الماشون نيامًا !
الماشون نيامًا !
نشر بجريدة الوطن الجمعة 27/8/2021
بقلم: الأستاذ/ رجائي عطية نقيب المحامين
وقعت في أرشيفي على مخطوطة ترجمة ترجع إلى أكثر من ثلاثين عاما، لخاتمة كتاب:
« الماشون وهـم نائمون » أو « الماشون نياماً » « Sleep walkers »، وهو واحد من أروع كتب الكاتب المجرى الإنجليزى « آرثر كوستلر »Arthur Koestler .. كتبه عن تاريخ تغير فكرة الإنسان عن الكون: A History Of Man,s changing vision Of The Univers
وصدرت أولى طبعاته سنة 1959، وأعيد نشره عدة مرات. وأعادت نشره دار بنجوين الشهيرة مرتين في سنة 1964 ثم في سنة 1968، ثم عـادت بنجوين أركانا إلى نشره للمرة الثالثة سنة 1989.
وآرثر كوستلر كاتب ذائع الصيت، عمل مراسلا حربيا، وخاض حياة مليئة بالأحداث والمغامرات، بالإسهام وبالأفعال والكتابات.. ولد في بودابست بالمجر سنة 1905 وتوفي 1983، درس في جامعة فيينا بالنمسا قبل أن ينخرط في الصحافة ـ وعمل كمراسل أجنبي متنقل ما بين الشرق الأوسط وباريس وموسكو. وفي سنة 1937 أثناء تغطيته لأخبار الحرب الأهلية الإسبانية لمجلة نيوز كرونيكل ـ وقع في أسر قوات الجنرال فرانكو، وعاش فترة في السجن انتظاراً لإرساله للموت، ثم أطلق سراحه بتدخل من الحكومة البريطانية، وعاد إلى لندن حيث استمر في الحياة فيها منذ عام 1941، وكتب عن الحرب الأهلية الإسبانية، ومن مؤلفاته: « الوصية الإسبانية » ( 1937 )، وفي أثناء الحرب خدم في الفيلق الفرنسي الخارجي، وخدم في الجيش الإنجليزي، وفي سنة 1945 اشتغل مراسلا خاصا لجريدة التايمز في فلسطين. وطوال السنوات العشر بين سنتي 1940، و 1950 صار ربما أكثر كتاب الروايات السياسية انتشارا. واعتبرت روايته « ظلام في القمر » Darkness at moonدرته الكبرى، ونشرت في عام 1940، أتبعها برواية
« الوصول والرحيل » (1943)، ومن مؤلفاته: « محاورة مع الموت » (1942)، و « المصارع» (1939)، و « حثالة الأرض » (1941)، و « ظلام في الظهيرة » (1941)، و « اللصوص والليل » (1946)، وكتب: « الاستبصار والنظرة العامة » ـــ بحث في الأسس المشتركة للعلم والفن والأخلاق الاجتماعية (1949 )، ثم « عمر الشوق ( أو الرغبة ) » «The age of longing » (1951 ) ثم «The call Girls » ( 1972 ).
ومنذ سنة 1956 بدأ غوصه في مسائل العلم والتصوف، وصارت له شعبية كبيرة بين الشباب، وفي إيضاح اهتماماته المتنوعة، كتب أنه صنع رواياته من خلال معاركه مع الأحوال الإنسانية، وأن كتبه سعت إلى تحليل هذه الأحوال والظروف في صياغة علمية، وأن الإعلام كان له أثر بالغ في انتشاره، وأنه على أية حال كان يمكن ـ بدون الإعـلام ـ ألا يشعر إلاَّ بنصف حياته !
وكتاب الماشون وهم نائمون، أو الماشون نياما The Sleep Walkers الصادر سنة (1959)، هو بداية ثلاثية حول العقل البشرى، أعقبها كتاب « عملية الخلق »Act of creation (1964)، وانتهت بكتابه الثالث: « الشبح في الآلة » The Ghost in the machine (1967 ).
وفاز كوستلر بجائزة جامعة كوبنهاجن سنة 1968، وبكثير من شهادات التكريم، واحتل مكانه كأحد الكتاب المرموقين عالمياً، والمتميزين في الكتابات الأدبية والإنسانية.
والخاتمة أو الختام Epoligue ـ التي عثرت في أرشيفي على مخطوطة ترجمتها، هى كما حدثتك لكتابه « الماشون وهم نائمون » أو « الماشون نياما » ـــ The Sleep Walkers.. وجمعت هذه الخاتمة خلاصة فكره عن تاريخ تغير فكرة الإنسان عن الكون، وقد عَنّ لى عندما عاودت قراءتها بعد هذه السنين، أن أقدمها للهلال الشهرى الذي قدمت له سلفا ترجمة فصول « قد تكون الديانة تجسيدا للعقل » ـ من كتاب سانتايانا الكبير « حياة العقل »The life of Reason، ونُشِرَت على عشرة أشهر ثم صدرت في كتاب الهلال نوفمبر 2009، وانتويت أن أقترحها على الأستاذ عادل عبد الصمد رئيس التحرير القدير لمجموعة كتاب وروايات ومجلة الهلال، لتنشر بالهلال الشهري بعد انتهاء نشر المقالات السبعة المترجمة الجاري نشرها الآن عن كتاب العالم الإنجليزي آرثر ستانلى إدينجتون: « الواقع أو الحقيقة » ــــ Reality .
وأزمعت توطئة لهذه الفكرة، أن أعاود النظر في الترجمة على الأصل الإنجليزي، ولكنى للأسف لم أعثر على الكتاب في مكتبتي، ولعله فقد أثناء تنقلاتي المتكررة، أو باستعارة لم تُرد كما جرى معظم الناس حتى أقلعت تماما عن إعارة أي كتاب، مهما كانت الصداقة أو الثقة، لأن الشائع في الغالب الأعم أن عدم رد الكتاب يدخل في المباحات غـير المحظورة، سيما بين الأقارب والأصدقاء.
حاولت أن أعثر على نسخة من الكتاب The Sleep Walkers في مكتبات القاهرة التي أخذت في الانقراض لتحل محلها متاجر الأحذية التي تكاثرت تكاثرا لا يتفق مع معدلات البيع مما يستلفت النظر ويثير علامات استفهام قد يجب البحث لها عن جواب أو تفسير ! المهم أنني لم أعثر على الكتاب بالقاهرة، فيممت بمساعدة ابنتى وبعض زملائي بالمكتب شطـر شبكة الإنترنت، فوجدت موادًا كثيرة منشورة عن المؤلف آرثر كوستلر، وعن مؤلفاته المتنوعة، وعن كتابه The Sleep Walkers ــــ فيما عدا مادة هذا الكتاب، فلابد للحصول عليها من أن أشترى الكتاب، من دار بنجوين أركانا في لندن، وبالجنيه الاسترليني، وإلاّ فلا سبيل للمراجعة النهائية التي أرجو بها تحقيق مخطوطة الترجمة القديمة قبل أن أبعث بها إلى مجلة الهلال الشهري وقد فعلت.
كان لا بد مما ليس منه بد، الكتاب سعره بالجنيه الإسترليني 16.99 U.k كنظام « باتا » زمان. السعر إذن 17جنيها إسترلينيا، تكلف بحسبة بسيطة قرابة 160 جنيها مصريا، كان علىّ أن أرسلها ـ بالاسترليني ـ إلى دار بنجوين. وقد كان. واستعوضت الله في المائة وستين جنيها ضريبةً واجبة لضبط وتدقيق الترجمة. فلما وصل الكتاب، رزئت بأكثر من مائة جنيه أخرى ما بين سعر الشحن والضريبة الجمركية التي تأبى مصلحة الجمارك إلاّ أن تفرضها على الكتاب. هل هذا معقول في زمن نتنادى فيه بوجوب العودة إلى الثقافة وإنارة العقول ؟!
كنت قد كتبت لك من عدة شهور مستجيرا مـن ارتفاع أسعار الكتب ـ مع تناقص المكتبات في مصر المحروسة، فجاءنى درس عبر البحار: « ألا فهوّن عليك » ها هو كتاب من بلاد الإنجليز كَبَّدك قرابة (270) جنيها مصريا، فاحمد ربك على أسعار الكتب في مصر !!!
حمدت ربى، وراودنى الأمل وأنا ألتهم صفحات الكتاب، أن أترجمه كاملا لأهمية وتميز موضوعه، فوجدت عدد صفحاته قد بلغ بالإنجليزية (623) صفحة، تحتاج إلى وقت وجهد كبيرين لم يعد في الوسع توفيرهما بين أعباء المحاماة والمقالات والكتابات شبه اليومية، فارتددت قانعا بختام أو خاتمة الكتاب، الواقعة في نحو (90) صفحة، معزيا نفسى بأن بها خلاصة وعصارة
ما في هذا الكتاب الذي أرجو أن يتصدى لترجمته أحد مترجمينا الكبار، يشفع لــرجائي أن به ما يستحق أن ينقل إلى قراء العربية !