الشروح الفنية على الدساتير العربية (مبادئ وتطبيقات)
مشكلات التفسير القانونية (أسبابها وحلولها) المقال [1]
بقلم الدكتور/ محمد عبد الكريم أحمد الحسيني ـ رئيس قسم القانون بكلية الشريعة القانون ـ المحامي
فهْمُ التقنيناتِ (التشريعات) واستيعابُ نصوصها والتمكُّنُ من عمليات تفسيرها عملٌ قانونيٌّ عظيمٌ يخصُّ القانونيين ابتداءً على وجه التعيين كما ويخص غير القانونيين من المتقاضين والمعنيين بلا استثناء على تنوع في مستويات هذه الاختصاصات.
فهو يخصُّ القانونين باعتباره علما قانونيا وممارسة مهنية يقومُ بها القانوني ( مشرِّعا أو قاضيا أو محاميا..) التزاما بالتقنينات واتباعا لقواعدها وانصياعا للأحكام القضائية المستخلصة عنها، بمعنى أن التفسيرَ العلمي الموضوعي الصحيح هو ضمانة المشروعية القانونية لدى القانونيين كافة في اختصاصاتهم وفي ممارستهم لمهنهم القانونية ورسالتهم العدلية .
ولي بعض القالات والمقولات بشان هذه الأهمية ، وأبرزها مقولتان اثنتان وهما ”
المقولة الأولى :《 أقول بإيجاز وإنجاز: لا تخرج العدالة القانونية بكل أشكالها وصورها ومراحلها عن كونها تفسيرا صحيحا لنصوص التقنيات ( التشريعات) وتطبيقا لها وإنفاذا لأحكامها》》.
المقولة الثانية :《 إذا صح تفسير النصوص القانونية وكان تفسيرا سليما مبررا صحت العدالة في كل صورها، وإذا انحرف التفسير انحرفت العدالة عن مسارها وأصبحت نكالا في أيدي القائمين عليها ضد الخاضعين لها》.
وبناء على ذلك فالسؤال هو:
كيف نحقق التفسير الصحيح للتشريعات الدستورية والعادية ؟!
والإجابة هي: عن طريق نهج تفسيري جديد نطلق عليه :” التفسير الفني للتقنيات (الدستورية والعادية) .
وهنا يتوالد سؤالان متلازمان :
الأول: ما هذا الفكر التفسيري الجديد وما دواعيه؟
والثاني: ما الأطروحة حول هذا التفسير وما ماهيتها .
أما عن إجابة السؤال الأول حول مفهوم التفسير الفني (الدلالي والمنطقي) للتقنينات الدستورية ، فهي أننا نعني بهذا المفهوم إجمالا : كشف معنى النص التقنيني (الدستوري أو العادي) وتفسيره والاستدلال على أحكامه ومقاصد المقنن منه؛ بناء على جملة المبادئ والمعايير والافتراضات (القانونية، اللغوية، المنطقية) التي تم بناء النص الدستوري والعادي وفقا لها وتبعا لمقتضياتها .
وبلغة مقاربة : كشف معاني النص القانوني من خلال سلسلة عمليات منتظمة تقوم على فهمه وكشف معانيه والاستدلال على أحكامه (الدستورية والعادية) المضمنة في بنيانه اللغوي وأسلوبه القانوني وإطاره المنطقي؛ بناء على قواعد ومعايير نسقية عامة ومنضبطة ترتد إلى نموذجيها اللغوي والمنطقي فضلا عن المبادئ والصلاحيات القانونية اللغوية .
وقد بنينا نموذج التفسير الفني (الدلالي والمنطقي) بناء على نظريتنا في اللغة القانونية ونظريتنا في المنطق القانوني، فضلا عن مجموعة التنظيمات (اللغوية القانونية المنطقية) التي من أهم مبادئها:
1-مبدا الكل القانوني.
2- مبدأ الصلاحيات القانونية ( اللغوية والمنطقية).
3- مبدأ أسبقية البنائي على الدلالي في التفسير القانوني.. وغيرها.
وهي بحمد الله من أهم المبادئ التي افترضناها واستدللنا عليها وأثبتنا صوابيتها وجدارتها بالقيام على التفسير الفني الموضوعي للتقنينات الوضعية والشرعية [انظر النظرية العامة للغة القانونية، أصولها ,احكامها وواقعها القانوني المعاصر، كلية الشريعة والقانون 2021م- تقدر امتياز ]
أما عن إجاب السؤال الثاني فتكمن في أن لدينا –وبحق- مشكلة عميقة – تعم عالمنا العربي- في تفسير النصوص التقنينية (التشريعية) على مستوى السلطات العامة (التشريعية والقضائية والتنفيذية).. وهذا وضع سائغ في حال وجود محددات فنية ومعايير موضوعية، تقوم على أساس نظرية علمية للغة القانونية البنائية وللمنطق القانوني العام والمنطق اللغوي منه على وجه خاص.
ولأن هذه المحددات الفنية وتلك المعايير الموضوعية غير موجودة وغير قائمة على وجه متكامل ومتناسق -وهذه المكتبة القانونية العربية شاهدة على ذلك- …فقد أولينا هذه الإشكالية جل اهتمامنا؛ فكانت دراستنا المطولة باسم «النظرية العامة للغة القانونية»، ثم أتبعناها ببحوث الترقية والمقالات العلمية عن «نظرية التفسير القانوني والشرعي» وعن «النظرية العامة للمنطق القانوني» فضلا عن النماذج القانونية والمنطقية المتعلقة باللغة التقنينية القياسية الموحدة ومعاييرها المنطقية.. في مجلات الذكاء الاصطناعي (AI) والعدالة الرقمية digital justice .
وهو ما قد يعد إضافة نوعية في تلك المنطقة المستشكلة وغير الواضحة، وها نحن ذا نكمل المسيرة بهذه التطبيقات التي نرجو من خلالها أن تؤسس لنهج جديد في التفسير وهو [التفسير الفني ( الدلالي والمنطقي) للتشريعات الوضعية والتقنينات الشرعية]، بناء على نظرية علمية متكاملة في جانبيها اللغوي البنائي والمنطقي النسقي، فضلا عن التأصيلات القانونية التي أسميناها « الصلاحيات القانونية التفسيرية»، كل هذا في ضوء إطار مفاهيمي ضمن هذه النظرية والكتابات ذات الصلة فيها .
كما وأذهب إلى أن المستقبل إنما هو لهذا التفسير الفني ( الدلالي والمنطقي)، وأن نقطة قوته تكمن في
[[١]]《 قيامه على مبادئ وقواعد لغوية منطقية (قياسية مطردة ) 》.
[[٢]]《وضوح معاييره ودقتها ، بما يمكن قياس كل التفسيرات القانونية (للسلطات والمحاكم والمتقاضين والمعنيين) للنصوص بناء عليها ، فيقبل منها ما وافق تلك المعايير ويرد منها ما لم يوافقها》.
*وفي هذا ضبط عظيم لفوضى التفسير القانوني.
ومن أخطر أدوار هذا التفسير أيضا أنه يقيد من صلاحيات “المحاكم العليا” في التفسير ويردها إلى أصول موضوعية محددة لا يمكنها الخروج عنها بأية ذريعة غير موضوعية .
كما أن اعتماده رسميا سوف تكون له تداعيات إجرائية كثيرة مثل :
《١》وجوب تبرير اتجاه المحاكم بعامة إزاء اختياراتها التفسيرية حال احتملت أكثر من وجه .
《٢》فرض مبدأ فنية التفسير القانوني ومعقوليته على الكافة ، وتبنيه باعتباره أصلا من قبل المحكمة الدستورية العليا، حتى تكون اختصاصاتها التفسيرية أكثر موضوعية -نظرا لما لها من سلطات تفسيرية واسعة وقطعية على كافة جهاز العدالة في الدولة الوطنية القانونية المعاصرة .
إضافة إلى التداعيات الأخرى راجع للتفصيل الدراسة كلها “التفسير الفني ( الدلالي والمنطقي ) للتقنينات الدستورية والعادية – أصوله وتطبيقاته وآثاره القضائية، دراسة تأصيلية تحليلية ]
ونكمل بإذن الله تعالى في المقال القادم