العماء المزدوج !!

نشر بجريدة أخبار اليوم السبت 9/10/2021

ـــ

بقلم: الأستاذ/ رجائى عطية نقيب المحامين

من الغرائب ، أن يصر الإرهابيون القتلة ، سفاكو الدماء ، وحاصدو الأرواح ، ومبيدو الزرع والضرع والبناء ، على أنهم يقارفون ما يرتكبونه من جرائم باسم الإسلام , وهذا إصرار كفيف , فالإسلام لا يبرر لأحد أن يقتل النفس التى حرم الله , والإسلام يحض على أمان الجوار , وهو جوار يقوم بحكم الآصرة بين أبناء الوطن الواحد والأمة الواحدة , فكل منهم فى « جوار » الآخر , وأمان جوار المسلم ـ وهم يدعون الاتشاح بالإسلام ! ـ يمتد حتى إلى الكافر الملحد , فيقول تبارك وتعالى : « وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ » ( التوبة 6 ) .

ومن هذا العماء , ضلال البوصلة والهدف والغاية .. فلا بد أن تكون لكل حركة غاية ، وأن تسعى لأهداف , فبغير الغاية والهدف , لا تحقق الحركة أى « إنجاز » أو « حصاد » .. ومن الغريب الدال على العماء المزدوج , أن هؤلاء أدعياء الدين  إذ يتشحون ـ كذبًا ! ـ بالإسلام , فإنهم يعملون التقتيل فى المسلمين , ويتركون من يفُترض أنهم أعداء المسلمين ـ وادعين ناعمين آمنين هانئين سالمين !

لا يمكن لصاحب عقل , أن يسيغ ترك هؤلاء الأدعياء ـ الصهيونية وعدوانها الموصول على الأراضى والنفوس العربية , القائمين بزراعة احتلال استيطانى دائم لم يعد قاصرًا على فلسطين المختطفة , وإنما امتد إلى الضفة الغربية وهضبة الجولان , بينما يشنون هجماتهم الغادرة التى تهلك الزرع والضرع ، وتدمر الحياة ، وتنسف الحضارة ، ولا يستبعد منها محاولة ضرب جنود مصر .. الجيش القوى الوحيد الباقى على تخوم الكيان الصهيونى !

ماذا يريد هؤلاء الإرهابيون؟!

لو كانوا ذوى بصر ناهيك بالبصيرة ـ لسألوا أنفسهم . ماذا يريدون ؟ هل ضرب الإسلام والمسلمين هو الهدف والغاية ؟   كيف وهم يدعون أنهم حماة الإسلام !

إن ما يرتكبه هؤلاء الإرهابيون من جرائم ، فهو أبلغ إساءة للإسلام الذى يتشحون به كذبًا ، إنما تأتى منهم .. فلا هذه قيم الإسلام ، ولا هذه تصرفات مسلمين ، ولا حصاد لهذا السوء والشر الذى يزرعون ، ولا ينال إلاَّ شماتة كل عدو يضمر عداوة للإسلام والمسلمين ، فيضحك فى كمه من هذا « العماء » الذى يصوب طعناته إلى ما يدعى الطاعن ـ الضرير ـ أنه قلبه وجسده !!!

من هذا العماء المزدوج ، أن ما يرتكبه هؤلاء الأدعياء بهذه الهجمات المتفرقة العشوائية الغادرة ، فاقدة البصر والبصيرة ، تزرع عناقيد الغضب وتحشد عداوة لا يمكن إزاءها أن يرجو هؤلاء العميان لحركتهم ترويجًا أو انتصارًا !!

لم يحدث فى التاريخ ، أن هُزِم شعب ، أو هُزمت أمة ، بهذه الأفعال العشوائية ، الضالة  ـ فحصادها صفر بالنسبة للشعوب والأمم ، فلا تنطوى صفحة شعب أو صفحة أمة بمثل هذه الممارسات التى وإن أدمت وأفجعت قلوبًا ، فإنها لا تحقق نصرًا ، ولا تزيل الأمم والشعوب والأوطان !

مصر تعرف ويعرف المصريون أن الابتلاء سُنَّة كونية ، ويعرفون من دينهم أن الصبر على البلاء أعظم أنواع الصبر والإيمان .

إن المؤمنين حقَّا ، يعرفون من قول الحق جل شأنه : « يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ * وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ اللّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاء وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ » (البقرة 153 ، 154) .

إن الجند الذين قُتلوا أو يقتلون غدرًا ، هم عند الله تعالى شهداء ، موعودون بوعده ـ ووعده حق : « وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَآ آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ » (آل عمران 169 ـ 171) .

زر الذهاب إلى الأعلى