المحاماة مدارس

بقلم: أشرف الزهوي المحامي

افاض علينا معالي النقيب في مقاله المحاماة أدب، بالذكرى العطرة لعمالقة المحاماة الذين سطروا اسمائهم في التاريخ بأحرف من نور أمثال الزعيم سعد زغلول، وعبد الرحمن الرافعي، وتوفيق الحكيم ومحمد حسين هيكل وغيرهم.

وقد قام المرحوم / محمد شوكت التوني المحامي في كتابه – المحاماة فن رفيع – بتقسيم هؤلاء العظماء إلى مدارس؛ ضم في المدرسة الأولى، سعد زغلول والهلباوي واللقاني وابو شادي وأشار إلى أن هذه المدرسة، تمثل فصاحة اللسان، وقوة المنطق، وشدة المعارضة وقوة الجدل مع الشخصية الطبيعية الجبارة.
كان سعد زغلول خطيبا سياسيا، لكنه كان محاميا حتى في السياسة، دائما يترافع في قضية محددة يعد لها الأصول والفروع ويناقشها مناقشة الحق في ذاته ومجادلة أدلة الخصوم في عبارات قوية تنطلق حينا في قوة أمواج المحيط وحينا تنساب في رقة ماء الجدول العذب الرقراق. ويذكر ابو شادي وهو ينصت إليه كطالب، فيقول انه كان ممن تستحب الآذان الإنصات لهم.

أما المدرسة الثانية فكانت تضم عبد الرحمن الرافعي وأحمد لطفي ومرقس حنا وأحمد عبد اللطيف وتوفيق دوس وتلك المدرسة كانت تمثل العلم والفن واللغة والأدب في أوج مجدها وعظمتها. كان الواحد منهم يقف كالمارد ثابت القدم، هادئ الأعصاب، خفيض الصوت، يترافع كأنه يحاضر ويتحدث عن العلم في سهولة وانسياب، وفي لغة جميلة قوية، لا تلعثم ولا تلجلج، لأنه استعد لمرافعته فدرس قضيته وحضر عناصرها، وأكمل العدة لها، وترى القضاة منصتين لهم، مقدرين تفوقهم وامتيازهم وكفايتهم، وكأن الباطل أبعد مايكون عن مرافعتهم
أما المدرسة الثالثة، فاصحابها كانوا يمثلون قوة البحث وقوة الاحتمال والجلد والصبر، ويدرسون قضاياهم بأمانة، ويعدونها كأنها رسائل علمية لإمتحان الدكتوراة، ويترافعون بأمانة ودقة، ولكن بعيدا عن الأسلوب الخطابي، وهم كاتبون أكثر منهم مترافعون. ومنهم أحمد رأفت، عزيز خانكي، عبدالكريم رؤوف، نجيب برادة، أحمد الديواني، عازر جبران. وهؤلاء وباقي المنتمين لهذه المدرسة لمعوا واشتهروا بحق وتقدموا الصفوف رغم أنهم لم يكونوا في القمة من الناحية الخطابية
وينهي المرحوم شوكت التوني هذا التصنيف بما أسماها، المدرسة الظريفة والتي تضم إبراهيم الهلباوى، وعباس شريف وزهير صبري ومحمد لطفي جمعة وفكري أباظة والشيخ حسن عبد القادر، وهؤلاء النوابغ، لم يكونوا مهرجين، ولا عابثين، ولكنهم كانو محامين جادين، في القمة من فنهم. كانوا ظرفاء بطبعهم، بسليقتهم، وكانت النكتة تسيل في حديثهم كالعسل الرائق فتبدد كآبة الجلسة، وتخفف حدة الأعصاب لدى المحامين، ورجال القضاء، فإذا كانوا في غرف المحامين تحلق حولهم الزملاء، واستمتعوا بالنكات والمساجلات التي تسهم بالخلود في عالم النكتة المصرية، ذلك في غير سخرية مقذعة ولا فحش ولاتبذل.

ومما لا شك فيه أن كل محام ينتمي بفكره وقدراته وعلمه ومواهبه ورؤيته إلى واحدة من هذه المدارس، فإلى اي مدرسة تنتمي أيها الزميل الفاضل؟

 

زر الذهاب إلى الأعلى