الضحية وليس الجاني
بقلم: محمود حسن
عرف الإنسان الجريمة منذ فجر البشرية أى منذ قابيل و هابيل، حيث وقوع أول وأبشع جريمة قتل فى التاريخ الإنسانى فقد قتل الأخ أخيه ويقول الله تعالى (واتْل عليْهمْ نبأ ابْنيْ آدم بالْحقّ إذْ قرّبا قرْباناً فتقبّل منْ أحدهما ولمْ يتقبّلْ منْ الآخر قال لأقْتلنّك قال إنّما يتقبّل اللّه منْ الْمتّقين، لئنْ بسطت إليّ يدك لتقْتلني ما أنا بباسطٍ يدي إليْك لأقْتلك إنّي أخاف اللّه ربّ الْعالمين، إنّي أريد أنْ تبوء بإثْمي وإثْمك فتكون منْ أصْحاب النّار وذلك جزاء الظّالمين فطوّعتْ له نفْسه قتْل أخيه فقتله فأصْبح منْ الْخاسرين ) الآية 27- 30 من سورة المائدة.
فقال قابيل لأخيه هابيل لأقتلنك بسبب قبول قربانك ورفض قبول قرباني
فكان رد هابيل على أخيه إنما يتقبل الله من المتقين
فكان رد هابيل لأخيه قابيل ردًّا فيه نصح وإرشاد حيث بيَّن له الوسيلة التي تجعل صدقته مقبولة عند الله، ألا وهي التقوى، ولكن قابيل قد تمكن من قلبه الكراهية والحسد والكيد لأخيه وأدت لقيام المعارك النفسية بداخله وأصبحت ملكاته الذاتية ملكة تشجع على معصية القتل وملكة أخرى تقومها على أن لا يقتل حتى أنتصرت عليه ملكته فما فعله كان من عمل الشيطان وطوعت له نفسه للقتل فأصبح من الخاسرين.
فنظرًا لخطورة الجريمة على المجتمع، فقد احتل الجانى بؤرة الإهتمام لفهم شخصيته والعوامل التي أدت إلى إرتكابه الجريمة حيث أحيط الجاني بكافة الدراسات وبالتالى ظهرت العديد من العلوم كعلم الإجرام وعلم العقاب دون أن يوجه الإهتمام الكافي للضحية – المجنى عليه – على الرغم أنه المتضرر الأساسي من الفعل والسلوك الإجرامي.
ومن هنا أصبح للضحية دور فى إتمام إرتكاب الجانى للجريمة مما أدى لظهور علم الضحية وهذا العلم يهتم بالضحية لمعرفة دوره الأساسي ومدى مساهمته في إرتكاب الجريمة مما أدى إلى إعتماد علم الضحية كعلم مستقل يهتم بدراسة العلاقة بين الجاني والضحية قبل إرتكاب الجريمة وأثناءها وبعدها.
فمن المتعارف عليه دائمًا أن المتهم هو الذى تقع عليه المسؤلية الجنائية والمدنية دون أن يتم التطرق إلى الباعث الأساسى والمحورى فى إرتكابه لجريمته المؤثمة وإسهام الضحية في بعض الأحيان من دفعه لإرتكاب الفعل الإجرامي كالسارق الذي يجد الهدف وعدم توافر الحماية اللازمة علي الفيلا الخاصة بالضحية بوضعه بعض من التحف والإنتيكات بمسكنه دون أن يوفر أي وسيلة حماية للمتلكاته من باب مصفح أو كاميرات مراقبة أو أجهزت إنذار فمن هنا يلعب غياب مصدر الحماية دورًا هامًا في دفع الجاني لارتكاب الجريمة حيث بعدم توفير عنصر الحماية اللازم جعل المنزل هدفًا سهل المنال له.
والضحية التي تضع كامل ثقتها في زوجها وهو ليس أهلًا للثقة بالرغم من نصح الناس لها وعدم انصياعها للنصيحة فتجد الزوج الجاني يتأمر لقتلها وسرقة أموالها فهي من مهدة الطريق لإرتكابه الجريمة لعدم الأخذ بسبل النصح.
فالضحية: شخص أصيب أو قتل بسبب مرض أو صدمة أو حادث أو خطأ أو نزاع أو حرب.
وعرف علم الضحية: هو ذلك العلم الذي يهتم بدراسة الضحية سواء بدراسة شخصيته أو صفاته من عدة جوانب سواء قبل وقوع الجريمة أو بعدها من خلال دراسة العلاقة بين الجاني و الضحية، كما يعنى هذا العلم كذلك بدراسة الدور الذي يمكن أن تلعبه الضحية في إرتكاب الفعل أو التشجيع عليه أو التسهيل له، كما إمتد هذا العلم إلى دراسة حقوق الضحية من خلال الإجراءات التي يجب أن يسلكها لضمان حقه في تعويض عادل عن الإضرار التي قد تلحق بها.
كما بدأت الأمم المتحدة تهتم بهذا العلم حيث عمدت في سنة 1985 إلى إعلان حقوق ضحايا الجريمة وسوء استخدام السلطة وعرفت ” ضحايا الجريمة ”
الأشخاص الذين أصيبوا بضرر فرديًا أو جماعيًا، بما في ذلك الضرر البدني أو العقلي أو المعاناة النفسية أو الخسارة الأقتصادية، أو الحرمان بدرجة كبيرة من التمتع بحقوقهم الأساسية، عن طريق أفعال أو حالات إهمال تشكل انتهاكًا للقوانين الجنائية النافذة في الدول الأعضاء، بما فيها القوانين التي تحرم الإساءة الجنائية لاستعمال السلطة.
ومن أنواع الضحايا:
“الضحية المتعدى ” هو من كان ينوى إلحاق الأذى بالطرف الآخر فقام الآخر بإيذائه كحالة الدفاع الشرعي عن النفس فيصبح من كان سيلحق به الأذي الجاني.
” الضحية المستفز ” هو من يدرك استفزازه يثير الطرف الآخر مما يدفعه لإرتكاب الجريمة مثل من يعمل علي توبيخ وإهانة شخص مما يستفز الآخر علي إرتكاب أي جريمة ضده تتمثل في قتله أو سرقته أو تهديده وإبتزازه أو سبه أوقذفه وإلحاق الضرر به.
فنجد ان الضحية هي من تعطي الجاني في بعض من الأوقات المبرر في إرتكاب فعله الإجرامي، فقد تم التعرض لهذا الجانب لإبراز أهميته فى وقوع الجريمة حيث يتم التركيز غالب الأمر علي الظروف الأقتصادية والحياتية والزمان والمكان لإرتكاب الجاني لجريمته دون النظر إلي دور الضحية في إرتكاب الجريمة إذ أنه قد يُشكل دورًا أساسيًا في دفع الجانى إلى إرتكاب الجريمة.