيمة «الأستاذ».. فهو قامة وطنية وعلمية وفكرية تؤكد أن مصر «ولّادة».. إنه المفكر والقانونى الكبير رجائى عطية، الذى جمع بين العديد من الصفات والألقاب والأدوار المهمة.. فهو الكاتب الإسلامى، والمفكر المستنير، والروائى، والإذاعى، والمحامى القدير. وأخيراً وليس آخراً نقيب المحامين، الذى بايعته جموع المحامين من خلال صناديق الانتخاب ليعيد للمهنة جلالها وأيام مجدها الذى تبوأته فى زمن مكرم عبيد وعبدالعزيز فهمى وغيرهما من أعلام المحامين.. اختص الكاتب والقانونى الكبير «صوت الأزهر» بأول حوار بعد انتخابه نقيباً للمحامين، تطرقنا خلاله للعديد من القضايا النقابية والفكرية والشأن العام.. سألناه عن أحوال النقابة ورؤيته للنهوض بها وتنفيذ برنامجه الانتخابى.. وتطرقنا للحديث عن قضية التجديد، وكيف يرى دور الأزهر وجهوده فيها بقيادة فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، وانتقلنا إلى الشأن العام وما يخص أزمة فيروس كورونا والجهود المبذولة لمواجهته.. والعديد من القضايا والأسئلة الشائكة التى أجاب عنها بكل صراحة فى هذا الحوار، فلا تفوتوه:
ما أهم الخطوات التى ستقوم بها بعد انتخابك نقيباً للمحامين؟
– فى مقدمة هذه الخطوات إعادة ترتيب البيت ومنهجه فى التعامل وتناول القضايا.. لم يكن رشيداً الانغلاق فى الفردية والانفراد بالرأى والقرار، ولا شك أن نتيجة الانتخابات تمثل عهداً جديداً للجمعية العمومية للمحامين، خرجت به من الزقاق إلى الميدان الفسيح، واستردت إرادتها التى حيل بينها وبين ممارستها.. لا بد من جماعية القيادة، لتشمل أعضاء المجلس، وكذا المحامين الواجب سماع آرائهم فى مصير نقابتهم ورسالتهم فى المحاماة. وهذه باختصار هى الآلية التى سوف نعتمد عليها فى التخطيط والقرار والتنفيذ.
حدثنا عن دور النقابة فى ظل الظروف الراهنة، وكيف يتم دعم المحامين صحياً وتأمينياً لمواجهة الحياة؟
– لم يكن دور النقابة على ما يرام، وانفصل أداؤها عن المحامين، ما أوجد هوة عريضة أفرزت الكثير من المشاكل للمحامين، بل وأعاقت المحاماة ذاتها عن القيام برسالتها.. أما دعم المحامين صحياً وتأمينهم لمواجهة الحياة فيرد فى مقدمة بل على رأس الأولويات.. وينحصر فى ملف العلاج، وملف المعاشات، وملف تأهيل شباب المحامين والمحاميات. وكل هذه الملفات تحتاج إلى إنفاق، وتتطلب ميزانية قادرة على تغطية مصاريف هذه الملفات، ما يقتضى أن تضبط المصروفات، والإنفاق، ومن ثم تزيد الموارد، وإذا ارتفعت الميزانية ستزداد قدرتنا على تحسين الوضع فى الملفات الثلاثة، وسنحتاج بعد هذه الإجراءات التى سنتخذها، من ضبط المصروفات وزيادة الموارد، إلى دراسات اكتوارية، وأرى أن كل ذلك يمكن تحقيقه بتعاون أعضاء المجلس الحالى بكل انتماءاته. وستكون آلية العمل بالنقابة الاعتماد على مبدأ جماعية القيادة، لأن بالمجلس السابق كان هناك انفراد بالقيادة واتخاذ القرارات، وهو ما كان محل عدم رضا من أعضاء المجلس، وكنت على علم بذلك، وأتصور أننى لست مالكاً للنقابة، ولكنى مجرد محامٍ اختارتنى الجمعية العمومية لأنهض بمهمة نقيب المحامين، وهذا الاختيار تكليف وليس امتلاكاً للنقابة، فبالطبع أملك آرائى ورؤيتى، ولكن ذلك لا يمنع وجود عضو من الأعضاء يمتلك رؤية أفضل فى أمر ما، ولذا فجماعية القيادة تقتضى أن نسمع آراء كل أعضاء المجلس، وبالحوار الدافئ والتحاور سنصل إلى الأفضل لمصلحة النقابة، كما يمكن أن يقدم عضو بالجمعية العمومية آراءً جيدة، فيجب سماعها ودراستها، وعند انضمامى للكلية الحربية عقب تخرجى فى كلية الحقوق عام 1959 حيث درست 8 أشهر لأتخرج نائب أحكام فى القضاء العسكرى، علّمونا فن قيادة الرجال، والذى يقتضى توظيف الملكات والإمكانيات الموجودة لدى فريق عملك فى تنفيذ المهام، فليس على القائد القيام بكل شىء بيده، وأملى أن نتكاتف جميعاً للوصول إلى مصلحة النقابة وجموع المحامين، ونُعيد للمحاماة صورتها الوضيئة التى كانت عليها.
طوال مسيرتكم المهنية التى تمتد لأكثر من ستين عاماً، لم تعلن ترشحك لمقعد النقيب سوى أربع مرات.. لماذا؟
– إن هذا العدد من مرات الترشح يزيد فى نظرى عما كنت أريد.. بيد أن ما يحتاج إلى تفسير أننى أقلعت من عام 2009 عن الترشح، ولم يكن فى نيتى أن أترشح هذا العام، وسبب عزوفى هو الأساليب المنحطة التى يمارسها البعض فى الانتخابات، وبما لا يليق بمكانة ولا بتاريخ المحاماة، وقد استجبت هذه المرة لدعوة جبهة الإصلاح النقابى بعد أن بلغت الأحوال حدّاً من السوء لا يمكن السكوت عليه، ورأى المحامون أن يولونى هذه الثقة للنهوض بالأحوال التى تردت، لذلك قبلت وأقدمت.
كيف ترى علاقة المحامى بأجهزة الدولة والسلطات التى يتعامل معها؟ وما سُبل تحسينها؟
– العلاقة الآن ليست على ما يرام، نتيجة تراكمات عديدة، ولا يمكن ترك الأحوال على هذا الحال، ولا بد من إعادة التوازن بين نقابة المحامين والسلطات التنفيذية والقضائية والشرطية والضريبية، وهذا التوازن حصاد جهود متبادلة مشتركة، يجب أن ننهض بما يخصنا، وأن تنهض السلطات بما عليها.. وفى إطار من الاحترام المتبادل الذى يحقق المصلحة العامة للجميع.
وما مشروع النقيب رجائى عطية خلال فترة توليه نقابة المحامين؟
– المشروع عريض، ومتعدد الخطوات، ويستهدف فى إجماله أداء كافة الخدمات النقابية بأكفأ وأفضل أداء، ويستهدف أيضاً أن تعلو المحاماة، فهى لا جدال فقدت جزءاً كبيراً من أرضيتها، فلم يعد بيننا مكرم عبيد، ومصطفى مرعى، وتوفيق دوس، وعبدالعزيز باشا فهمى، ولكننا نريد أن نعيد هذا العهد، فمن يدخل النقابة هو فى عنقى، لا بد من توفير الكتب المدعمة له، والمكتبة والموقع الإلكترونى، الذى يحتوى على المبادئ الأساسية، والمراجع المهمة، والمقالات المفيدة، حتى يستطيع الحصول على هذه الخدمات بسهولة، لأن بعض الكتب ارتفعت أسعارها إلى 1000 جنيه، وعند حدوث ذلك لا بد من وجود تواصل بين الأجيال، وحاولت بشكل منفرد تطبيق هذه الجزئية، فأصدرت رسالة المحاماة، و24 مجلداً من حصاد المحاماة، وأعمل على طباعة المجلد الـ25، وأريد إعادة إصدار مجلة المحاماة الشهرية، التى أمتلك العديد من طبعاتها منذ العدد الأول، وملاحقها الشهرية التى كانت تصدر معها متضمنة ما استجد من القوانين، وإعادة طبع المدونات الرئيسية. ولا شك أن المحاماة فقدت وضعها على كل الأصعدة، واهتزت الصورة فى عيون الناس؛ مع عامة الشعب، ومع السلطات، ونريد عودة الصورة السابقة للعظماء، ونعيدها إلى سالف عهدها بأن يكون لدى المحامى فكر محترم، وسلوك راقٍ، وأداء رائع.
من أبرز الملفات الشائكة الموجودة فى نقابة المحامين تنقية جداول المشتغلين، كيف ستتعامل معه؟
– تنقية جدول المحامين واجب لا نكوص عنه، ولكن طبقاً للقانون، بلا اعتساف ولا استبداد، على أن يكون للمحامى الحق فى إثبات الممارسة بكل دليل صالح للإثبات، دون أن تفرض النقابة عليه دليلاً بعينه، فالقاضى لا يفرض على المتهم أدلة دفاعه ونفيه التهمة، وإنما يتركها لاختياره، وقد أدى أسلوب الفرض والتعسف إلى اشتراط شروط غير صالحة لإثبات الممارسة أو نفيها، كشهادة التحركات، فقد يكون المحامى خارج البلاد فى الكويت أو بريطانيا أو سوريا أو فرنسا أو الأردن ويمارس المحاماة، وقد يكون فى مصر ولا يمارسها.. العبرة إذاً هى بالممارسة، والمحامى وشأنه فى إثباتها، طالما تساند إلى أدلة صالحة لإثبات الممارسة. أساس التنقية هو الممارسة، وكما أن من حقى أن أشطب غير الممارس، فمن حقه أن يثبتها، وهو من يختار أدلته لإثبات ممارسته للمهنة، ولا يمكن أن أفرضها عليه، فالتوكيلات يمكن أن تكون دليلاً، وأحياناً تكون هناك أدلة غير التوكيلات، فمثلاً محكمة النقض لا تشترط أن يكون هناك توكيل لكتابة أسباب الطعن بالنقض، أو حضور المحامى عمن كتب له هذه الأسباب، وكذلك أعمال المحاماة الأخرى، مثل إعطاء المشورة، وكتابة العقود، فهى بلا توكيلات وبلا محاضر جلسات، فسيكون متاحاً للمحامى تقديم توكيلات، أو محاضر جلسات، أو بطاقة ضريبية، أو تعاقد مكتبه الذى يمارس فيه المحاماة، وإثبات عمله أو تلقيه تدريباً بمكتب محامٍ، كلها أدلة على الممارسة، وبعد تقديمها تُدرس بعناية وإنصاف، فإذا ثبت أنه يمارس يكون استمرار قيده واجباً، وإذا ثبت غير ذلك تأخذ اللجنة قرارها المسبب بالشطب أو عدم القيد.
هناك مطالب بزيادة معاش المحامين.. والبعض ينادى بأن يكون للمحامى معاش من التأمينات والمعاشات.. كيف ترى ذلك؟
– أرى أنها مطالب عادلة، وتتيحها إمكانيات وميزانية النقابة إذا ما تم ضبط وإنعاش وترشيد إيراداتها ومنع تسربها، وضبط المصارف والنفقات التى لا تخدم المحاماة والمحامين، كالمآدب والولائم والرحلات الترفيهية ومؤتمرات التخديم على الذات. ضبط الوارد وزيادته، وضبط المنصرف وتقليصه، يرتفع بميزانية النقابة وقدرتها على رفع المعاشات، وأيضاً على أداء الخدمات العلاجية ونجدة المرضى والعجزة، فضلاً عن رعاية ذوى الحاجات، والأيتام والأرامل. إذاً فاتجاه زيادة المعاش اتجاه حقيقى وواجب، أما المعاش من التأمينات الاجتماعية فلا أظن أنه وارد، ولدى نقابة المحامين ما يكفيها لمعاشات المحامين والمستحقين عنهم، إذا ما نمّينا وزدنا وضبطنا الإيرادات، ورشّدنا المصارف والنفقات كما ذكرت، وسوف نفعل بمشيئة الله.
ما التغيير المنشود خلال الفترة المقبلة لأوضاع المهنة، خاصة أن هناك من يعوِّل على الكاتب والمفكر رجائى عطية فى إنصافها؟
– تستطيع أن تقول إنه تغيير جذرى لاستعادة هيبة وشموخ المحاماة، ومكانة المحامى، بالعلم والمعرفة والسلوك والأداء. علينا أن نتقدم إلى المحاماة.. شباباً وكهولاً وشيوخاً.. وحين نتقدم إلى المحاماة، سوف ننصفها وننصف المحامى ونستعيد هيبته وشموخ النقابة والمحاماة.
عملت كمحامٍ، وعضو بالقضاء العسكرى، وروائى، وكاتب، أى هذه الألقاب الأقرب إليك؟
– أحب الألقاب إلىّ «الإنسان».. ودعنى أضيف أن فترة عملى بالقضاء العسكرى كانت مفيدة لى على المستويين الشخصى والوظيفى، فالقضاء العسكرى كان ذا صورة براقة، وأميز ما كان فيه أنه بعد عملى لمدة تم انتدابى بفرع التصديق، ثم بفرع الطعون المختص بالنظر فى الالتماسات والتى تعادل محكمة النقض، فعُرضت علىّ مذكرات لكبار المحامين، مثل محمد عبدالله مـحمد، وعلى منصور، وعبدالمجيد نافع وغيرهم، وكان مطلوباً أن يرتفع الباحث إلى مستواهم، سواء للاتفاق معهم، أو للرد عليهم، وهو ما أفادنى كثيراً، وكان راتبى ضئيلاً، فبدأت الكتابة للإذاعة المصرية لزيادة دخلى.
وما أحب القضايا التى ترافعت فيها؟
– قضية قروية بسيطة تدعى عائشة عقل شلبى، درست قضيتها فى بداية عملى بالمحاماة سنة 1959 وكتبت فيها مذكرة راقت لأبى، فنوه بذلك أمام المحكمة، وطلب منى أن أترافع فيها، وكانت قضية مدنية، وقد فعلت، وما زلت أذكرها حتى اليوم. أما القضية الثانية فهى قضية محافظ المنوفية والغربية الدكتور يحيى حسن، الأستاذ أصلاً بكلية الزراعة، وقد كان مظلوماً ووقفت بجواره وقُضى له بالبراءة مرتين، رحمه الله.
وعدت فى برنامجك الانتخابى بتمكين المرأة فى النقابة، كيف ستقوم بذلك؟
– دعنا نتحدث بصراحة، نحن فى مجتمع ذكورى، لذلك ظهر لفظ تمكين المرأة، فالمرأة فى الدول الشرقية، ومصر منها، غير ممكّنة وليست غير كفؤة، والدليل أننا منذ وقت درية شفيق وسيزا نبراوى وهدى شعراوى، وهناك كفاح طويل لحصول المرأة على حقوقها، ولم تحصل عليها دفعة واحدة، فتولت السيدات فى البداية حقيبة وزارية واحدة، أما الآن فتجد حواء تتولى حقائب وزارية عديدة، وهذا هو معنى التمكين، وكذلك عدد السيدات فى مجلس النواب زاد بالتمكين، لأننا باختصار فى مجتمع يقدم الرجل على المرأة، وهو عيب اجتماعى موجود عندنا، لذلك يجب أن نعمل على تمكين المرأة، حتى تحصل على وضعها ومكانتها، وإذا تركناها للانتخاب فلن يتم تمكينها، لذلك لا بد من وجود حصة لها، فلم تكن قائمة من قوائم الانتخابات الماضية تضم سيدات سوى القائمة التى كنت بها، ضمت أستاذتين، ووفقت إحداهما فى الانتخابات ودخلت مجلس النقابة.
يتردد أن هناك اتجاهاً لتعديلات على قانون المحاماة.. ما تعليقكم؟
– هذا الحديث سابق لأوانه، وإذا ما اعترضنا ما يستوجب التعديل سوف نعرضه بأسبابه وأسانيده، ونقدمه من خلال قنوات القانون إلى مجلس النواب للنظر فيه وإصداره.
ما رؤيتكم لدور الأزهر خلال فترة تولى فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر التى مر عليها عشر سنوات؟
– «صوت الأزهر» أول من يعرف رؤيتى فى هذا الموضوع، فقد اخترت فى مقالى الأخير أن أكتب لكم عن الدكتور الطيب «الإمام المجدد».. وتضمن هذا المقال رؤيتى الشاملة والتفصيلية عبر أكثر من ستة عشر عاماً لما يقوم به الإمام الأكبر الدكتور الطيب من مهام كبيرة ومتتالية وعريضة للحث على التجديد فى الفكر وفى الخطاب الدينى، تجديداً يستمد جذوره، فضلاً عن أدلته، من الإسلام ذاته، فهو بنية حية تتنادى بالتجديد، ومن الأحاديث المشهورة للهادى البشير عليه الصلاة والسلام: «إن الله ليبعث إلى هذه الأمة على رأس كل مائة سنة إماماً يجدد دينها»، أو «فى دينها» فى بعض الروايات، وقد تناولت ذلك كله فى المقال وأحيل إليه، كما تناولته أكثر تفصيلاً فى كتابى «تجديد الفكر والخطاب الدينى» الصادر عن دار الشروق منذ نحو عامين.
من خلال علاقتكم الطيبة مع فضيلة الإمام الأكبر، هل يمكننا القول بأن فضيلته «مجدد» وفق رؤيتك للتجديد فى الفكر والخطاب الدينى؟
– طبعاً.. إن الدكتور الطيب ليس مجدداً فقط، وإنما هو فى مقدمة المجددين فى الوقت الراهن، بل هو إمام التجديد، ودور فضيلة الإمام الأكبر بارز حاضر، أراه جمعه فى ثقافة العقل وثقافة النقل، ونظره العميق إلى الأصول والثوابت، وإلى المتغيرات، ونظره الثاقب فى التراث للتمييز بين ثمينه الذى تقدمت به الأمة الإسلامية عبر القرون، والغث الذى لا يعبر عن الإسلام وأقرب إلى الملصقات التى تلتصق بالأديان بحكم العادات والممارسات وهى ليست منه. ويحسب للإمام الطيب أنه أحصى فى دراساته ومحاضراته القيمة عوامل ما صادفه التجديد من أزمات حالت بينه وبين القيام بدوره، منها عدم التفرقة عمليّاً بين الثوابت والمتغيرات، بينما الإسلام يشتمل على الثوابت الخالدة، وعلى متغيرات متحركة، واتخذ من كل منهما موقفاً نابعاً عما يقتضيه. وثوابت الدين التى لا تقبل التغيير، ولا يرد عليها تجديد، هى العقيدة، وأركان الإسلام الخمسة، وكل ما ثبت بدليل قطعى من المحرّمات، وأمهات الأخلاق، وما يثبت بطرق قطعية فى شئون الأسرة من زواج وطلاق وميراث، ومن الحدود والقصاص. أما المتغيرات، فهى «كل ما يتعلق بجزئيات الأحكام وفروعها العملية»، وأمثلتها عديدة لا تقع تحت حصر. ولا شك فيما أورد أن هذه الثنائية بين الثوابت والمتغيرات فى رسالة الإسلام، تكشف عن جانب من أهم جوانب إعجاز هذه الرسالة. وجدير بالذكر فيما أبدى أن المتغيرات تتسع بطبيعتها لتطبيقات عدة وصيغ مختلفة، كلها مشروع ما دام يحقق مصلحة معتبرة فى موازين الإسلام، ولا يصادر مقصداً من مقاصده. وما دام الإطار شرعيّاً، فلا بأس من أن يتسع المضمون بصيغه لما يواكب هذه المقاصد الشرعية، ولا محل من ثم لافتعال التعلات للاقتصار على صيغ أو أشكال معينة، أو تجاوز فقه الأولويات، أو الاضطراب فى فهم مقصد الشارع فى هذه المسألة أو تلك. هذا والبعض يخلط بين الثابت والمتغير، وترتب على ذلك آفة الخلط بين ما يعد تشريعاً عامّاً وما لا يعد كذلك، وقد فصل الفقهاء الثقات فى هذه المسألة، وميزوا بين الحكم المراد به الاستمرار، وبين الحكم الظرفى أو الوقتى تبعاً لظرف معين أو وقت معين، ومن هؤلاء، فيما أشار الدكتور الطيب، الشيخ محمد مصطفى شلبى فى كتابه الضافى «تعليل الأحكام»، والإمام الأكبر الشيخ محمود شلتوت فى كتابه «الإسلام عقيدة وشريعة»، وفيما أبداه ونقله الأستاذ الدكتور عبدالحميد متولى فى كتابه «أزمة الفكر السياسى»، وأيضاً فى كتابه «مبادئ الحكم فى الإسلام»، ولعلى أضيف ما كتبه فضيلة الشيخ الدكتور محمد عبدالله دراز فى أكثر من مؤلف من مؤلفاته، والبحث العميق الذى كتبه أستاذنا الشيخ عبدالوهاب خلاف بعنوان «مرونة مصادر التشريع الإسلامى» المنشور بمجلة «القانون والاقتصاد» التى تصدر عن كلية الحقوق جامعة القاهرة عدد أبريل – مايو 1945، ويتصل بذلك ما كتبه فى الاجتهاد الشيخ عبدالمنعم النمر، وأستاذنا الجليل الدكتور محمد سيد طنطاوى، الإمام الأكبر السابق.
ومن سوء الفهم، ومن أزمات التجديد، عدم التفرقة بين الشريعة وبين الفقه، فالشريعة هى الدين الذى أنزله الله تعالى، والفقه فهم بشرى واجتهادات بشرية، ولذلك فإنه لا يصح فى البداهة إنزال الفهم البشرى منزلة الشريعة، واعتبار شروح وآراء العلماء هى هى الشريعة أو من الشريعة، وإضفاء عصمة لها كعصمة النص القرآنى أو النبوى، فذلك خلط وتخليط، لأن استنباطات العلماء من فقهاء وأصوليين ومفسّرين ومحدثين ومتكلمين، هى «معارف بشرية» يُؤخذ منها ويُترك، ولا يعنى هذا، فيما أبدى الدكتور الطيب، أن ندير ظهورنا لتراثنا الفقهى، أو نقلل من أقدار علمائنا وفقهائنا، وإنما معناه أننا لا نخلط بين الدين وبين ما هو بشرى يختلف باختلاف العقول والأفهام التى تصدت له، فنقبل الصحيح الجدير بالقبول، ونرفض أو نعرض عما أخطأه التوفيق والسداد، وهذا الذى نُعرض عنه من الفهم البشرى، ليس إعراضاً عن الشريعة والدين الذى أنزله الله تعالى. وجدير بالذكر، فيما أبدى فضيلة الدكتور الطيب، أن الخلط بين الفقه والشريعة قد أدى إلى الوقوع فى «التقليد» واتخاذه منهجاً ثابتاً فى البحث عن حلول لمشكلاتنا المعاصرة، والتقليد آفة تصادر إذا تجذَّرت على العقل وعلى الفكر وعلى أجيال من العلماء والفقهاء، ربما أتاح لهم الزمن ومعطيات الحضارة وتوافر المكتبات، وتصنيف وفَهْرَسة الكتب، ما كان متعذراً ليس فى متناول السابقين من العلماء فى الزمن الغابر أو الماضى.
الحديث عن التجديد فى الفكر والخطاب الدينى لا ينضب أبداً، فسمعنا أصواتاً من مثقفين وكتّاب تنادى بالتجديد من جانب الأزهر فقط، رغم ما يقوم به.. فهل هذا منصف؟
– كثيرٌ من المتحدثين فى التجديد غير ملمّين بقضاياه وبحدوده وبما يستلزمه، ويتوهم بعضهم أن التجديد تغيير فى متون وثوابت الدين، وهذا خطأ فادح، ويحسب البعض أن التجديد مسئولية الأزهر بمفرده بمعزل عن المجتمع وروافده وتأثيراتها. لا جدال فى أهمية دور الأزهر فى التجديد فى الدين، ولكن هناك روافد عديدة ينبغى التجديد فيها حتى تحدث جهود الأزهر أثرها. لا ينبغى إذاً أن ينحصر التجديد فى الخطاب، بل إن التجديد واجب فى الفهم والتطبيق قبل الخطاب، ولا ينبغى كذلك أن ينحصر التجديد فى الخطاب الدينى، فالتجديد واجب فى الفهم وفى الخطاب الدينى، وهذا التجديد فى الفهم والخطاب لا يقتصر على الإسلام، بل إن تجديد الفهم والخطاب واجب فى كل دين.. فى الإسلام، وفى المسيحية، وفى اليهودية. والمطلوب الواجب هو التجديد فى الفهم والخطاب فى كل الفروع، لا فى الدين وحده. مطلوب تجديد الفهم والخطاب التعليمى، والثقافى، والإعلامى، والتربوى، والبيئى، والقانونى، وفى كل فرع من الفروع له تأثير فى بناء الإنسان وفى قيمه وأخلاقه وسلوكه. وعلى رأس الفروع الواجب تجديد الفهم والخطاب فيها؛ المجال التعليمى والتربوى، والمجال التربوى يطول ويتفرع الحديث فيه، لأنه فى الواقع يشمل المجتمع بأسره، فى الأسرة وفى المدرسة والمعهد، وفى الورشة والمصنع، وفى الريف والحقل والبستان، وفى كل مجال يأخذ النشء قيمه فيه من التربية والتنشئة التى ينهض عليها الأب والأم والإخوة والأخوات الأكبر فى الأسرة، والمدرس فى المدرسة، والمعلم فى الورشة وفى المصنع، والكبير فى الريف وفى المزرعة وفى الحقل، فإذا كان فاقد الشىء لا يعطيه، فإن سواء هذه المنظومة يتطلب البدء فوراً لتعويض ما فات فى زرع القيم السوية والنبيلة فى وجدان الآباء عموماً المسئولين الآن عن التنشئة والتربية، وزراعة وتكريس القيم والسلوكيات السوية فى الأجيال المتتابعة.. أريد أن أسترعى الأنظار، والأفهام أيضاً، إلى أن قضية «التجديد» قضية عامة ومجتمعية، يجب أن يحتشد لها المجتمع بأسره، وأن يدلى كلٌ فى تخصصه بما يقدر عليه ويستطيعه للإسهام بفهم ووعى فى تيار التجديد، فهذا التجديد يصدق عليه ما يصدق على الأوانى المستطرقة، كل ميدان من ميادينه يؤثر فى الميادين الأخرى، ويتأثر بها. وعلى ذلك فليس منصفاً إلقاء التبعة على الأزهر وحده، بل ينبغى أن يسهم فى ذلك المجتمع عبر كافة روافده، كلٌ فى تخصصه، كيما تتضافر الجهود لدعم تأثير الأزهر فى الدور العريض القائم به.
لماذا لم يظهر الحديث عن التجديد إلا خلال السنوات الأخيرة، رغم جهود الأزهر السابقة فى التجديد منذ أكثر من قرن؟
– السبب أن النوايا ليست كلها خالصة، كثيرون يتعمدون إثارة البلبلة وافتعال المواقف لأغراض ومآرب تستغل الحديث عن التجديد لأهداف ملبوسة، منها ضرب الأزهر الشريف والنكاية بعلمائه، ومنها مَن يستهدفون ابتداع دين آخر تحت شعار التجديد!!!.
الحديث عن التجديد فى الخطاب الدينى فقط، لماذا لا يكون هناك تجديد فى الخطاب الثقافى، رغم أنه أساسى فى ملف التجديد؟
– السبب أن المسئولين عن تجديد الثقافة والفكر والخطاب الثقافى مشغولون بقضايا أخرى ويلقون بكل التبعات على الأزهر ويتهربون من مسئولياتهم، ويكفى أن تراجع حالة المسرح والسينما، والفنون بعامة، لترى أن المسئولين عن الثقافة منشغلون عنها وتركوا واجباتهم فيها ليلقوا باللاءمة على الأزهر، ويصرفوا الأنظار عن انسلاتهم من الدور الموكل إليهم إزاء الثقافة وميادينها وخطابها.
الأزهر الشريف بمؤسساته وعلمائه ومناهجه التعليمية قطع شوطاً كبيراً فى ملف التجديد، كيف ترى هذا؟
– نعم الأزهر قطع شوطاً كبيراً لا يدركه إلاَّ المطّلعون، أما الجهل فيدفع كثيرين للتطاول على ما لا يعرفون.. عرفت من متابعاتى أن كثيرين ممن يتحدثون عن مناهج الأزهر لم يقرأوا كتاباً من كتبه ولا علماً من علومه.
كثر الهجوم على التراث الإسلامى، وأبرز المهاجمين ينتمون لطبقة المثقفين والمفكرين، لماذا هذه الطبقة تحديداً تهاجم التراث؟ وهل أخطأ الأزهر فى دفاعه عن التراث؟
– يصدق عليهم مقالة الإمام الشافعى: نعيب زماننا والعيب فينا.. وما لزماننا عيب سوانا.
وثيقة «الأخوة الإنسانية» التى وقّعها شيخ الأزهر مع بابا الفاتيكان، هل تراها هى الخلاص لكل ما يعانى منه العالم من أزمات؟
– لا شك أن الوثيقة إنجاز رائع، وتحل كثيراً من الأزمات، إلاَّ أنه يجب أن يتكاتف المجتمع الدولى على مبادئها لتعطى ثمارها.
كيف ترى جهود الدولة فى تحدى فيروس «كورونا»؟
– يقتضى الإنصاف أن نحمد للدولة وكافة هيئاتها وسلطاتها وأجهزتها الدور الحميد الذى تقوم به لمحاصرة الوباء ومنع انتشاره، ومما أفلحت فيه إقناع المواطنين بجدوى تجنب حالات الازدحام والاحتكاك، والتزام كل مواطن بمقره أو بإقامته.. فذلك يغلق أبواب انتشار الفيروس الذى لا ينتشر ولا تنتقل عدواه إلاَّ بالاحتكاك والتلامس والرذاذ، وهو ما ينقطع دابره تماماً بالتزام هذه التعليمات الرشيدة.
فى رأيكم لماذا تنشط الشائعات فى مصر؟ وهل يكفى فقط الرد عليها من قبَل الحكومة، أم لا بد من إجراءات أخرى؟
– لا يوجد سبب وحيد لانتشار الشائعات، فمنها ما يتم تحريكه عمداً لأغراض ومآرب لا ترعوى عن الإضرار بمصر وشعبها، ومنها ما يتم تحريكه أو انتشاره عن جهالة، ولا شك أن نضوب المعلومات أو التقاعس عن بث المعلومات الصحيحة إلى الناس يخلق أرضاً خصبة للشائعات. وإليك المثل، فحين شُرح للناس أن التجمع فى المساجد والكنائس يؤدى إلى نشر العدوى، التزم الجميع بأداء الصلوات فى بيوتهم.. وأعتقد أنه يجب المساءلة بحزم وشدة عن الشائعات والأخبار الكاذبة التى تبث عمداً لأغراض ملبوسة تضر بمصر ضرراً بالغاً.
يقال إن العالم يمر بمرحلة حاسمة بسبب الفيروس، فهل يمكن القول إن العالم سيتشكل من جديد بعد هذه الأزمة؟
– لا شك أن شكل العالم سوف يتغير، أما شكل هذا العالم وعلامَ سوف يكون، فدعنا ننتظر؛ فكل التداعيات لم تظهر بعد، وإن كان الواضح أن الأزمة أعادت كثيرين إلى رحاب الله.
الرهان اليوم على الدول التى وقفت صامدة أمام هذا الفيروس، فهل ترى أن مصر واحدة من هذه الدول؟
– أجل مصر صامدة، ولعلك تأذن لى فى أن أبدى أن الحجر الصحى والتزام مقتضياته له أصوله القديمة فى الإسلام. فقد اتفق الرواة على أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب سار من المدينة إلى الشام فى السنة السابعة عشرة للهجرة، وخرج معه المهاجرون والأنصار، وأوعب معه الناس، فلما بلغ سَرْغ، وهى على مقربة من تبوك، لقيه أمراء الأجناد: أبوعبيدة بن الجراح، ويزيد بن أبى سفيان، وشرحبيل بن حسنة، فأخبروه أن الأرض سقيمة، فقد بدأ الطاعون يطل بخطره، ويهدد بوباء غامت سحبه. فجمع عمر إليه المهاجرين والأنصار، وشاورهم فيما تناهى إليه عن بداية انتشار الطاعون بالشام، هل يتمون مسيرهم إلى الشام، أم يعودون أدراجهم.. فمنهم من قال: إنما خرجت لوجه نريد فيه الله وما عنده، ولا نرى أن يصدك عنه بلاء عُرض لك. ومنهم من قال: إنه لبلاء وفناء ما نرى أن تقدم عليه. فلما طال الخلاف، قال: قوموا عنى، ثم جمع مهاجرة الفتح من قريش، فاستشارهم فلم يختلف عليه منهم اثنان، واتفقوا على أن يرجع بالناس، فإنه بلاء وهلاك وفناء.
فنادى عمر على ابن عباس، وطلب إليه أن ينادى فى الناس فيقول لهم على لسانه: «إن أمير المؤمنين يقول لكم إنى مُصبح على ظهَرْ، فأصبحوا عليه» فلما أصبح عمر على ظهَرْ، وأصبح الناس عليه، قال وقد اجتمع الناس إليه: «أيها الناس؛ إنى راجع فارجعوا». ولكن أبا عبيدة بن الجراح قال لعمر معاتباً: «أفراراً من قدر الله؟!»، فرد عمر عتابه بعتاب، فقال له وكان أثيراً لديه: «لو كان غيرك يقولها يا أبا عبيدة؟! نعم فرارٌ من قدر الله إلى قدر الله! أرأيت لو أن رجلاً هبط وادياً له عدوتان: إحداهما خصبة والأخرى جَدْبة، أليس يرعى من رعى الجَدْبة بقدر الله، ويرعى من رعى الخصبة بقدر الله!» ثم استأنف يقول له: «لو غيرك يقول هذا يا أبا عبيدة». وانتحى عمر بأبى عبيدة جانباً بناحية دون الناس، وإذ هما يتناجيان، والناس يترقبون مناجاة الصاحبين، قدم عبدالرحمن بن عوف، وكان متخلفاً عن الناس فلم يشهدهم بأمس، فلما أُخْبر الخبر، قال لأمير المؤمنين: عندى من هذا علم، فقال له عمر: «أنت عندنا أمين مصدق، فماذا عندك؟» قال عبدالرحمن: سمعت رسول الله يقول: «إذا سمعتم بهذا الوباء ببلد فلا تقدموا عليه، وإذا وقع وأنتم به فلا تخرجوا منه»؛ فقال عمر: فلله الحمد! انصرفوا أيها الناس، فانصرف بهم، ورجع أمراء الأجناد إلى أعمالهم.
المشروع الفكرى والحضارى الذى تحدثت عنه كثيراً فى أعمالك الأدبية والفكرية، هل يمكن القول إن الوقت حان لتحقيقه؟
– مشروعى الفكرى والحضارى نابع بأكمله من الرغبة فى إعلاء قيم العقل، وبث الفهم والاستنارة فى الدين، ومعالجة الآفات الاجتماعية التى تشوش على هذه المقاصد. وقد حاولت جهدى أن أستهدف فيما كتبته هذه الغايات.
كتاباتك جميعها تتعلق بالحضارة العربية كمحور أساسى، ما الرسالة التى تريد إيصالها للمجتمع؟
– كتبت كثيراً فى العقل والتفكير فى الإسلام وكونهما فريضة فيه، وكتبت فى عالمية الإسلام وتجديد الفكر والخطاب الدينى، وحذرت من الجنوح الدخيل على الدين فى كتاب «الإسلام يا ناس»، وغيره.. وأتبنى كل هذه القضايا فى برنامجى نصف الأسبوعى «مع الله»، الذى يذاع بإذاعة صوت العرب، وأحسب أن «فصول من السيرة النبوية فى رحاب التنزيل»، وهو كتاب من ستة مجلدات، وكتاب «من هدى النبوة.. الأنصار أنشودة العطاء والإيثار»، يبسطان الإسلام بقيمه ومبادئه العليا بعيداً عن الملصقات التى ليست من الدين، وإلى جوارهما كتاب «الإسلام والعلم والحضارة»، وكتاب «من فيوض الإسلام»، وغيرها. أما الجانب الفكرى والوطنى والاجتماعى فهو قاسم مشترك فى جل مقالاتى ومؤلفاتى، وما زلت رغم المائة والخمسة كتب التى أصدرتها ما زلت أطمع فى تأليف المزيد لاستكمال مشروعى الفكرى الحضارى؛ فهو عندى غاية وأسلوب حياة.