
الذكاء الاصطناعي الفكرة والمعالجة التشريعية
بقلم الدكتور/ محمد طرفاوي محمد المحامى
يعد التحول الرقمي من أهم صور التطور الدولي، وقد حاولت مصر مواكبة هذا التطور بإقرار فكرة التحول الرقمي، ومن أهم صور التحول الرقمي التعامل مع الذكاء الاصطناعي، وهو قدرة الآلة على على محاكاة العقل البشري وطريقة عمله، بل يقوم الذكاء الاصطناعي بتحليل البيانات واتخاذ القرارات نيابة عن العقل البشري في بعض الأحيان.
بدأ الذكاء الاصطناعي من خمسينيات القرن الماضي إلا أن طفرة برامج الذكاء الاصطناعي جاءت بحلول عام 2020 وتسارعت الدول المختلفة في بناء أنظمة آلية وتشريعية تساعد على التعامل مع هذه الطفرة الكبيرة، فحاول الاتحاد الأوروبي ودولة ماليزيا ودولة اندونيسيا معالجة مشكلات الذكاء الاصطناعي تشريعياً بعدة قوانين ومشاريع، ووصل الأمر إلى حد اعتبار الذكاء الاصطناعي مشروع وطني ببعض الدول.
وفي مصر بدأت فكرة معالجة الذكاء الاصطناعي تشريعياً في الظهور عند أوائل القرن الحالى، وبدأت تتخذ موقعاً متميزاً مع سياسة الدولة نحو التحول الرقمي، فأصبح لدى مصر استراتيجية وطنية للذكاء الاصطناعي، أصدرت أصدارها الأول عام 2021، ثم ألحقته بالإصدار الثاني عام 2025.
كان من أهم أفكار الاستراتيجية المصرية للذكاء الاصطناعي إنشاء المجلس الوطني للذكاء الاصطناعي للتخطيط واعتماد الاستراتيجيات القادمة للذكاء الاصطناعي، ومن أهم أهداف المجلس إقامة صناعة للذكاء الاصطناعي مدعومة بالحوكمة والتكنولوجيا والبيانات والبنية التحتية والنظام البيئي والمهارات لضمان استدامتها وقدرتها التنافسية لأغراض تعزيز التنمية في مصر. (تراجع الاستراتيجية المصرية للذكاء الاصطناعي الإصدار الثاني عام 2025)
وكأي فكرة أصبح الذكاء الاصطناعي يمثل ضغطاً كبيراً على المشرع المصري، فله مميزات وعليه مآخذ كذلك، ومن أهم التحديات التى تواجه المشرع حالياً في مجال الذكاء الاصطناعي الموازنة بين الحفاظ على سرية البيانات والمعلومات وضمان إمكانية الوصول بحرية فيما يعرف بمعضلة الاستخدام الأخلاقي للذكاء الاصطناعي، وهي مشكلة كبيرة، إذ يقوم المشرع بتحديد أطر الحماية للمعلومات والبيانات وفي ذات الوقت سهولة الوصول إليها مع مراعاة الحفاظ عليها ضد العبث أو الاستخدام السيء.
أصابت الدولة في تحديد منظورها للذكاء الاصطناعي في بيان القيمة الاقتصادية، والقيمة الاجتماعية، والقيمة الصناعية، وتعزيز رفاهية الأفراد، والقيمة التجارية، إلا أن هذا المنظور يحتاج إلى تدعيم أكبر بدور بحثي شامل في كافة جوانب الذكاء الاصطناعي.
فيجب بداية أن تتم الأبحاث الكاملة والكافية لتحديد مدلول الذكاء الاصطناعي واستخداماته حتى يواجه المشرع نسقاً اجتماعياً محدداً يحتاج إلى معالجة تشريعية، ويجب كذلك أن تتنوع أبحاث العاملين في مجال القانون لتحديد طبيعة الذكاء الاصطناعي وكيفية معالجة توجهاته واشكاله المختلفة تشريعياً.
في هذا المقال لا أحاول طرح الفكرة ومعالجتها بل طرح عدة أمور للبحث سوياً منها:
- تحديد تعريف شامل وكامل لفكرة الذكاء الاصطناعي وطبيعته القانونية.
- بحث أنواع وأشكال الذكاء الاصطناعي والقيم المختلفة من منظور الدولة المصرية للوصول إلى تحديد المشكلات والمعوقات التي تحتاج لتدخل المشرع تشريعياً لمعالجة الأمر.
- ينبسق من النقطة السابقة تحديد أولويات التعامل وتحديد درجات التشريع، فمواجهة هذه المشكلات يحتاج إلى تدريج التشريع فمنها ما يعالج بنص قانوني ومنها ما يعالج باللوائح ومنها ما يعالج بالقرارات الإدارية، ولمعرفة درجة التشريع المطلوبة يجب أن نقف على شكل محدد لماهية المشكلات وتحديد عناصرها وما هية التطور وتحديد آلياته، وماهية الهدف المطلوب الوصول إليه من الذكاء الاصطناعي وتحديد درجاته.
- يجب أن تتسم البحوث القانونية في هذا المجال بالتدرج على سبيل المثال لا يمكن أن نبحث الطبيعة القانونية قبل بحث التعريف، فيجب اتباع سياسة التدرج في توضيح أفكار الذكاء الاصطناعي ومشكلاته لبناء قاعدة قوية يمكن أن يستند إليها المشرع في تشريع كامل للذكاء الاصطناعي.
ختاماً:
يفتح هذا المقال آفاق الفكر ويحاول عرض فكرة أساسية لأبحاث أكثر تخصصاً لهذه الفكرة في ظل اهتمام الدولة ومحاولة مواكبة التطور العالمي، وأوصي المشرع المصري ألا يتعجل في وضع تشريعات محددة أو شاملة حالياً للذكاء الاصطناعي ومحاولة العمل أكثر بشكل لائحي حتى تظهر أبحاث تعالج المشكلات بشكل محدد أو تحاول وضع أطر وتصور لتشريع شامل للذكاء الاصطناعي، ويجب على المجلس الوطني للذكاء الاصطناعي تشجيع البحث العلمي في هذا المجال لسرعة الوصول إلى هذا الهدف.