العالم القانوني وإعادة تشكيل ذاته
المستشار الدكتور/ معتز عفيفي
نائب رئيس هيئة قضايا الدولة – الخبير القانوني بحكومة دبي – عضو اللجنة الاستشارية لمركز الإمارات للتحكيم الرياضي
في مواجهة ثورة رقمية ذكية هائلة، يكتشف العالم القانوني أنه يجب أن يعيد ذاته ويقيمها من جديد!، ويخاطر بتوسيع الفجوة لدرجة كبيرة بين الأجيال المعتادة على العمل التقليدي والأجيال الجديدة التي يتم تدريبها على التقنيات التكنولوجيا الحديثة الذكية.
حيث في مواجهة التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي، من المتوقع أن تتطور مهن قانونية كثيرة بما فيها مهنة المحاماة مع ظهور مهارات ومهن جديدة داخل الكيانات التي تمارس أعمالاً أو مهن قانونية.
عالم القانون ليس جامداً أو محصناً ضد الثورة الرقمية كما هو الحال في جميع القطاعات المهنية، حيث إن ظهور المتغيرات التكنولوجية الحديثة قد تعطل الحياة اليومية إذا لم يتم استيعابها من خلال أدوات قانونية جديدة. ولذلك يظهر شكل جديد من أشكال المهنة بين المهنيين في عالم القانون، إنه القانوني الرشيق agile le juriste وهو أقوى من القانوني المرن [1]Le juriste flexible[2]، وهو شكل جديد في عالم القانون يتم تحديده من خلال توسيع مجال المهارات وتعزيز التكنولوجيا الرقمية في عمله.
القانوني المرن هو خبير قانوني يتمتع بمهارات رقمية معززة وقدرة إدارية ويمكنه أن يكون مدير مشروع لديه رؤية متعمقة لجميع المهن التي تنتمي إلى نظامه، يستطيع أن يتكيف -من خلال قدراته الرقمية الذكية ومهاراته في تعدد لغاته ومرونته في العمل الإداري- مع جميع المتغيرات التي تطرأ على المجتمع من تكنولوجيا ذكية حديثة.
لذلك يجب على القانوني تطوير المهارات غير القانونية والتي تشمل المهارات الناعمة والمهارات الرقمية والمهارات السلوكية، على سبيل المثال، التحدث بعدة لغات، واستخدام التقنيات الرقمية الذكية، والقدرة على إدارة الفرق أو المشاريع، القدرة على استخدام الذكاء الاصطناعي، القدرة على استخدام سلوك قانوني مرن، القدرة على استخدام أدوات قانونية مرنة في عمله[3].
يعتبر أحد أهم أسباب وجود اللاقانون NON DROIT في الكون الاجتماعي هو كم التطور الهائل في مجالات مبتكرة جديدة لم تكن الإنسانية تعلم بها، فليس لدينا المعلومات والخبرة الكافية التي تتنبأ بالحالات التي يمكن أن تنشأ في المجال المبتكر، كما أن تطويره اليومي بل اللحظي! يصعب علينا حصر الحالات القانونية لهذا المجال المبتكر والتعامل معه[4]، لذلك لابد من ايجاد الحلول القانونية بدلاً من الدخول في مرحلة اللاقانون والفوضى، ومن أهم الحلول التي تكون لديها القدرة على استيعاب المتغيرات المجتمعية هو مرونة القانون والقانوني وقدرته على التكيف مع هذه المبتكرات الجديدة داخل المجتمع.
نعود إلى مرونة القانوني حيث قد تستجيب مهنة المحاماة إلى التحول الى المحامي المعزز بالمرونة والتكنولوجيا الذكية واللغات المتعددة والقدرة على قيادة الفريق، وذلك بهدف توفير الوقت للشركات وسرعة الحلول القانونية والقدرة على استيعاب المتغيرات الاجتماعية والتكنولوجية.
حيث نجد على سبيل المثال، تفضيل البحث القانوني عندما تتم أتمتة المعلومات القانونية، فيجد المحامي المعزز المزيد من الوقت لاستخدام معرفته وخبرته، حيث البحث بالطرق التقليدية القديمة (دون الطرق الذكية الرقمية) تهدر الوقت، ولا يكون هناك اتساع من الوقت لإبداع المحامي لعمله.
بفضل الرقمنة الذكية والوصول الفوري إلى المعلومات، يمكن للشخص العادي (غير القانوني) العثور في غمضة عين على الإجابة التي يحتاجها وبالتالي لا يضطر إلى اللجوء إلى متخصص قانوني. ولذلك يجب أن يكون الأخير متاحاً وسريع الاستجابة حتى لا يفقد العملاء المحتملين، لذلك فقد يكون الأمر متعلق بالحفاظ على المهنة أو انقاذ القانوني ذاته، حيث إذا كان الذكاء الاصطناعي القانوني أو مواقع على شبكة المعلومات توفر المعلومات القانونية بطريقة مبسطة سريعة، فالنتيجة هي عدم الاحتياج إلى القانوني ومن ثم فقد العملاء المحتملين.
ولذلك فإن تحول الشخصية القانونية أو ممتهني القانون أصبح أمراً ضرورياً لا غني عنه إذا رغب في الاستمرار في مهن القانون وقد فهم المستثمرون والشركات ذلك جيدًا، بل ان الجهات الحكومية بدأت تعي ذلك فلا تقبل أن يكون لديها إلا عضواً قانونياً معززاً بالمهارات السابق الإشارة إليها.
وبالتالي فإن المحامي المرن لم يعد متخصصاً قانونياً بسيطاً وفقط، ولكنه أيضاً لاعب هام في شركته حيث يتمتع عمله بمرونة قانونية كبيرة، يمتلك أدوات قانونية مرنة ويتخذ سلوك قانوني مرن[5]، ويستخدم الذكاء الاصطناعي في عمله ولديه عدة لغات للتحدث بها ويملك قدرات ومهارات لتسوية النزاعات والمفاوضات، فيصبح المحامي بتلك المهارات ذو قيمة مضافة للشركة التي يعمل بها.
إن مهنة المحاماة تتطور ولكن جوهر المهنة يظل كما هو، حيث المحامي المرن أو المعزز بمهارات معينة هو قبل كل شيء محامٍ تمكن من تطوير مهاراته في نفس الوقت مما يسمح له بتوسيع وظيفته الرئيسية واستمراريته في العمل القانوني المتطور الجديد.
[1] – راجع مؤلفنا المرونة والقانون، دار النهضة العربية، الطبعة الأولى سنة النشر 2022.
[2] – سوف نستخدم مصطلح المحامي المرن عن المحامي الرشيق لأنه أقرب إلى الاستخدام القانوني، مع الاعتبار باختلاف الاثنين حيث إن المحامي الرشيق هو أكثر مرونة من المحامي المرن، راجع مؤلفنا السابق الإشارة إليه المرونة القانون.
[3] – راجع مؤلفنا المرونة والقانون، دار النهضة العربية، الطبعة الأولى سنة النشر 2022.
[4] – راجع مؤلفنا القانون بين السماء والأرض، دار النهضة العربية الطبعة الأولى سنة النشر 2024.
[5] – راجع مؤلفنا المرونة والقانون، دار النهضة العربية، الطبعة الأولى سنة النشر 2022.