الثمن التافه والثمن البخس

بقلم / يوسف أمين حمدان المحامي

نلاحظ في هذه الأيام اشتراط البائع في عقد البيع كتابة مبلغ أقل بكثير من الثمن المتفق عليه والمدفوع حقيقة نظرا لخفض قيمة ضريبة التصرفات العقارية، فهل موافقة المشتري على ذلك يعود عليه بالضرر؟

للإجابة على هذا التساؤل ينبغي أن نحيط إلى الثمن من حيث التعريف والفرق بين الثمن التافه والثمن البخس والذي يستغل أي منهما البائع للطعن في العقد.

الثمن: هو ركن من أركان عقد البيع وهو عبارة عن مبلغ نقدي يلتزم المشتري بدفعه للبائع مقابل نقل ملكية الحق المبيع إليه.

والثمن التافه: هو الثمن القليل جدا بحيث أن عدم تناسبه مع قيمة المبيع تصل حدا يبعث الاعتقاد بأن البائع لم يتعاقد للحصول عليه وإن كان قد حصل عليه فعلا، كما لو باع شخص عقارا قيمته مليون جنيها بخمسين ألف جنيها!.

في هذه الحالة يكون البيع باطلا لتخلّف التزام المشتري بدفع الثمن، لأن الثمن التافه بحكم المعدوم، فمثل هذا العقد يكون ناقصا ركنا من أركانه وهو الثمن.

ولمحكمة النقض أحكام كثيرة في ذلك، حيث قضت في الطعن رقم ٤٩٥ لسنة ٧٦ ق جلسة ٢٠١٣/٥/١٢ بأن “إذ كان البين من الحكم المطعون فيه أنه أقام قضاءه بصورية عقد البيع الصادر من مورث المطعون ضدهم الأربعة الأوائل إلى الطاعنين المؤرخ ٢٠٠٠/٧/١٣م والمسجل رقم ١٤٩١ لسنة ٢٠٠٠م توثيق الأزبكية صورية نسبية يأخذ حكم الوصية فلا ينفذ في حق المطعون ضدهم إلا في حدود ثلث تركة البائع، على ما ذهب إليه من تفاهة الثمن المسمى بالعقد مستندا في ذلك إلى عدم تناسبه مع قيمة العقار الحقيقية ومستدلا عليه بالفرق بين هذا الثمن والثمن الذي باع به الطاعنان العقار إلى آخر في وقت لاحق بتاريخ ٢٠٠٤/٩/٢٧م وفضلا عن أن الحكم قصر في إعمال سلطته في تقدير أثر هذا الفرق الزمني بين البيعين على قيمة العقار، فإن عدم تناسب الثمن مع قيمة العقار وقت البيع “ولو كان بخسا” لا يجعل الثمن تافها ولا يمنع من تنجيز العقد كما سلف بيانه فإن الحكم بذلك يكون فضلا عن مخالفته للقانون معيبا بالقصور في التسبيب والفساد في الاستدلال”.

فأما الثمن البخس: هو الثمن الذي لا يتناسب مع قيمة المبيع بدرجة يلحق بالبائع غبنا فاحشا دون أن يكون ثمنا تافها.

فالثمن البخس، خلافا للثمن الصوري والثمن التافِه،

ثمن جدّى كان الحصول عليه هو الباعث الدافع للبائع على التزام بنقل ملكية المبيع إلى المشتري، وهو لذلك يكفي لانعقاد البيع.

ومثل ذلك أن يكون قيمة العقار مليون جنيها فيبيعه البائع بخمسمائة ألف جنيها.

ولمحكمة النقض أحكام كثيرة في ذلك، حيث قضت في الطعن رقم ٩٦ لسنة ١٨ ق جلسة ١٩٥١/٢/٨ بأن “لا يشترط أن يكون المقابل في عقد البيع -الثمن- متكافئا مع قيمة المبيع بل كل ما يشترط فيه ألا يكون تافها، فالثمن البخس يصلح مقابلا لالتزامات البائع والدعاء هذا الأخير بأنه باع بما دون القيمة على علم منه بذلك تخلصا من تعرض الغير له في الأطيان المبيعة وعجزه عن تسليمها لا يكفي لإبطال البيع إلا أن يكون قد شاب رضاءه إكراه مفسد له”.

ويثَار التساؤل: هل يجيز الثمن البخس للبائع الطعن في العقد؟

فالأصل لا يجوز ولكن يوجد استثناءان

أولهما حالة بيع العقار لشخص لا تتوافر فيه الأهلية وفقا لنص المادة ٤٢٥ من القانون المدني حيث تنص على أنه “إذا بيع عقار مملوكا لشخص لا تتوافر فيه الأهلية وكان في البيع غبن يزيد على الخمس، فللبائع أن يطلب تكملة الثمن إلى أربعة أخماس ثمن المثل، ويجب لتقدير ما إذا كان الغبن يزيد على الخمس أن يقوم العقار بحسب قيمته وقت البيع”.

والاستثناء الآخر حالة الاستغلال وفقا لنص المادة ١/١٢٩ من القانون المدني حيث تنص على أنه “إذا كانت التزامات أحد المتعاقدين لا تتعادل البتة مع ما حصل عليه هذا المتعاقد من فائدة بموجب العقد أو مع التزامات المتعاقد الآخر، وتبين أن المتعاقد المغبون لم يبرم العقد إلا لأن المتعاقد الآخر قد استغلّ فيه طيشا بينا أو هوى جامحا، جاز للقاضي بناء على طلب المتعاقد المغبون أن يبطل العقد أو أن ينقص التزامات هذا المتعاقد”.

فقضت محكمة النقض في ذلك الأمر في الطعن رقم ٤٩٥ لسنة ٧٦ ق جلسة ٢٠١٣/٥/١٢م بأن “الثمن البخس في عقد البيع فهو الذي يقل كثيرا عن قيمة المبيع ولكنه ثمن جدي قصد البائع أن يتقاضاه، وهو بهذا الوصف لا يمنع من صحة البيع واقعا على عقار وصادرا من غير ذي أهلية وكان فيه غبن يزيد على الخمس فللبائع أن يطلب تكملة الثمن إلى أربعة أخماس ثمن المثل طبقا للمادة ٤٢٥ من القانون المدني، ذلك أنه لا يشترط أن يكون المقابل في العقد البيع متكافئا مع قيمة المبيع، بل كل ما يشترط فيه ألا يكون تافها، فالثمن البخس يصلح مقابل لالتزامات البائع”.

فبناء على ذلك موافقة الطرف الثاني المشتري على كتابة ثمن أقل من الثمن المتفق عليه والمدفوع حقيقة فيه ضررا بالغًا عليه، سواء كان ثمنًا تافهاََ يبطل العقد لفقد ركن من أركانه وهو انعدام الثمن، أو كان ثمن بخث يبطل العقد ويرد الثمن المكتوب في العقد، مما يؤدى إلى خسارة المشتري حقّه وهو المبلغ المدفوع ويسترد الثمن المكتوب الأقل قيمة.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى