الصيرورة لا حدود لها!

من تراب الطريق (1130)

الصيرورة لا حدود لها!

نشر بجريدة المال الثلاثاء 29/6/2021

بقلم: الأستاذ/ رجائي عطية نقيب المحامين

الصيرورة قانون كوني، يشمل الكون كله.. لا شيء فيه يبقى على حال. فلا تتوقف حركة النجوم والكواكب والأفلاك، ولا يتوقف دوران الأرض، ولا تتوقف الزلازل والبراكين، والعواصف والأعاصير.. ولا تتوقف اللغة، وكذلك الإنسان ذاته، عن التطور الذي هو فرع على هذه الصيرورة.

ويبدو أن هذه الصيرورة قد طالت المعتقدات أيضًا.. فمسيرة الحياة البشرية وتطوراتها وما يدفعها وما يعترضها أو يعطلها من حروب واقتتال وعداوات، يؤثر ولا شك في دائرة معتقداتنا. قد تتباعد بتأثير هذه المسيرة عقائد أو معتقدات كانت في الماضي أكثر حضورًا وقوة أو فاعلية ونفاذًا..

وقد تنبت في هذه المسيرة، وبتأثيرها، عقائد أو معتقدات جديدة، وقد تتحول عقائد ومعتقدات سائدة، فيضاف إليها أو يحذف منها، وقد توجد بتأثير هذه المسيرة رؤى أكثر سعة أو ضيقًا تبعًا لظروف وتقلبات وتغيرات وطوارئ الحياة !

وفهم الناس لواقع هذه « الصيرورة » وما تفرزه، يتفاوت من فرد لآخر، مثلما يتفاوت بين المجاميع والمجتمعات. ودائمًا ما يقترن الفهم بقدر من الاتزان والثبات، والعكس صحيح، ويبدو هذا الفهم أكثر لزومًا في التعامل مع الأديان، ومقدار ما يبيحه أو يبيحه « التجديد » في الفكر والخطاب الديني، دون خروج على أصول الأديان، ومقدار ونتيجة الحوار الظاهر والخفي بين المجددين والسلفيين، فيما بدا ويبدو أنه قد فرضه ويفرضه فرضًا ـ اتساع مساهمة « وعى » الآدمي في فهم الدين، فهمًا موصولاً بقدر أو بآخر بالخطوات الأولى التي خطاها الآدمي فيما استقبله في سنوات الطفولة من المحيط الذي فيه ولد وعاش.

هذا الوعى هو آية وجود الآدمي، فالآدمي يوجد بوجود وعيه ويزول بزواله، وكل وعى كان أو يكون أو سيكون، إنما يعي فقط « بعض » ما في داخله وما يجرى في هذا « الداخل »، أما الوعى بما في « خارج الآدمي » وما يجرى ويدور في هذا الخارج فلا يعي الآدمي منه إلاّ جانبًا فقط.. هذا الجانب قد يتسع أو يضيق تبعًا لخامة الآدمي، بيد أن إحاطته في جميـع الأحـوال قاصرة عن أن تحيط بكل ما في « خارج » الآدمي في هذا الكون الفسيح المعجز للأفهام.

ويبدو أن غرائز الكائن الحي، معرضة بطبيعتها وعشوائيًا، أو حسب الظروف للتقلص والتمدد إلى حدود بعيدة وفي اتجاهات متعددة تعكس تأثير التقلص أو التمدد المباشر وغير المباشر، في الأغلب الأعم على غيرها، على تصرفات وسلوك الآدمي في مراحل حياته كلها، ولا يكاد يلتفت الوعى الالتفات الجدي إلى ذلك، إذ لو وعيناه بما فيه العناية والكفاية، لقاومته وقومته وصححته عقولنـا، ولجنبنا البشريـة أضرارًا لا أول لها ولا آخر ناجمة عن شرود الغرائز في شبابنا ورجولتنا وكهولتنا وشيخوختنا، برغم ما يسود في الجماعات الإنسانية بعامة من عقائد وأصول وقوانين وأخلاق وأعراف وعادات تتخطاها كثيرًا، وربما بسهولة، استجابـة الطبقـات والأفـراد للغرائز ناهيك عن الشرود الشاذ فيها ؟!!!

زر الذهاب إلى الأعلى