الحكمة القرآنية فى القوامة فى الإسلام
الحكمة القرآنية فى القوامة
فى الإسلام
نشر بجريدة الشروق الخميس 10/3/2022
ـــــــــــ
بقلم نقيب المحامين الأستاذ : رجائى عطية
أعرف أن الحديث عن « قوامة » الرجال ــ يبدو غريبًا الآن ، بعد المساحات الهائلة التى قطعتها حواء ، والمناصب التى تولتها وتتولاها ، التى جاوزت الملكية الوراثية ، إلى الجمهوريات القائمة على الانتخاب لا الوراثة ، فلم تكن الحياة مقصورة على الملكات التى لازلنا نراها إلى اليوم ، وإنما امتدت إلى رئاسة الدول ، ورئاسة الوزارات ، ولوزارات ، والمجامع العلمية ، والمؤسسات والشركات الكبرى ، وقد يبدو غريبًا الحديث عن قوامة الرجال لشخصيات نسائية من وزن « مرجريت تاتشر » ، زعيمة حزب المحافظين ورئيسة وزراء بريطانيا لسنوات عديدة ، والملقبة بالمرأة الحديدية ، والمستشارة الألمانية السابقة « أنجيلا ميركل » التى تزعمت وأدارت السياسة والسلطات الألمانية لسنوات ، فأى قوامة للرجل على مثل هذه أو تلك .
لا مراء أنه إزاء ذلك يبدو الحديث عن « القوامة » غريبًا ، ولكن تزول هذه الغرابة إذا نظرنا إلى هذه أو تلك وسط أسرتها ، فهى الأم ، وهى راعية البيت ، وهى أيا كانت مناصبها فى كنف زوج أو أب ، وهى لا يمكن أيا كانت المناصب أن تضحى بأنوثتها ، أو تغادر ما اعتادت عليه الإناث من التجمل و العناية بزينتها ، وهى لا تقاطع الإنجاب إذا كانت فى سن الإنجاب ، رأينا من أيام صاحبة منصب كبير ظهرت فى الصورة حاملاً ، ومن ثم فإذا نظرنا لوضع حواء داخل أسرتها ، زوجة أو ابنة ، فلن يبدو الحديث عن القوامة غريبًا . هذا إلى أن القواعد لا توضع ـ حتى فى القوانين الوضعية للأفراد ولا للحالات الفردية أو الشاذة أو الاستثنائية ، وإنما توضع للجميع ، وإلاَّ فقدت شرعيتها بفقدها صفة العموم .
وقد عاد الأستاذ العقاد ، حين حديثه عن الأخلاق الاجتماعية عاد إلى « قوامة الرجال » ، وقفى ببيان الحكمة القرآنية فيها . فيرى أن حكمتها تتجلى من أحوال المجتمع ، ومن أحوال الأسرة ، أو أحوال الصلة الزوجية ، أو الصلة الخالدة بين الذكر والأنثى .
فالأخلاق فى المجتمعات الإنسانية بعامة ـ مصلحة دائمة ، وضرورة لا قوام لأى مجتمع بغيرها على صورة من صورها .
وقد كان السائغ عقلاً أن تنشئ المرأة خلائق العرف كله لأنها التى تتسلم النوع منذ نشأته فى الأرحام ، وتحتضنه وتواليه إلى أيام نموه . بيد أن الواقع المتكرر يشهد بأن المرأة هى التى تتلقى العرف من الرجال ، حتى فيما يخصها من خلائق كخصال الحياء والحنان والنظافة ..
ومن حياء المرأة الذى تتلقاه من الطبيعة ، أنها تخجل من الإفصاح ـ عادةً ـ عن دوافعها أو رغباتها الجنسية ، وتنتظر ـ عادةً ـ مفاتحتها . ويمنعها من العكس مانع من تركيب الوظيفة بين الجنسين ، فقد خلق تركيب الأنثى للاستجابة ولم يخلق للابتداء أو الإرغام .
وهذا الحياء الذى تمليه الآداب ـ تدين به المرأة على قدر اتصاله بشعور الرجل نحوها ونظرته إليها .
وألصق بالمرأة حنانها المشهور ، لا سيما الحنان للأطفال من أبنائها وغير أبنائها .. ومع ذلك ترى أن الرجل يمكن أن يسوى فى المعاملة بين أبنائه وأبناء زوجته من غيره ، ولو من قبيل التجمل ورعاية الشعور ، ولكن المرأة تسلك ـ فى الغالب ـ غير هذا السلوك فى معاملة أبناء زوجها من غيرها . وقد لا ينجو هؤلاء أحيانًا من سوء المعاملة على درجات ، بل وقد يحدث كثيرًا أن يتم التمييز والإيثار علنًا بلا مواربة .
وليس فى أخلاق المرأة المحمودة ، خلق أخص بها وألصق بأنوثتها من خلائق ثلاث : الحياء ، الحنان ، والنظافة .
ومما له مغزاه فى تقسيم الأخلاق بين الجنسين أن أساطير الخيال ووقائع التاريخ تتفقان بالبداهة وبالمشاهدة على هذا التقسيم . فقد جاء فى أساطير اليونان الأقدمين خبر جيل من الأمم ينعزل فيه النساء ، ويتدربن على القتال من الطفولة ، ولا يقبلن بينهن أزواجًا يعيشون معهن ، بل يأسرن الأزواج ثم ينصرفون عنهم ، ويستحيين البنات من الذرية ، ويقتلن البنين أو يردونهم إلى آبائهم إن كانوا معروفين . وكان اسم هذا الجيل (الخرافى) « جيل » ومعناها « بغير أثداء » ، ومغزى ذلك أن المرأة لا تتصف بهذه الصفة إلاَّ إذا خرجت من طبيعتها إلى أخرى تشبه بالرجال وتخالف أطوار النساء .
ويعقب الأستاذ العقاد بأنه يجزم بالصواب فيما يعلمه من دلالة الطبع ودلالة العقل ، وأنه يفهم صواب الحكمة القرآنية التى أثبتت للرجل القوامة على المرأة فى الأسرة ، وفى الحياة الاجتماعية . وقد يختلف كثيرون مع الأستاذ العقاد ـ بحكم العصر الآن ـ فى مد هذه القوامة إلى الحياة الاجتماعية التى صارت تشهد قوامة للمرأة فى غير قليل من الأحيان .
ومرة أخرى يعود الأستاذ العقاد هنا إلى بعض ما كتبه فى « هذه الشجرة » فيذكر أن الأخلاق التى يسمو بها الإنسان إلى مرتبة التبعة والحساب أو مسئولية الآداب والشريعة والدين ـ هى أخلاق « تكليف وإرادة » ، وليست أخلاق إجبار وتسخير ، أو قسر وإرغام .
وأنه من هنا صح أن يقال إن المرأة كائن طبيعى وليست بالكائن الأخلاقى ، وعلى ذلك المعنى الذى يمتاز به خلق الإنسان ولا يشترك فيه مع سائر الأحياء .
وهنا يتحدث عن « الاحتجاز الجنسى » ويقصد به امتلاك المرأة زمام المنح والمنع ، وهى خصلة حتى فى غير الإنسان من المخلوقات ، تراها فى صراع الديكة على إناث الدجاج ، وتراها فى لهو القطة بالقط قبل أن تسمح له بما تريد ، إلى غير ذلك من المخلوقات التى اختار أمثلة من طبائعها للتدليل على ما يريد .
وهو يرى أن هذا « الاحتجاز الجنسى » غريزة عامة بين كافة الإناث من جميع الأنواع ، وأنه متى بلغ هذا الاحتجاز الجنسى مبلغه الذى قصدت إليه الطبيعة ، تكون الأخلاق الأنثوية قد بلغت غايتها .
ومن ضلال الفهم أن يخطر على البال أن الحياء صفة أنثوية ، وأن النساء أشد حياء من الرجال . فالواقع ـ كما لاحظ شوبنهور الذى يستشهد به ـ أن المرأة لا تعرف الحياء بمعزل عن تلك الغريزة العامة ، وأن الرجال قد يستحون مما لا تستحى منه النساء ، ويشهد على ذلك سلوك الجنسين فى الحمامات العامة ، إلاَّ ما كان لعيبٍ جسدىًّ تحب المرأة أن تواريه .
وينتقل الأستاذ العقاد من هذه المسألة التى أفاض فيها إفاضة لا أستطيع أن أجاريها ، إلى الفصل الذى كان قد عقده على رأى المعرى فى المرأة ، فيقتطع منه فقرات كاملة يتساند إليها ، وأحيل من يحب على ما تناولته بالمجلد الأول لمدينة العقاد عن المرأة فى رأى المعرى والعقاد .