الشريعة الإسلامية (1)
من تراب الطريق (1162)
الشريعة الإسلامية (1)
نشر بجريدة المال الأحد 22/8/2021
بقلم: الأستاذ/ رجائي عطية نقيب المحامين
يتردد في كلمات عامة الناس، كلمات الإسلام، والدين، والشريعة، والفقه. وكثيرون لا يعرفون أن هذه الكلمات ليست مترادفات، فالإسلام والدين ــ مثلاً ــ تعبير ينصرف إلى ما أنزله الله، انصرافًا موضوعيًّا، كل شيء فيه مردودٌ إلى مصدره، قد يفسر ما يستعصى معرفته من كلمات في القرآن أو السنة النبوية، ولكنه في كل ذلك مرتبط « بالدين » الذي أنزله الله، قرآنه الكريم، وسنة الرسول الذي نقله إلى الناس.
أما الفقه، فهو عمل بشرى، أي نظر هذا وذاك من أهل الذكر والفقه، في المعنى المراد في الآيات القرآنية، أو السنة النبوية.. فالفقه اجتهاد « بشري » في استنباط القواعد والأحكام من مصادرها في القرآن والسنة.
باختصار: الدين إلهي، والفقه بشري.
أما الشريعة، فيراد بها كل ما شرعه الله تعالى للمسلمين من دين، في القرآن، وفي السنة، ولذلك فإنها تشمل أصول الدين، وما يتعلق فيه بالله عز وجل وبصفاته، وما يتعلق بالدار الآخرة، وغير ذلك من قواعد ومبادئ وأحكام استخلصها العلماء من بحوثهم في التوحيد، وفيما كان يسمى علم الكلام.
وهي إلى جانب ذلك، تشمل ما يتصل بتهذيب الإنسان نفسه، وأهله بعامة.. والمعاملات في إطار ما يتعين أن تكون عليه العلاقات الاجتماعية، فالدين المعاملة، وهذه المعاملة ـ ومن ثم الشريعة ــ تبين ما هو المثل الأعلى الذي يجب على الإنسان أن يسعى لبلوغه، أو مقاربته وما هي السبل التي يستطيع بها أن يصل إلى هذا المثل، أو قل الغاية من الحياة. ويمكنك أن تطلق على هذا علم الأخلاق، وهو باب واسع من أبواب الشريعة.
الشريعة تشمل إذن أحكام الله تعالى لكل أعمالنا.. الحلال، والحرام، والمكروه، والمندوب إليه ( أي المفضل المدعو إليه )، والمباح.. « الفقه » في هذه الشريعة مرادف لكلمة « القانون » بلغة العصر، وفيها أيضًا بيان الحدود المحددة للمكلفين في اعتقاداتهم، وفي أفعالهم وأقوالهم.
وعلى ذلك فلإيراد بالشريعة الفقه وحده، وإنما هي تحمل الدين والفقه، أو قل إنها الدستور الذي يجمع بين الدين والفقه، والكلمة معروفة بمشتقاتها من قبل النزول، ونراها في أكثر من موضع بالقرآن، كقوله عز وجل لنبيه المصطفي عليه الصلاة والسلام: « ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ » ( الجاثية 18 ).
على حين أن كلمة « الفقه » لم تعرف سلفًا في لغة العرب، ولم تعرف في معناها الذي تعنيه اليوم إلاَّ بعد مضى صدر الإسلام.
الفقه فيما اصطلع عليه أهل العلم: معرفة أحكام الله تعالى في أفعال المكلفين، بالوجوب، والحظر، والندب، والكراهة، والإباحة، وهى متلقاه من القرآن الكريم والسنة النبوية، وما نصبه الشارع الإلهي لمعرفته من الأدلة، فإذا استخرجت الأحكام من تلك الأدلة، كان ذلك هو « الفقه ». وكان هؤلاء الفقهاء يعرفون في فجر الإسلام « بالقراء » الذين تميزوا آنذاك عن غيرهم بقراءة القرآن ــ وصار استنباطهم للأحكام منه أشبه بالعلم والصناعة، فتبدل اسمهم إلى الفقهاء.