المستقبل والأحلام
من تراب الطريق (1065)
المستقبل والأحلام
نشر بجريدة المال الاثنين 22/3/2021
بقلم: الأستاذ/ رجائي عطية نقيب المحامين
ليس كل المستقبل الآمن أحلامًا أو مجرد أحلام، بل توجد له بالفعل إرهاصات وبدايات في معظم البلاد المتطورة، وامتدت منها تباشير إلى بلاد العالم الثالث.. وهذا الالتفات الجاد لها والتكاتف لنصرتها واجب قبل فوات الأوان وقبل أن يفاجأ عالم الإنسان بأجمعه بنكبات لم تخطر له ببال !
ثم إن التأمل الهادئ في نوايانا وأفكارنا المخالفة وغير المستحبة وغير الكريمة التي تعزوها كثرتنا إلى قوى شيطانية، يكشف عن أنها تجئ وتذهب ثم تجئ وتذهب باستمرار في نطاق التعلق بالآمال ومقاومة المخاوف، مع تجاهل تام للواقع الحاصل بالفعل.. إذ هي لا تكف عن نشدان راحة معينة مفقودة عز على النفس فقدها أو تصور فقدها وعن تصور وسيلة أو أكثر لتفادى خطر وقع بالفعل أيضًا لا سبيل لرفعه للتخلص من نتائجه وآثاره علينا . أو يتصور إمكان وقوعه وهو لم يقع ولا يمكن أن يقع إلاّ في خيالنا الذى يشغل بالنا بالوسائل التي يداولها خاطرنا لتفادى وقوع الخطر الذى ليس له أساس .
ومسلكنا هذا غير المعقول يبدو أنه ثمرة اعتيادنا على الخضوع للاعتياد في الغالب الأغلب من أنشطة حياتنا.. فهو نتيجة هامشية للاعتياد أي لذلك الناموس الكوني الذي لا غنى عنه لبقائنا.. وهي نتيجة يمكن أن ينتج عنها صور شتى من حالات الاكتئاب التي تبلغ أحيانا درجة الخطورة !.. ونحن حين نثور على أي عارض يقطع اعتيادنا على صلة أو علاقة أو سلوك مما نتمسك نحن به، نتجاهل أننا فقط نتباكى على اعتيادنا على الخضوع لاعتياد مع تلك الصلة أو العلاقة أو السلوك ليس إلا !!.. وعلى ما كنا ننتظره منها في ظروفنا الحالية !!
وإذا فطن الآدميون إلى الهامشية المليئة بالمخاطر التي تخالط صلاتهم وعلاقاتهم وسلوكياتهم أمكنهم أن يتفادوا متاعب صحية وبدنية ونفسية عديدة، وزاد ذلك في يسر ونجاح ودوام صلاتهم بمن يعيشون معهم من أهل أو معارف أو عملاء.. وهذا يستلزم أن نراجع من وقت إلى آخر فهمنا لمعاني القرابات والصداقات والجوار والتعامل، بمزيد من الفهم والفطنة والإنصاف.. وأن نعيد النظر كلما امتدت حياتنا، في طريقة فهمنا المحدودة لخضوعنا لناموس الحياة والموت.. سواء من جهة تقاليدنا الموروثة أو عرفنا العام الآن أو فكر الفرد الشخصي الذي حصله من بيئته وتعليمه وخبراته.. وهذه وصايا يبدو أنها ضرورية للحد من الاختلاط الهائل العشوائي والمحاكاة السخيفة السائدين حاليا في مجتمعاتنا من أدناها إلى أعلاها !
إننا بلا مبالغة نخوض متاهات ما حيينا.. وفطنة الفطن تباهي باختصار تيقنه من هذا الواقع ومداومته الالتفات إليه.. وهذا يصونه من المبالغة في الأمل واليأس ومن الغرور والاندفاع والتأكيد الطويل الأجل لأشياء وأحوال ليس له عليها سلطان حقيقي ومن هذه الأشياء نفسه أو ذاته هو !
وتلك المتاهات بارز فيها مالا تخطئه عين المتأمل من تعاقب الظهور والاختفاء وتوالى وجود الصور والأشكال والتراكيب وزوالها وديمومة مجيء الأحداث وذهابها.. وذلك لا يدركه في دنيانا إلاّ وعى الآدمي وعقله.. وهما لا يتعاليان على التعاقب والتوالي وديمومة المجيء والذهاب إلا لدى الحمقى والأغرار أو في نوبات الحمق والغرور التي تعصف أحيانا بعقولنا وتترك بعدها الأسى والأسف.. ولكن تلك المتاهات حتى عند من يفطن إليها ويداخله التحير والشعور بالعجز قبلها، لا تزهدنا قط في الحياة ولا تعوق بصفة عامة شدة تعلقنا بها أو انتشاءنا بالشعور والإحساس بأننا أحياء.. ولا تقلل من حرصنا على الاستمتاع بأن نكون موجودين ومدركين قادرين على تذوق حلو هذه الحياة ومرها.. وكلنا يعلم أن الاكتئاب المستمر خلل ومرض في الإنسان لأن الصحة والاستبشار هما الأصل في الحياة التي هي بالأصالة نشاط وعمل وترحيب بالنشاط والعمل لتحقيق أغراض نافعة للحىّ وأغراض كونية للخالق جلّ وعلا.. قد نعى بعضها ولا نعى البعض الآخر وهو الأهم بالتأكيد .