الدساتير والحقوق والحريات في العصر الرقمي (2)

الحلقة الثانية.. الجدل حول سياسات عمل مواقع التواصل الاجتماعي

بقلم: الدكتور/ أحمد عبد الظاهر

أستاذ القانون الجنائي بجامعة القاهرة

تعليقًا على قيام مواقع التوصل الاجتماعي (تويتر)، المنصة المحببة لدونالد ترامب، بإغلاق حسابات الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته، قال مفوض الاتحاد الأوروبي أن “الأحداث التي وقعت بالعاصمة الأميريكية (واشنطن) في نهاية الأسبوع الأول من شهر يناير 2021م، كشفت عن هشاشة أنظمتنا الديمقراطية، والتهديد الذي يمكن أن تمثله شركات تكنولوجيا لا تخضع لرقابة كافية على بقائها”.

كذلك، عبر المفوض الأميريكي عن شكوك كبيرة فيما إذا كان يحق لشركات التواصل الاجتماعي بإرادتها المنفردة وقف حسابات الرئيس الأميركي. وكتب مفوض الاتحاد الأوربي في مجلة بوليتيكو “إن حقيقة أنه بإمكان رئيس تنفيذي لمؤسسةٍ إيقاف مكبر صوت بوتوس (رئيس الولايات المتحدة) (استعارة للتعبير عن إيقاف نشاطات الرئيس في مواقع التواصل)، من دون أي تدقيق ولا توازنات أمر مربك ومحير”
ومن جهته، رأى وزير الاقتصاد الفرنسي أن تنظيم العمالقة الرقميين لا يمكن أن تقوم به الأوليجارشية الرقمية نفسها.

وفي يوم الاثنين الموافق الحادي عشر من يناير 2021م، قال وزير شؤون الاتحاد الأوروبي الفرنسي أنه صُدم لرؤية شركة خاصة تتخذ مثل هذا القرار المهم، مضيفًا أن هذا يجب أن يقرره المواطنون وليس الرئيس التنفيذي لشركة.
وفي يوم الاثنين الموافق الحادي عشر من يناير 2021م، اعتبر وزير الصحة البريطاني أن الحظر الذي فرضته مواقع (تويتر وفيسبوك وإنستجرام) على حسابات الرئيس الأميريكي دونالد ترامب، يثير تساؤلًا كبيرًا جدًا بشأن كيفية تنظيم عمل وسائل التواصل الاجتماعي، قائلًا أن “منصات التواصل الاجتماعي تتخذ قرارات تحريرية الآن، وتختار من يجب ومن لا يجب أن يكون له صوت”
وبدوره، وفي مؤتمر صحفي عقد يوم الثلاثاء الموافق الثاني عشر من يناير 2021م، انتقد المتحدث باسم الحكومة الألمانية الإجراء، قائلًا أنه “من الممكن التدخل في حرية التعبير، لكن وفق الحدود التي وضعها المشرع، وليس بقرار من إدارة شركة.. لهذا السبب ترى المستشارة أن إغلاق حسابات الرئيس الأميريكي على شبكات التواصل الاجتماعي بشكل نهائي، يطرح إشكالية” وقد أكد أن حرية التعبير حق جوهري له أهمية أساسية. وأضاف المتحدث باسم الحكومة الألمانية “رغم أن هذه المنصات لديها مسؤولية كبيرة جدًا ويجب ألا تبقى بدون تحرك في مواجهة محتوى يتضمن حقدًا أو عنفًا، إلا أنه يعود إلى المشرع تحديد إطار يحدد كيفية القيام بالتحاور عبر شبكات التواصل الاجتماعي.

وقد أيد المتحدث جهود الشركات لإرفاق رسائل ترامب بملاحظات، لاسيما حول صحتها، مؤكدًا أن الأكاذيب والتحريض على العنف بالطبع تطرح إشكالية.

وشبّه (أليكسي نافالني) السياسي الروسي والمنتقد العلني للرئيس فلاديمير بوتين، حظر ترامب على تويتر برقابة الدولة، وغرّد قائلًا “إن حظر دونالد ترامب على تويتر هو عمل رقابي غير مقبول. بالطبع تويتر شركة خاصة، لكننا رأينا أمثلة كثيرة في روسيا والصين على أن مثل هذه الشركات الخاصة أصبحت من أفضل أصدقاء الدولة ومن عوامل تمكينها عندما يتعلق الأمر بالرقابة”
وهكذا، أسهمت الإجراءات المتخذة بواسطة مواقع التواصل الاجتماعي ضد حسابات ترامب في إثارة الجدل من جديد حول طريقة تنظيم عمل هذه المواقع. إذ يريد البعض تغيير التعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي واعتبارها شركات نشر إعلامي، بدلًا من مجرد منصات لمشاركة آراء المشتركين، وهو ما يعني وقوعها تحت مزيد من القواعد التنظيمية لعملية النشر. وفي المقابل، يرى معارضو هذه الفكرة أنها قد تسمح للحكومات بالتدخل والحد من النقاش على منصات التواصل الاجتماعي.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن (دونالد ترامب) قام في الثامن والعشرين من مايو 2020م بالتوقيع على أمر تنفيذي يتعلق بتنظيم وسائل التواصل الاجتماعي. كذلك، وخلال فترة رئاسته، هدد بإلغاء القانون الذي يجعل شبكات التواصل الاجتماعي بعيدة عن المساءلة القانونية عن محتوى مستخدميها. وبعبارة أخرى، فقد هدد (ترامب) بإلغاء القانون الذي يجعل شبكات التواصل الاجتماعي معفية إلى حد كبير من المساءلة القانونية بشأن منشورات مستخدميها. وفي ساعاته الأخيرة على تويتر، ألقى ترامب باللائمة مرة أخرى على جزء من التشريع الأميريكي يسمى المادة (230) لما يراه “حظرَ حريةِ التعبير”

وفي التغريدة الأخيرة نفسها، قال ترامب أنه كان يتفاوض مع مواقع أخرى مختلفة، وأنه سيكون هناك “إعلان كبير قريبًا”. وقد صرح الرئيس الأمريكي المنتخب (جو بايدن) أنه يود إلغاء القانون لزيادة مراقبة المحتوى وتقليل انتشار الأخبار المزيفة. ومع ذلك، يجادل الكثيرون بأن إزالة هذه الحماية من شأنه أن يضر بحرية التعبير حقًا، حيث ستضطر الشبكات إلى مراقبة وتعديل المحتوى أكثر بكثير مما تفعل حاليًا.

زر الذهاب إلى الأعلى