الجرائم الرياضية.. الإضرار العمدي باستخدام أشعة الليزر
مقال للدكتور أحمد عبد الظاهر – أستاذ القانون الجنائي بجامعة القاهرة
في يوم الثلاثاء الموافق التاسع والعشرين من مارس 2022م، وفي تمام الساعة الثالثة عصراً، حظيت بشرف إلقاء محاضرة بمركز الإمارات للتحكيم الرياضي، تحت عنوان «الأساليب القانونية في صياغة حكم التحكيم في المنازعات الرياضية»، حيث حضرها أكثر من أربعين من المحامين وغيرهم من الخبراء المتقدمين لدورة الموفقين والمحكمين – الدفعة الثانية، وذلك بغرض تأهيلهم للعمل موفقين ومحكمين بالمركز.
وقد شاءت الصدفة المحضة وحدها أن يتزامن موعد انعقاد المحاضرة مع اليوم الذي جرت فيه مباريات الإياب لتحديد المنتخبات الوطنية الخمسة المتأهلة عن قارة أفريقيا لنهائيات كأس العالم التي تقام في قطر صيف العام 2022م. وغني عن البيان أن إحدى هذه المباريات قد شهدت أحداثاً مؤسفة لا تمت إلى الرياضة بصلة، ونعني بذلك المباراة التي جرت بين منتخبي مصر والسنغال. ولم يقتصر الأمر عند هذا الحد، وإنما شهدت أيضاً مباراة نيجيريا وغانا المقامة في لاجوس أحداث شغب مؤسفة. وكانت قد سبقتها بأيام قليلة أحداث الشغب التي جرت على أرض جمهورية الكونغو الديمقراطية، بمناسبة مباراة الذهاب للتصفيات النهائية المؤهلة لكأس العالم، والمقامة بين فريقها الوطني وبين المنتخب المغربي الشقيق. ولا يفوتنا أيضاً المباراة المقامة بين منتخبي الجزائر والكاميرون، والتي أقيمت على ملعب الشهيد «مصطفى شاكر» بالبليدة، وما تضمنته من أخطاء تحكيمية فادحة للحكم الجامبي المثير للجدل، «بكاري جاساما»، والتي استدعت غضباً عارماً من الوسط الرياضي الجزائري. ومن ثم، فإن الأمر يحتاج إلى اتخاذ إجراءات حازمة من الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) ومن الاتحاد الأفريقي لكرة القدم (الكاف)، حتى لا تتفاقم مثل هذه السلوكيات والأحداث.
وفيما يتعلق بمباراة المنتخبين المصري والسنغالي، على وجه الخصوص، فقد تم استهداف لاعبي المنتخب الوطني بالليزر، حيث شهدت هذه المباراة استخداماً لنوع معين من أقلام الليزر مختلف تماماً عن الليزر المستخدم في المباريات الأخرى، وبطريقة مختلفة ومغايرة لما حدث في غيرها من المباريات، إذ إن الجمهور السنغالي كان في نفس المستوى الأفقي للاعبين، وكان يوجه الليزر على أعين اللاعبين بشكل مباشر، كما لو كان يسدد عليها. ولعل جميع المشاهدين قد رأوا بأم أعينهم تسليط شعاع الليزر في وجه محمد صلاح ورفاقه في ملعب عبد الله واد، ولاسيما أثناء تسديد ركلات الترجيح. وبالإضافة إلى ذلك، فقد شاهد الملايين عبر شاشات التليفزيون في العديد من دول العالم التصرفات الهزلية التي بدرت من جماهير السنغال، وهي إلقاء الزجاجات. ولذلك، كان من الطبيعي أن تبرز وسائل الإعلام العالمية هذه الأحداث المؤسفة في صدر صفحاتها أو نشراتها الإخبارية.
وإزاء هذه الأحداث، وبسبب ما بدر من الأحداث المؤسفة والتجاوزات والرعب الذي تعرض له اللاعبين طيلة زمن المباراة الممتد لمائة وعشرين دقيقة، وما سبقها من اعتداءات على حافلة المنتخب وإساءات للاعبين، كان من الطبيعي أن يتقدم الاتحاد المصري لكرة القدم، بشكوى رسمية إلى الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا)، مطالباً بإعادة المباراة. وفي المقابل، أكد البعض أن ما حدث في مباراة مصر والسنغال يمكن أن يؤدي فحسب إلى توقيع عقوبات مغلظة ضد السنغال، وليس من المرجح أن يتم إعادة المباراة، مستشهدين ومبررين رأيهم بأنه لم يتم إعادة مباراة من قبل بسبب مثل هذه الأمور. وهكذا، ووفقاً لأنصار هذا الرأي، فإن من الصعب أن يتم إعادة المباراة، لكن سيتم إصدار قرارات صارمة ضد الاتحاد السنغالي لكرة القدم، وضد المنتخب السنغالي، بتوقيع عقوبات مالية بجانب عقوبة الحرمان من الجمهور للمنتخب السنغالي خلال تصفيات أمم أفريقيا المؤهلة لكوت ديفوار 2023م. فمن واقع الخبرة المستمدة من الوقائع السابقة، فإن من الصعب إعادة تلك المباراة من جانب الاتحاد الدولي لكرة القدم، إلا في حالة وحيدة فقط، وهي أن يكتب في تقرير حكم المباراة والمراقب أن هناك العديد من الأمور السلبية وقعت، أثرت على سير المباراة بالسلب في أثناء سير المواجهة داخل أرض الميدان، وقتها فقط قد تعاد المباراة». ويبدو أن هذا الاحتمال، وهو صدور القرار بعقوبات تأديبية دون أن يصل الأمر إلى إعادة المباراة، لا يجد قبولاً من الاتحاد المصري لكرة القدم، حيث أكد البعض أن قرارات لجنة الانضباط ستكون بداية فقط لخطوات التصعيد التي سيتم اتخاذها لاحقاً، ومنها اللجوء إلى محكمة التحكيم الرياضي (كاس).
ولإظهار وجه الحقيقة والوقوف على الرأي السديد في هذا الشأن، نرى من الملائم أن نسرد أولاً أهم حوادث الاستخدام السيء لليزر في ملاعب كرة القدم، مع بيان الإجراء أو التدبير المتخذ من الاتحاد الدولي في مواجهتها. ثم نبرز بعض الاستخدامات السيئة الأخرى لليزر خارج الملاعب الرياضية، والتدابير التي تتخذها السلطات إزاءها. ثم نحاول بعد ذلك بيان الآثار الضارة لليزر على شبكة العين. ونقوم أخيراً ببيان الأحكام القانونية ذات الصلة بالموضوع.
أهم حوادث الاستخدام الضار لليزر في ملاعب كرة القدم
في السادس والعشرين من شهر يونيو عام 2014م، وخلال مباريات كأس العالم المقامة بالبرازيل، وتحديداً في المباراة التي جرت بين فريقي الجزائر وروسيا، وانتهت بالتعادل بهدف لمثله، جاء هدف التعادل للمنتخب الجزائري في الدقيقة الستين من زمن المباراة، من هدف رأسي أحرزه اللاعب إسلام سليمان في الجزء الخلفي من شباك المرمى للحارس الروسي «إيجور أكينفييف». وقد أثار هذا الهدف جدلاً كبيراً، بسبب ما حدث في الفترة التي سبقت لحظة تسجيل الهدف، عندما سدد زميل سليماني في الفريق ركلة حرة، أظهر البث التلفزيوني للمباراة بوضوح شعاع الضوء الأخضر الساطع على وجه حارس المرمى الروسي، والذي ربما تسبب في فقدانه رؤية الكرة لحظة تسجيل الهدف. وبسبب هذا الهدف، خرج المنتخب الروسي من مرحلة دور المجموعات، وفقد بالتالي فرصة الوصول إلى المراحل المتقدمة للبطولة، ليحزم الفريق الروسي حقائبه ويخرج من أكثر المسابقات المرموقة في عالم كرة القدم، والتي تحدث فقط كل أربع سنوات.
وهكذا، وفي تلك الليلة، قام مشجعو المنتخب الجزائري الشقيق في استاد «ارينا دا بيكسادا في كوريتيبا»، البرازيل بتحويل مؤشر الليزر إلى فرصة لتشتيت مثالي لانتباه الحارس الروسي. ولم يتردد الفريق الروسي في إلقاء اللوم على أشعة الليزر بالتسبب في النتيجة التي آلت إليها المباراة، والتي كلفتهم في نهاية المطاف مكانهم في كأس العالم. وفي مقابلة بعد المباراة، قال مدرب الفريق الروسي، فابيو كابيلو، إن «شعاع الليزر أعمى حارس المرمى [أكينفييف]. هناك صور. يمكنك أن ترى ذلك في اللقطات. هذا ليس عذرا، بل هو حقيقة. كان هناك ليزر، وأنا، طيلة حياتي المهنية، لم ولن أختلق أعذاراً لأبرر خسارة أو أحصل على فوز».
وفي هذه الحادثة، لم تكن تقنية مساعد الحكم بالفيديو (VAR) مستخدمة في الملاعب في ذلك الوقت. ولذلك، كان من الصعب مراجعة وتحديد ما إذا كانت تلك الواقعة قد غيرت النتيجة. وبعد ست سنوات من مباراة كأس العالم المثيرة للجدل بين الجزائر وروسيا، لا يزال مشجعو كرة القدم في المدرجات يستخدمون الليزر لإزعاج اللاعبين في الملعب وتشتيت انتباههم.
وفي سنة 2021م، قام الاتحاد الأوروبي لكرة القدم (اليويفا) بتوقيع غرامة مقدارها ثلاثين ألف يورو على الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم، بعد أن صوب مشجعوه أشعة الليزر على حارس مرمى الدنمارك، كاسبر شمايكل، أثناء محاولته إنقاذ ركلة جزاء خلال بطولة أوروبا 2020م، والتي أقيمت بعد عام تقريباً من الموعد المحدد لها أصلاً، وذلك بسبب ظروف جائحة كورونا.
وفي شهر فبراير 2022م، وفي إحدى مباريات الدوري الأوروبي، بين نابولي وبرشلونة، شوهد أحد المشجعين موجهاً ليزراً أخضراً مباشرة إلى عيني لاعب برشلونة أرتورو فيدال. ويبدو أن هذه الممارسة قد تحولت إلى توجه استحوذ على دوريات كرة القدم الاحترافية في جميع أنحاء العالم، من البرازيل والمكسيك إلى إيطاليا وإسبانيا.
كذلك، يمكن القول إن هذا الاتجاه شائع في العديد من بطولات كرة القدم، بما في ذلك دوري أبطال أوروبا، حيث تم استهداف ليونيل ميسي وكريستيانو رونالدو في مناسبات عديدة.
ولا تقتصر هذه الظاهرة على مسابقات كرة القدم فقط، وإنما تمتد إلى غيرها من الرياضات الأخرى، حيث تم رصد مشجعي استخدام الليزر الأخضر أيضًا في دوري كرة السلة الأمريكي (NBA) ودوري البيسبول الأمريكي (NFL).
ومع ذلك، ورغم تعدد الحالات التي تم فيها استخدام الليزر بواسطة الجماهير في الملاعب الرياضية، نادرا ما شوهدت تطلق بمثل هذا المستوى الذي أُطلقت به أضواء الليزر يوم الثلاثاء الموافق التاسع والعشرين من مارس 2022م، خلال مباراة السنغال ومصر في التصفيات النهائية المؤهلة لكأس العالم في قطر. صحيح أنه قد تم وبلا شك استهداف حارس مرمى المنتخب الروسي، «أكينفيف»، كما تم استهداف «أرتورو فيدال» و«ليونيل ميسي» و«كريستيانو رونالدو» في بعض المباريات، بواسطة مؤشرات الليزر من المدرجات. ولكن ما حدث ضد هؤلاء لم يكن حتى جزءاً بسيطاً مما كان على «محمد صلاح» أن يتحمله عندما صعد لتسديد ركلة جزاء خلال مباراة الإياب من تصفيات كأس العالم أمام السنغال. لقد كان شعاع الليزر الذي استهدفه المتفرجون في المدرجات، قوياً للغاية، لدرجة أن صلاح، الذي كان وجهه كله مغطى باللون الأخضر، كان يشبه شخصية من شخصيات الكائنات الخارقة. المهاجم المصري أخطأ الهدف تماماً حيث خسر الفريق المصري أمام السنغال بنتيجة ثلاثة أهداف مقابل هدف، التي تأهلت بالتالي لكأس العالم. ولم تكن هذه هي اللحظة الوحيدة، التي تم فيها استخدام الليزر ضد اللاعبين المصريين، وإنما حاولت الجماهير السنغالية، التي تسللت بأدوات الليزر، تشتيت انتباه اللاعبين الزائرين في كل فرصة ممكنة.
الاستخدامات الضارة لليزر خارج الملاعب الرياضية
ثمة بعض الحوادث التي وقعت في الولايات المتحدة الأمريكية وفي غيرها من الدول، حيث استخدم بعض الأفراد أقلام الليزر على متن الطائرات، مما دفع مكتب التحقيقات الفيدرالي إلى المشاركة في تعقب الجناة. وما قد لا يدركه أولئك الذين لديهم مؤشرات الليزر هو أن الأمر ليس مزاحاً، ويمكن أن تؤدي أفعالهم إلى حوادث خطيرة، سواء كان ذلك في ملعب كرة القدم أو على ارتفاع 30،000 قدم في الهواء، حيث يمكن أن يفقد الطيارون بصرهم للحظات.
ففي السابع والعشرين من يناير 2020م، نشرت وسائل الإعلام أن مقطع فيديو تم التقاطه من طائرة، أظهر أن رجلاً يوجه أشعة ليزر على الطائرات التي تحاول الهبوط في أحد المطارات بولاية فلوريدا الأميركية، قبل أن يحاول استهدافها بأشياء ألقاها في اتجاهها. واستمر تشارلي جيمس تشابمان في توجيه أشعة الليزر القوية باتجاه الطائرات، التي تحاول الهبوط في مطار ساراسوتا-برادينتون الدولي في فلوريدا، بالإضافة إلى طائرة مروحية تابعة لمكتب رئيس الشرطة بمقاطعة ماناتي. ونشر المكتب بيانا أوضح فيه، أن المروحية لاحظت ما يقوم به تشابمان وطلبت من السلطات التدخل ومحاصرة المكان. وأضاف البيان أن رجال الشرطة قاموا بصعق تشابمان، بعد أن هددهم بغرض كان يمسكه يشبه المطرقة. وقال قائد إحدى الطائرات، إن تشابمان وجه أشعة الليزر باتجاه قمرته مباشرة، لافتا إلى أن عينيه تضررت من أشعة الليزر الساطعة. ووجهت السلطات عددا من التهم لتشامان، من بينها الاعتداء على رجل شرطة، وتوجيه أشعة الليزر باتجاه قائد طائرة وتعريضه للإصابة.
وهكذا، فقد تم القبض على أشخاص قاموا بتوجيه أشعة الليزر على الطيارين أثناء ركوب طائرة أو طائرة هليكوبتر، حيث أكد الطيارون أن هذه الأشعة يمكن أن تؤدي إلى تشتيت الانتباه، ولو كان قد تم توجيهها من مسافة بعيدة. وإذا كان التعامل مع مثل هذه الحوادث يتسم بالشدة، فإن التساؤل يثور عن السبب وراء عدم التعامل بالشدة ذاتها في مواجهة أي استخدام ضار لليزر، بما يلحق الضرر والأذى باللاعبين أو بغيرهم من بني الإنسان. فحياة الإنسان وسلامة جسمه تستحق العناية والاهتمام اللازمين، ضد كل اعتداء أو مساس يمكن أن ينال من السير الطبيعي لوظائف أعضاء جسده.
تأثير الليزر على شبكية العين
أقلام الليزر أو مؤشرات الليزر هي أجهزة صغيرة محمولة باليد تنبعث منها أشعة ليزر حادة وضيقة من الضوء المرئي. وهناك نوعان من الليزر؛ الأول أحمر اللون، والثاني أخضر. وعلى الرغم من أن بعض المشجعين قد ينظرون إلى استخدام أقلام الليزر في الملاعب الرياضية على أنها مزحة غير ضارة أو مجرد وسيلة لترجيح كفة فريقهم، دون أن يكون هدفهم الإضرار بالخصم، فإن بعض هذه الأشعة الليزرية قد تحدث أضراراً في العين البشرية، ولاسيما عندما يتعلق الأمر باستخدام الليزر الأخضر. فالليزر ذا اللون الأخضر يخترق درجات أعمق لنسيج الشبكية، وهو ما قد يؤدي إلى حرق في مركز الإبصار أو مركز الشبكية. ويؤكد بعض الأطباء أن أشعة الليزر إذا أصابت مركز الإبصار، فإنها ستؤدي إلى عمى دائم، نتيجة لحرق الخلايا ذات الصلة. وفي أحسن الأحوال، فإن الليزر يؤدي إلى فقدان تركيز وزغللة مؤقتة. إن أكثر الإصابات خطورة هي الثقب البقعي، والكسر في جزء العين المسؤول عن الرؤية المفصلة والمركزية، والفقدان الدائم لهذه الرؤية. وتشمل الإصابات الأخرى النزيف في الشبكية وإعتام عدسة العين. وكل ما سبق يمكن أن يؤثر بشكل دائم على الرؤية أو قد يتطلب تدخلًا جراحياً. وفي بعض الحالات، يمكن أن يكون رد الفعل الطبيعي للعين والنفور الطبيعي (انعطاف الرأس) واقياً، ولكن بالنسبة لبعض أشعة الليزر عالي الطاقة، حتى التعرض اللحظي يمكن أن يكون ضاراً.
وعلى الرغم من أن غالبية أجهزة الليزر الخضراء ليست قوية بما يكفي لإحداث أي ضرر في الرؤية، إلا أن هناك إصدارات رخيصة وغير مرخصة متوافرة في السوق يمكن أن تكون خطيرة بشكل خاص إذا تم توجيهها إلى عيون شخص ما. فوفقاً لدراسة قام بها المعهد الوطني للمعايير والتكنولوجيا، تبين أن من بين 122 مؤشر ليزر تم اختباره في العام 2013م، كان ما يقرب من 90 في المئة من المؤشرات الخضراء غير متوافقة مع لوائح السلامة الفيدرالية الأمريكية.
وفي كتابه المعنون (Laser Bible)، يقول الدكتور والاستشاري الهندسي الأمريكي، صموئيل م. جولدواسر، إن الحد الأقصى القانوني لليزر الأخضر في الولايات المتحدة الأمريكية هو 5 مللي واط (MW)، علماً بأن هذا الحد المسموح به قد يختلف من بلد إلى آخر. وهذا الحد الأقصى، وهو 5000 من الواط، والذي لا يبدو كثيراً، ولكن عندما يكون في شعاع مركز يمكن أن يكون ساطعًا للغاية. وهذه القوة العالية لليزر يمكن أن تشعل الحرائق وتسبب العمى الفوري.
وتزداد خطورة الموضوع، وذلك بالنظر إلى سهولة الوصول إلى الليزر الأخضر، في العديد من الدول، حيث يمكن للأفراد في الولايات المتحدة الأمريكية شراء أقلام الليزر من متاجر التجزئة. ويمكن بالتأكيد شرائها على (eBay)، (Amazon)، وجميع المنافذ الشائعة الأخرى لبيع الخردة.
وتأكيداً لبحث المعهد الوطني للمعايير والتكنولوجيا (NIST)، يقول الدكتور صموئيل غولدواسر إن المشكلة هي أنه في حين أن بعض هذه أشعة الليزر الخضراء التي يتم بيعها قد يتم تصنيفها على أنها 5 مللي واط، إلا أنها في الواقع تصبح أقوى مما هو معلن. ووفقاً لجيمس أورجيل، الذي يدير قناة على اليوتيوب، تسمى «مختبر أكشن» حيث يختبر عليه الليزر عالي الجودة، كان المؤشر المضيء على فيدال خلال لعبة نابولي مقابل برشلونة 1 واط على الأقل أو ربما أعلى، وذلك بناءً على مدى سطوع الشعاع على وجهه من تلك المسافة. وهذا المقدار سيكون حوالي 200 مرة فوق الحد القانوني لأشعة الليزر الخضراء في الولايات المتحدة الأمريكية. ويقول أورجيل، على قناته التعليمية على (YouTube)، والتي يتابعها أكثر من مليوني مشترك: «يمكن أن تؤدي هذه القوة العالية لليزر إلى إشعال الحرائق والتسبب في العمى الفوري من مسافة قريبة». ومع ذلك، فإن الشعاع الأخضر يصبح أقل خطورة كلما ابتعدت عيون اللاعب عنه، كما يشير إلى ذلك. لأن المشجّع الذي وجه الأشعة إلى «فيدال» كان على بعد مئات الأقدام، ولا يعتقد أورجيل أنها كانت قوية بما يكفي للتسبب في أي ضرر مؤقت أو دائم. ومع ذلك، فإن وجود فرصة ضئيلة لإصابة اللاعب يجب أن يكون أكثر من كافٍ لمسؤولي المباراة والمشجعين لأخذ الأمر على محمل الجد.
ووفقاً لموقع الويب (laserpointersafety.com)، يمكن أن تؤذي أشعة الليزر العينين عند توجيهها من مسافة قريبة، تصل إلى بضعة أمتار. ولكن عند تسليط الضوء من المدرجات على لاعب في الملعب، لن يكون الضوء ثابتاً بدرجة كافية للسماح للحرارة الخطيرة بالتراكم في العين. وينطبق هذا على كل من الضوء الأخضر المرئي وضوء الأشعة تحت الحمراء غير المرئي. ومع ذلك، ووفقاً لموقع (laserpointersafety.com)، وحتى عندما يتم توجيه الليزر من مسافة بعيدة، يمكن أن يسبب السطوع تهيجاً. وعلى أقل تقدير، يمكن أن يحدث تأثير مماثل لما يحدث عند التعرض للوهج أو عمى الفلاش القصير، مثلما يحدث عندما ينطفئ فلاش الكاميرا بالقرب من وجه الشخص.
وعلى هذا النحو، قد يعتقد المشجّع أنه يمتلك ليزر قانوني لن يسبب أي ضرر للاعب من على بعد مئات الأقدام، ولكن يمكن أن يأخذ ذلك بسهولة منعطفا للأسوأ إذا كان الجهاز الموجود بيده معيباً أو فائق القوة. ويمكن أن تؤدي هذه الأشعة إلى نتائج كارثية على الشخص الذي يتلقى هذه الأشعة.
حظر أقلام الليزر في «لائحة الانضباط» للاتحاد الأفريقي لكرة القدم
تعليقاً على الأحداث المؤسفة التي شهدتها هذه المباراة، وردت لي رسالة عبر وسائل التواصل الاجتماعي من الصديق العزيز معالي المستشار الجليل أسامة الشاذلي، الرئيس بمحكمة استئناف القاهرة، متسائلاً عن الاستفادة التي يمكن أن تحققها مصر في ضوء مواد لائحة الاتحاد الأفريقي، مشيراً بوجه خاص إلى المادة (83)، والتي تنص على أن «الاتحادات والأندية والمسؤولون الوطنيون مسؤولون عن ضمان عدم تشويه سمعة اللعبة بأي حال من الأحوال من خلال سلوك اللاعبين والمسؤولين والأعضاء والمشجعين والمتفرجين (خاصة باستخدام الأشياء الخطرة أو الليزر) وأي أشخاص آخرين يمارسون وظيفة في المباراة بناء على الاتحاد أو النادي». وتحدد المادة (84) العقوبة المقررة في هذا الشأن، بنصها على أنه «1. ما لم ينص على خلاف ذلك، يعاقب على الانتهاكات بغض النظر عما إذا كانت قد ارتكبت عمداً أو إهمالاً أو عن غير قصد. 2. بشكل استثنائي، قد يتم لعب المباراة بدون متفرجين أو على أرض محايدة، أو قد يتم حظر ملعب معين لأسباب تتعلق بالسلامة فقط، دون حدوث انتهاك».
والواقع أن «أقلام الليزر» قد جرى تصنيفها باعتبارها مادة خطرة بموجب المادة الرابعة من لائحة الانضباط الصادرة عن الاتحاد الأفريقي لكرة القدم. ولم تقتصر الإشارة إلى حظر أقلام الليزر على المادتين (84) و(85) من اللائحة، وإنما ورد النص على هذا الحظر أيضاً في المادة (151) من اللائحة ذاتها، والتي تحدد قواعد الأمن المتعلقة بتنظيم المباريات، بنصها على أن الهيئات الوطنية المنظمة للمباريات ينبغي أن تتخذ الإجراءات الضرورية لضمان سلامة اللاعبين ومسؤولي الفريق الضيف طوال فترة إقامتهم على التراب الوطني، وكذا ضمان النظام في الاستادات وفي محيطها المباشر وكفالة السير الجيد للمباريات. ولم تكتف المادة المذكورة بذلك، وإنما تلقي على الهيئات الوطنية المنظمة للمباريات واجب التحقق والتثبت من أن المواد الخطرة وأقلام الليزر غير مسموح بها في الاستادات ومحيطها بواسطة المشجعين والجمهور.
حظر أقلام الليزر في «لائحة الفيفا بشأن أمن وسلامة الملاعب»
إذا كانت مباريات تصفيات كأس العالم تقام تحت مظلة الفيفا، وليس للكاف علاقة بها، فإن لوائح أمن وسلامة الملاعب الصادرة عن الاتحاد الدولي لكرة القدم تحظر بدورها أقلام الليزر، وذلك في المادتين (7) و(29) منها، كما ورد النص على أقلام الليزر باعتبارها مواد محظورة، وذلك بموجب البند الثاني من ملحق لائحة أمن وسلامة الملاعب.
فوفقاً للمادة السابعة من اللائحة، وتحت عنوان «تقييم مخاطر اللعب»، «1. يقع على عاتق ضابط أمن الملعب المسؤولية عن إعداد تقييم المخاطر لجميع المباريات بما في ذلك أي أنشطة إضافية، مثل حفل الافتتاح أو حفل توزيع الجوائز. ويجب تقديم الملاحظات من قبل السلطات المحلية، وعند الاقتضاء، من السلطات الوطنية وجميع خدمات الطوارئ ذات الصلة، مثل خدمات الإطفاء والطوارئ المدنية والإسعاف.
2. عند تقييم المخاطر، يجب اتباع الخطوات التالية، والتي يجب توثيقها بمجملها: أ) تحديد المخاطر التي قد يتعرض لها المتفرجون وكبار الشخصيات واللاعبون و/ أو المسؤولون أو أي شخص آخر موجود في الملعب. ب) تحديد من قد يتأثر بالمخاطر وكيف. ج) تقييم المخاطر واتخاذ قرار بشأن الاحتياطات الواجب اتخاذها. د) تسجيل النتائج وتنفيذ تدابير للحد من المخاطر و/ أو التخفيف من حدة المخاطر. ه) تقييم ومراجعة التدابير باستمرار وتنقيحها عند الضرورة.
3. ينبغي أن يشمل تقييم المخاطر مراعاة العوامل التالية: أ) التوترات السياسية على المستوى الوطني أو المحلي أو مشجعي الفرق. ب) التهديدات الإرهابية – والتي يجب تحديدها بواسطة السلطات الوطنية والمحلية. ج) أي عداء تاريخي بين الفرق أو أنصارهم. د) احتمالية نفاذ التذاكر لمشجعي الفرق عند وصولهم أو الأرقام المتوقعة للتذاكر المزورة. ه) ضرورة الفصل بين المتفرجين وعدد المجموعات التي تتطلب الفصل. و) وجود مشجعين لديهم تاريخ في استخدام الألعاب النارية أو أي أشياء خطيرة أخرى، بما في ذلك مؤشرات الليزر. ز) احتمالية وجود عبارات أو لافتات أو سلوكيات تنطوي على التمييز العنصري أو العدوان. ح) مخطط وحجم الملعب بما في ذلك أنشطة الراعي والجهات الحاصلة على امتيازات. ط) الحضور المتوقع. ي) مدى معرفة المتفرجين بزوايا الملعب. ك) السلوك المتوقع من المتفرجين، بما في ذلك احتمالية اقتحام ساحة اللعب أو ممارسة العنف أو الوقوف في مناطق الجلوس. ل) معدل التدفق المتوقع عبر نقاط الدخول الخاضعة للرقابة بما في ذلك متطلبات البحث. م) الأنشطة المساعدة، مثل حفل الافتتاح أو الاختتام أو توزيع الجوائز. ن) مرافق الضيافة. س) أوقات ومدة المباراة أو المباريات».
وتحت عنوان «الفحوصات الأمنية»، تنص المادة التاسعة والعشرون من لائحة الفيفا بشأن أمن وسلامة الملاعب على أن «1. يجب إجراء الفحوصات الأمنية على الأشخاص والمركبات عند مداخل المُحيطين الخارجي والداخلي، وكذلك عند نقاط الدخول إلى المناطق غير المفتوحة لعامة الناس. خلال هذه الفحوصات الأمنية، يجب التحقق مما يلي: أ) أن الشخص يملك تذكرة ًصالحةً أو اعتماداً أو أي شكل آخر من أشكال التصاريح الصالحة لدخول الملعب. ب) أن الشخص ليس بحوزته أي أسلحة أو غيرها من المواد المحظورة على النحو المنصوص عليه في مدونة قواعد السلوك الخاصة بالملعب (انظر الملحق ج) والتي لا يجوز إدخالها إلى الملعب، ما لم يكن ذلك مطلوبا من الموظفين المعتمدين والسلطات من أجل أداء واجباتهم الرسمية. ج) أن الشخص ليس بحوزته أي أشياء خطرة أخرى لا يجوز إدخالها إلى الملعب، لأسباب قانونية، بما في ذلك اللافتات العدوانية أو العنصرية وأجهزة الليزر. د) أن الشخص ليس في حوزته أي مشروبات كحولية أو مواد مسكرة أو مخدرات غير مصرح بها وفقًا لما تقرره سلطة الملعب. هـ) ألا يكون الشخص تحت تأثير الكحول أو المسكرات أو المخدرات. و) أن يكون للشخص حق دخول أي مناطق مقيدة أو مناطق خاضعة للرقابة. ز) أن يلتزم الشخص بالشروط العامة لبيع التذاكر ولوائح البيع وقواعد السلوك في الملعب.
2. يجوز أن يخضع شخص ما لتفتيش بدني كامل و/ أو لممتلكاته عند نقاط التفتيش الأمنية.
3. يجب أن تخضع كل المركبات التي تدخل المحيط الخارجي للملعب للمراقبة الأمنية والتفتيش. يستحسن أن يتم ذلك في منشأة تفتيش مُنعزلة تقع على بُعد مسافة آمنة مناسبة من الملعب. يجب تحديد مكان وموقع أي مرافق تفتيش معزولة من خلال تقييم للمخاطر تجريه الشرطة/ السلطة المختصة.
4. يتم التحقق من هوية الشخص الذي يدخل الملعب مُستخدماً الاعتماد بمقارنة الصورة الموجودة على شارته. يتم أيضًا التأكد من امتيازات الدخول إلى الملعب وإلى أقسامه المختلفة. الاعتماد ليس دليلاً على الهوية وقد يُطلب من الأشخاص المعتمدين تقديم دليل بديل مقبول يُثبت الهوية قبل منح حق الدخول.
5. بينما لا يجوز لمشرفي الانضباط تنفيذ عمليات تفتيش إجبارية في نقاط دخول الملعب، إلا أن أي شخص يقاوم عمليات التفتيش يُمنع من دخول الملعب.
6. إذا تم العثور على أي مواد محظورة أو خطرة أخرى أثناء التفتيش، يجب تسليمها إلى الشرطة أو تخزينها في منشأة مناسبة حتى يحين الوقت الذي يمكن التخلص منها بشكل صحيح.
7. إذا تنازل شخص عن حقه في ملكية وحيازة شيء يُمنع إدخاله إلى الملعب ولم يكن عرضة للحجز لدى الشرطة لعدم ارتكاب أي جريمة جزائية، وجب الاحتفاظ بالشيء المحجوز في مكان آمن إلى أن يحين الوقت الذي يمكن التخلص منه بشكل صحيح.
8. إذا ثبت أثناء التفتيش الأمني أن الشخص تحت تأثير الكحول أو أي مواد مسكرة أو مخدرات، وجب رفض دخول هذا الشخص إلى الملعب».
ويقع على عاتق حكام المباريات الالتزام بكفالة سلامة اللاعبين والأجهزة الفنية والإدارية أثناء المباريات. فإذا حدث انتهاك أو إخلال بالقواعد سالفة الذكر، نرى من الضروري إعادة المباراة على ملعب محايد، لاسيما إذا كان الإخلال أو الانتهاك قد أثر ولو بشكل غير مباشر على نتيجة المباراة. فلا يجوز أن يستفيد الفريق المضيف من أخطاء جماهيره ومسؤوليه. وإذا كان الاتجاه السائد حالياً في وسائل الإعلام وبين مسؤولي الاتحادين الدولي والأفريقي لكرة القدم يستبعد إعادة المباراة، مؤكداً أن الأمر قاصر على توقيع بعض الغرامات أو الحرمان من حضور الجماهير بعض المباريات، فإننا نذكرهم بما حدث سابقاً من إعادة مباراة مصر وزيمبابوي لمجرد إلقاء طوبة على ملعب المباراة.
وهكذا، وكما هو مذكور في لوائح الفيفا بشأن أمن وسلامة الملاعب، تعتبر مؤشرات الليزر عناصر محظورة من قبل الاتحاد الدولي لكرة القدم، وينبغي بالتالي مصادرتها متى تم ضبطها عندما يتم تفتيش المشجعين في محيط الاستاد الخارجي. وعندما تقع الحوادث ضمن النطاق المعمول به في لائحة الانضباط الصادرة عن بالفيفا، يمكن اتخاذ تدابير تأديبية بناءً على الفقرة الثانية من المادة السادسة عشرة، والتي تنص على أن الفرق مسؤولة عن السلوك غير اللائق من مشجعيها وقد يخضعون لتدابير تأديبية إذا أظهروا أي إهمال في وقف «استخدام مؤشرات الليزر أو الأجهزة الإلكترونية المماثلة».
ومع ذلك، وبصرف النظر عن الحظر المفروض بالفعل على الليزر، لم يعلن الاتحاد الدولي لكرة القدم عن الإجراءات التي يمكن أن يتخذها للتخفيف من هذه المشكلة في الملاعب في جميع أنحاء العالم، لأنه من الواضح أن المشجعين لديهم طريقتهم معهم. ولذلك، وفي ظل الوضع الحالي، يبدو أن الفيفا يكتفي بأن كل المسؤولية على عاتق النوادي لمصادرة هذه الليزر من المشجعين، ولكن نادراً ما نرى ايقافا لمباراة عندما يتم رصد شخص ما في المدرجات يضيء شعاعاً قوياً من الضوء الأخضر على وجه اللاعب. ولسوء الحظ، لا يبدو أن أي شيء سيتغير حتى يلحق الأذى فعلاً بشخص أو لاعب ما، ولاسيما إذا كان هذا اللاعب من أحد المنتخبات أو إحدى الأندية الكبيرة في عالم اللعبة.
تسليط أشعة الليزر على عيون اللاعبين يندرج تحت جرائم المساس بسلامة الجسم
بالإضافة إلى ما سبق، فإن إجماع التشريعات الجنائية المعاصرة في دول العالم كافة منعقد على تجريم الجرح والضرب وإعطاء المواد الضارة. ولا مراء في أن تسليط أشعة الليزر على عيون اللاعبين يتحقق به معنى المساس بسلامة جسم الغير، ويندرج بالتالي تحت طائلة التجريم.