السر وراء إنشاء المحاكم المختلطة بمصر.. وعلاقته بسراي الحقانية

كتب: عبدالعال فتحي

كنز تاريخي نادر، تبلغ من العمر 131 عامًا، وتقع في منطقة من أشهر مناطق الإسكندرية؛ بدأ تشييدها عام 1869 في عهد الخديوى إسماعيل علي يد المهندس المعمارى الإيطالي لازروف وتم الانتهاء من بنائها وافتتاحها رسميا عام 1875، إنها محكمة الحقانية، أو سراي الحقانية.

افتتحها الخديوى إسماعيل، بإقامة حفل ضخم بسراى رأس التين يوم 28 يونيو عام 1875، وقال كلمة أثناء الحفل جاء فيها إنه واثق بأنه بعناية الله وحسن توفيقه سيكون مستقبل هذه المحكمة وطيد الأركان وبعد خلع الخديوى إسماعيل عن عرش مصر عام 1879م وإعطاء الأجانب في مصر الكثير من الإمتيازات منها عدم المثول أمام القضاء المصري.

تم تجديدها وإفتتاحها مرة أخرى عام 1886م في عهد الخديوى توفيق على يد المهندسين المعماريين الإيطاليين ألفونسو مانيسيكالكو وأوجستو سيزارياس وتعد من أقدم المحاكم المصرية علي الإطلاق .

نظرا لكثرة أعداد الأجانب المقيمين بالإسكندرية، فتقرر إنشاء المحاكم المختلطة وهي المحاكم المختصة بمحاكمة الأجانب المقيمين بالبلاد، فتم إختيار سراى الحقانية لتكون مقرا لتلك المحكمة، وكانت تلك المحاكم موجودة بالقاهرة والإسكندرية والمنصورة فقط وهي المدن الثلاثة التي كان يسكنها عدد كبير من الأجانب.

سراي الحقانية الكائنة في ميدان المنشية تضم العديد من الوثائق والمخطوطات حتي تكاد أن تنافس نظيراتها في دار القضاء العالي بالقاهرة والتي تحكي تاريخ حقبة مهمة وخطيرة من تاريخ القضاء المصري وتضم مكتبة سراي الحقانية ملفات وسجلات مهمة تكشف خبايا في تاريخ مصر القديم والحديث وتحديدا منذ عام 1825م في عهد محمد علي باشا ربما كان من أهمها تلك الملفات الخاصة بالقضاء المختلط منذ إنشاء السراي وحتى عام 1945.

تضم الملفات الموجودة بمكتبة سراي الحقانية سجلات رؤساء المحكمة المتعاقبين والموظفين الذين عملوا فيها ورواتبهم ودرجاتهم الوظيفية وسجلات بأهم أحكام القضايا الشهيرة مثل حادث دنشواى وقضية ريا وسكينة وقضية سفاح الإسكندرية فضلا عن الأختام الخاصة بالمحكمة والتي تعد قطع فنية نادرة ومنها السيف والميزان رمز العدالة وخاتم الملك فؤاد الأول إلى جانب عدد من الساعات النادرة واللوحات الفنية الخاصة بكبار فناني العالم وإلى جانب مقاعدها ذات الطابع التاريخي القديم تضم سراي الحقانية ست خزائن حديدية ضخمة ربما كانت مخصصة للأحراز التي كان يتم التحفظ عليها في الكثير من القضايا ومما يثير العجب والفضول أن هذه الخزائن الست لم يتم فتحها حتى الآن .

من أهم المقتنيات النادرة التي تضمها السراي لوحة زيتية ضخمة من أعمال الفنان العالمي تروجيه بول تعبر عن الديانة المسيحية ويرجع تاريخ اللوحة المرسومة داخل إطار من الذهب الفرنسي الأصلي إلى أوائل القرن الثامن عشر الميلادى فهي موقعة ومؤرخة من الفنان في عام 1749م والمعروف أن تروجيه عاش في الفترة ما بين عام 1689م وحتي عام 1762م وهو أحد كبار الرسامين العالميين الذين جابت أعمالهم العديد من المتاحف الكبرى.

طالب عدد كبير من قضاة الإسكندرية بتحويل المبنى التاريخي للمحكمة إلى متحف قضائي خاصة أن المبنى سجل كأثر منذ عام 2001م وقامت هيئة الآثار بالفعل بإنتداب فريق لتنفيذ عمليات الحصر وتسجيل المقتنيات قبل أن يبدأ بعمليات ترميم الوثائق والكتب واللوحة الزيتية بتكلفة بلغت حوالي 100 ألف جنيه ويواجه ذلك المبنى التاريخي العريق مخاطر جمة خلال السنوات الأخيرة بعد أن زحفت إليه المياه الجوفية ودفع ذلك جهات الإختصاص إلى الإستعانة بعدد من الطلمبات التابعة لشركة الصرف الصحي لشفط المياه وطردها بعيدا عن جدران المبنى الذي لا يزال منذ سنوات ينتظر أن تمتد إليه يد الترميم قبل أن ينهار على مقتنياته القانونية والتاريخية النادرة.

 

زر الذهاب إلى الأعلى