المادة (105) من مشروع قانون الإجراءات الجنائية.. ما لها وما عليها!

بقلم: الدكتور/ محمد شعبان المحامي

منذ اللحظة التي أعيد فيها مشروع قانون الإجراءات الجنائية إلى مجلس النواب بعد الاعتراض عليه من رئيس الجمهورية، دارت معركة حامية الوطيس حول التعديل المقترح للمادة (105) من مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد والتي كانت من ضمن المواد المعترض عليها من رئيس الجمهورية.

وكانت عبارات نص المادة (105) من مشروع القانون الجديد -المعترض عليها من رئيس الجمهورية- قد جرى إقرارها من مجلس النواب على الصياغة التالية: “لا يجوز لعضو النيابة العامة أن يستجوب المتهم أو يواجهه بغيره من المتهمين أو الشهود إلا في حضور محاميه، فإن لم يكن له محام، أو لم يحضر محاميه بعد دعوته، وجب على المحقق من تلقاء نفسه أن يندب له محامياً. وعلى المتهم أن يقرر اسم محاميه في محضر التحقيق أو في القلم الجنائي للنيابة التي يجرى التحقيق في دائرتها أو للقائم على إدارة المكان المحبوس فيه، كما يجوز لمحاميه أن يتولى هذا التقرير. وللمحامي أن يثبت في المحضر ما يعن له من دفوع أو طلبات أو ملاحظات. ويصدر المحقق بعد التصرف النهائي في التحقيق بناء على طلب المحامي المنتدب أمراً بتقدير أتعابه، وذلك استرشاداً بجدول تقدير الأتعاب الذي يصدر به قرار من وزير العدل بعد أخذ رأي مجلس النقابة العامة للمحامين، وتأخذ هذه الأتعاب حكم الرسوم القضائية”

وقد استندت الرئاسة في اعتراضها على أن هذه المادة -على هذا النحو- لم تحقق التناسق مع حكم الفقرة الثانية من المادة (64) من المشروع ذاته والتي خولت المنتدب صلاحية تفوق المقررة للأصيل؛ أجازت المادة الأخيرة لمأمور الضبط القضائي المنتدب من النيابة العامة للقيام بعمل من أعمال التحقيق استجواب المتهم في الأحوال التي يخشى فيها فوات الوقت متى كان ذلك متصلاً بالعمل المندوب له ولازماً في كشف الحقيقة، دون اشتراط أن يكون استجوابه -في هذه الحالة- في حضور محاميه الموكل أو المنتدب، بينما المادة (105) من مشروع القانون لم تخول النيابة العامة أو قاضي التحقيق هذه الصلاحية لدى استجواب المتهم في ذات الأحوال المشار إليها من أجل عدم إطالة مدة احتجازه دون سماع أقواله التي قد تشير إلى تبرئته أو غيره من الاتهام.

وقد ناقشت اللجنة الخاصة المشكلة من مجلس النواب هذا الاعتراض، واقترحت تعديل صياغة المادة المذكورة ليكون على النحو التالي: “لا يجوز لعضو النيابة العامة أن يستجوب المتهم أو يواجهه بغيره من المتهمين أو الشهود إلا في حضور محاميه، فإن لم يكن له محام، أو لم يحضر محاميه بعد دعوته، وجب على المحقق من تلقاء نفسه أن يندب له محامياً. وعلى المتهم أن يقرر اسم محاميه في محضر التحقيق أو في القلم الجنائي للنيابة التي يجرى التحقيق في دائرتها أو للقائم على إدارة المكان المحبوس فيه، كما يجوز لمحاميه أن يتولى هذا التقرير. وللمحامي أن يثبت في المحضر ما يعن له من دفوع أو طلبات أو ملاحظات. ويصدر المحقق بعد التصرف النهائي في التحقيق بناء على طلب المحامي المنتدب أمراً بتقدير أتعابه، وذلك استرشاداً بجدول تقدير الأتعاب الذي يصدر به قرار من وزير العدل بعد أخذ رأي مجلس النقابة العامة للمحامين، وتأخذ هذه الأتعاب حكم الرسوم القضائية. ويجوز لعضو النيابة العامة في الأحوال التي يخشى فيها فوات الوقت متى كان لازماً في كشف الحقيقة أن يندب محامياً أو أن يطلب من نقابة المحامين الفرعية ندب أحد المحامين لحضور التحقيق على وجه السرعة بالطريقة التي يتفق عليها بين النيابة العامة والنقابة العامة للمحامين، ولعضو النيابة العامة أن يستجوب المتهم إذا لم يحضر المحامي في الموعد المحدد لحين حضوره، ويحق للمحامي الموكل أو المنتدب حضور جلسة التحقيق إذا حضر قبل انتهائها والاطلاع على ما تم من إجراءات التحقيق في غيبته“.

وقد نشبت معركة حامية الوطيس تحت قبة مجلس النواب بخصوص هذه الصياغة الجديدة، دارت حراها فيما بين الحكومة من ناحية، وما بين بعض نواب المعارضة مدعومين من نقابة المحامين وبعض النقابات الأخرى وقطاع واسع من المحامين والحقوقيين والمتخصصين في مجال القانون الجنائي والعدالة الجنائية من ناحية أخرى.

حيث جنحت الحكومة إلى الموافقة على هذا التعديل الجديد بصياغته التي أقل ما توصف بأنها صياغة معيبة، بينما عارض قطاع من النواب ومعهم نقيب المحامين هذه الصياغة، لكونها تناقض المادة (54) من الدستور؛ وهذه المعارضة لتلك الصياغة لها ما يبررها -في تقديري- ونوجز ذلك فيما يلي:

  • أن الصياغة الجديدة جاءت لتفرغ نص المادة من مضمونه، والذي كفلت فقرتها الأولى ضماناً لكل متهم، أياً كانت جريمته، بعدم جواز استجوابه أو مواجهته بغيره من المتهمين أو الشهود، إلا في حضور المحامي الموكل أو المنتدب، فبإجازتها إجراء هذا الاستجواب تحت ذريعة الخشية من فوات الوقت ولزوم كشف الحقيقة، يعتبر تضحية بحق دستوري لا يجوز التضحية به وهو حق المتهم في الدفاع في مرحلة التحقيق الابتدائي.
  • الصياغة الجديدة التي أتت بها اللجنة الخاصة، جاءت على نحو فضفاض ينتقص، بل ويمحو الضمان الدستوري للمتهم، لأنها جعلت ملاك الأمر في تقدير حالة الخشية في يد النيابة العامة وحدها، دون ضابط أو معيار، ودون أن تلزم عضو النيابة بتسبيب قراره بالمضي في استجواب المتهم في غيبة محام، حتى تكون أسبابه التي يعرض فيها لحالة الخشية التي اختلجته وما استقام لديه وقدره بخصوص ما يلزم لكشف الحقيقة، تحت بساط ورقابة محكمة الموضوع ومن بعدها محكمة النقض، باعتبار أن المسألة قانونية وتتعلق بضمان دستوري واجب مراعاته.

وقد دار بشأن هذه الصياغة سجال كبير تحت قبة مجلس النواب، وقد انتهى هذا السجال ووضحت المعركة أوزارها باقتراح قدمه أحد النواب بإعادة صياغة الفقرة المضافة ليكون الأمر بالنسبة لاستثناء جواز استجواب المتهم بدون حضور محاميه قاصر على انتقال النيابة للمتهم في محبسه أو المستشفى حال وجود خشية من وفاة المتهم وحال تعذر حضور المحامي، وهو ما توافقت عليه الحكومة مع النواب، لتصير صياغة المادة (105) التي وافق عليها مجلس النواب على النحو التالي: “لا يجوز لعضو النيابة العامة أن يستجوب المتهم أو يواجهه بغيره من المتهمين أو الشهود إلا في حضور محاميه، فإن لم يكن للمتهم محام، أو لم يحضر محاميه، بعد دعوته، وجب على المحقق من تلقاء نفسه أن يندب له محاميًا وعلى المتهم أن يقرر اسم محاميه في محضر التحقيق في دائرتها أو للقائم على إدارة المكان المحبوس فيه، كما يجوز لمحاميه أن يتولى هذا التقرير. ويجوز لعضو النيابة العامة في الأحوال التي يخشى فيها فوات الوقت متى كان لازمًا في كشف الحقيقة الانتقال لاستجواب المتهم الذي يخشى على حياته، وذلك بعدما يطلب من نقابة المحامين الفرعية ندب أحد المحامين لحضور التحقيق على وجه السرعة بالطريقة التي يتفق عليها بين النيابة العامة والنقابة العامة للمحامين، فإذا لم يحضر المحامي في الموعد المحدد يتم استجواب المتهم، ويحق للمحامي الموكل أو المنتدب حضور جلسة التحقيق إذا حضر قبل انتهائها والاطلاع على ما تم من إجراءات التحقيق في غيبته. وللمحامي أن يثبت في المحضر ما يعن له من دفوع أو طلبات أو ملاحظات، ويصدر المحقق بعد التصرف النهائي بعد التصرف النهائي في التحقيق بناء على طلب المحامي المنتدب أمرًا بتقدير بناء على طلب المحامي المنتدب أمرًا بتقدير أتعابه، وذلك استرشادًا بجدول تقدير الأتعاب الذي يصدر به قرار من وزير العدل بعد أخذ رأى مجلس النقابة العامة للمحامين، وتأخذ هذه الأتعاب حكم الرسوم القضائية”.

وهذه الصياغة النهائية للمادة (105) نرى -من باب الإنصاف- أنها تخفف -كثيراً- من غلواء الصياغة التي كانت مقترحة من اللجنة الخاصة، وتحد من الإطلاق الذي جاءت عليه عباراتها، وتقيد من إطلاق سلطة النيابة العامة الذي خيف معه مظنة العسف والجور على حقوق المتهم، وذلك برد الاستثناء إلى الحد الذي يتفق مع الضرورة الإجرائية الناشئة من حالة الخشية على حياة المتهم التي تبرر المضي في استجوابه، ومع ذلك فلم تجز أن يشرع عضو النيابة في الاستجواب قبل طلب ندب محام لحضور التحقيق إلا لهذه الحالة فقط دون غيرها، وبعد طلب ندب محام لحضور التحقيق، فإذا تم توجيه طلب الندب إلى النقابة الفرعية المختصة، ولم يحضر المحامي في الموعد المحدد، فيصير عضو النيابة إلى استجواب المتهم، مع كفالة الحق للمحامي في الاطلاع على ما تم من إجراءات تحقيق في غيبته.

ولا نجد في هذه الصياغة ما يبرر نقدها أو عدم قبولها، سيما وأنها تأتي على نحو أفضل حالاً من المادة المناظرة لها في القانون الحالي وهي المادة (124) والتي أجازت في فقرتها الأولى المضي في استجواب المتهم دون مراعاة الضمان الدستوري بحضور محاميه، وذلك في حالة التلبس وحالة السرعة بسبب الخوف من ضياع الأدلة وفقاً لما يثبته المحقق في محضر التحقيق، وهذه الصياغة على هذا النحو حرمت الكثير من المتهمين من ضمانة وجود محام قبل الشروع في استجوابه، وهو ما يجعل المادة على ماهي عليه من صياغة مصطدمة اصطداماً واضحاً وصريحاً وفاضحاً، بنص المادة (54) من الدستور، والتي نرى أنها قابلة للتطبيق بذاتها فيما نصت عليه من عدم جواز التحقيق مع المتهم إلا في حضور محامية دون قبول أي استثناء على هذا الضمان.

وإذا قادنا الإنصاف إلى إقرار مجلس النواب على ما انتهى إليه من موافقة على صياغة المادة (105) المتقدم الإشارة إليها، إلا أننا لانزال نتحفظ على بعض المواد الأخرى بالمشروع، سيما التي كانت موضع تعديل في ضوء اعتراض السيد رئيس الجمهورية، ونرى في هذه المواد عيوباً لا يمكن بحال السماح بتمريرها على ما هي عليه من صياغة، وعلى الأخص الصياغة الجديدة التي جاءت عليها نص المادة (112) من المشروع، والتي من شأنها أن تفتح الباب على مصراعيه أمام انتهاك الحريات العامة وتجريد الضمان الدستوري لحرية المتهم المقبوض عليه من مضمونه، وهو ما سيكون له موضع نقد في مقال آخر.

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى