التعديلات المقترحة لقانون المحكمة الدستورية العليا (1)
بقلم/ محمد شعبان
طالعتنا الصحف في الآونة الأخيرة بخبر تقدم الحكومة إلى مجلس النواب بمشروع قانون بتعديل بعض أحكام قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979. وقد جاء مشروع القانون المقترح متضمناً النص على إضافة مادتين جديدتين إلى قانون المحكمة الدستورية العليا وهما المادتين) 37 مكرر) و(33 مكرر)؛ حيث جاء نص المادة (37 مكررا) من المشروع لينص على أن تتولي المحكمة الدستورية العليا الرقابة على دستورية قرارات المنظمات والهيئات الدولية وأحكام المحاكم وهيئات التحكيم الأجنبية المطلوب تنفيذها في مواجهة الدولة. وتضمنت المادة (33 مكررا) منه النص على أحقية رئيس مجلس الوزراء أن يطلب من المحكمة الدستورية العليا الحكم بعدم الاعتداد بالقرارات والأحكام المشار إليها في المادة (37 مكررا) أو الالتزامات المترتبة علي تنفيذها، ويختصم في الطلب كل ذي شأن ويرفق به صورة مبلغه للقرار أو الحكم المطلوب عدم الاعتداد به وترجمة معتمدة له، ويجب أن ييبن في الطلب النص أو الحكم الدستوري المدعي بمخالفته ووجه المخالفة وتفصل المحكمة في الطلب علي وجه السرعه. وقد تداولت الصحف كذلك نبأ عرض هذا المشروع على الجمعية العامة للمحكمة الدستورية العليا، والتي وافقت عليه بإجماع أراء أعضائها.
وقد أثار هذا المشروع جدلاً واسعاً في الأوساط القانونية، ما رأى معه – كاتب هذه السطور- التصدي له بالدراسة والتحليل والنقد، حتى يبين وجه الرأي فيه من وجهة نظره وفي حدود ما توافر له من خبرات قانونية وعلمية، وعلى ضوء ما هو مقرر في دراسات القانون الدولي العام والخاص.
وفي هذا المقال سنقتصر بالتعليق على فكرة الرقابة القضائية على دستورية قرارات المنظمات والهيئات الدولية المطلوب تنفيذها في مواجهة الدولة المصرية، لنرجئ الحديث عن فكرة الرقابة القضائية على دستورية أحكام المحاكم وهيئات التحكيم الأجنبية في مقال لاحق.
ونستهل الحديث في هذا المقال بالتأكيد على أهمية وقيمة المحكمة الدستورية العليا في النسق الدستوري للدولة المصرية، فهذه المحكمة تربعت على عرض القضاء الدستوري ليس في مصر فحسب وإنما في المنطقة العربية بأكملها وذلك بما سطرته – وماتزال تسطره – أحكامها التي أرست العديد من المبادئ الدستورية التي استقرت في الوجدان القانوني المصري والعربي، والتي كان لها أبلغ الأثر في مجال توجيه السياسة التشريعة في مصر والوطن العربي، على نحو يضمن مواكبة التطور الحضاري والقانوني للأمم المتمدينة، وبما يضمن الوفاء بالإلتزامات الدولية للدولة المصرية على صعيد ضمان أكبر قدر ممكن من الحماية للحقوق والحريات والتي لا قيام للدول الديمقراطية في مفهومها الحديث إلا بكفالة احترامها وصيانتها من أي اعتداء من شأنه أن يقيد منها دون مبرر أو يفرغها من مضمونها من خلال إقرار تشريعات مكبلة أو معطلة لها.
ووفقاً لهذا النظر جاء نقدنا للمشروع المقترح والذي تلاحظ فيه أن في ظاهره الرحمة وفي باطنه العذاب؛ فإذا كان في ظاهره أنه يمنح المحكمة الدستورية العليا اختصاصات جديدة تتفق وموقعها بين جهات القضاء في الدولة وكونها تأتي على قمة هرم السلطة القضائية في النظام الدستوري المصري، بالنظر إلى جسامة الدور الذي تقوم به من رقابة على دستورية القوانين واللوائح وتفسيرها والفصل في منازعات التنفيذ التي تثور بشأن أي حكم من الأحكام الصادرة منها. إلا أن هذا المشروع وما تضمنه من تعديلات مقترحة من شأنه أن يخرج المحكمة الدستورية العليا عن الدور الدستوري المرسوم لها والذي تباشر من خلاله رقابتها القضائية على دستورية القوانين واللوائح لضمان احترام الدستور وسموه على بقية القواعد القانونية، وهي إذ تباشر هذا الاختصاص فإنها تباشره من منظور قضائي وليس سياسي؛ فالرقابة على دستورية القوانين وفقاً لنظامنا الدستوري المصري هي رقابة قضائية وليست رقابة سياسية على غرار ما هو متبع في فرنسا من جعل الرقابة من اختصاص المجلس الدستوري والذي يخلو تشكيله من “قضاة” تنعقد لهم ولاية القضاء، وإنما يشكل من أشخاص يتم اختيارهم على نحو يختلف كل الاختلاف عن اختيار أعضاء جهات القضاء، وهذه الرقابة السياسية للمجلس الدستوري الفرنسي الذي يباشرها لبحث مدى دستورية القوانين، يباشرها في الغالب الأعم من الأحوال بصورة سابقة على إصدار القانون، بحيث لا يصدر القانون إلا بعد الفصل في مدى دستوريته من عدمه، وهو الأمر الذي يختلف كل الاختلاف عما هو عليه الحال في نظامنا الدستوري المصري، الذي أخذ بنظام الرقابة القضائية اللاحقة على دستورية القوانين، والتي عهد بها إلى محكمة عليا مشكلة على نحو قانوني معين من رجال قانون، ينتمي أغلبهم إلى أعضاء الجهات أو الهيئات القضائية، ويتم اختيارهم بعناية فائقة تتفق والدور المعهود إليهم به، وهو التحقق من مدى تطابق القانون – بمفهومه العام – أم عدم تطابقه مع أحكام الدستورمن ناحية قانونية، وما يستلزمه ذلك في هؤلاء الأعضاء من حياد وموضوعية واستقلال لازمين لمن يولى القضاء، وما تفرضه عليهم هذه الوظيفة من كفالة حرية وحق التقاضي سعياً لتحقيق الانصاف لمن يلجأ إلى باب هذه المحكمة.
ووجه النقد في هذا المقام فيما نص عليه المشروع من منح المحكمة الدستورية العليا اختصاص لممارسة الرقابة القضائية على دستورية قرارات المنظمات والهيئات الدولية وأحكام المحاكم وهيئات التحكيم الأجنبية المطلوب تنفيذها في مواجهة الدولة!!.
فالمتعارف عليه في إطار قواعد التنظيم الدولى أنه يقوم بالأساس على فكرة سيادة الدولة، وما يترتب على ذلك من إشكاليات متعلقة بضعف القوة الإلزامية لقواعد القانون الدولي العام. فالدول بوصفها أحد أشخاص القانون الدولي العام والمخاطبة بأحكامه لا تعلوها سلطة تحكمها وتحملها على الإلتزام بقواعد هذا القانون، وإنما يأتي هذا الإلزام من إرادة الدول ذاتها؛ فمتى عبرت الدولة عن إرادتها في الدخول في اتفاق دولي أياً كانت طبيعته – شارعاً أو تعاقدياً – كان عليها التزام باحترام هذا الإتفاق وعدم الخروج على أحكامه وتنفيذه بحسن نية، سيما وأنها لا توافق عليه أو تنضم إليه إلا بعد استيفاء الإجراءات الدستورية المقررة على الصعيد القانون الداخلي لكل دولة، والتي تستوجب – بحسب غالبية الدساتير المقارنة- عرض الإتفاقيات الدولية على البرلمانات لإقرارها والموافقة عليها قبل التصديق عليها من رئيس الدولة والممثل لسيادتها في المجتمع الدولي، ومن ثم فمتى تم استيفاء هذه الإجراءات صار هذا الإتفاق الدولي ملزماً للدولة، واعتبر قانون من قوانينها، ولا يمكن اتخاذ القانون الداخلي حجة لنقض هذه القوة الملزمة والإخفاق في تنفيذ الإتفاق الدولي، ولا يسوغ قبول فكرة تنصل الدولة من التزامها الناشئ عن الإتفاق الدولي إلا وفقاً للأحكام والطرق المرسومة في قواعد القانون الدولي العام.
ويترتب على ما سبق عدة نتائج هامة؛ أولها: أنه لا يسوغ – وفقاً للإعتبارات السائدة في القانون الدولي العام – قبول فكرة أن يصدر قرار من منظمة أو هيئة دولية ملزم لدولة من الدول رغماً عن إرادتها، أو دون أن يكون إرادة هذه الدولة قد اتجهت إلى الالتزام بهذا القرار وفق مشيئتها، وبعد استيفاء الإجراءات السياسية والدستورية المقررة وفقاً لقانونها الداخلي. ثانيها: أنه لا يسوغ كذلك فكرة تنصل الدولة عن التزامها الدولي الذي قبلت به بعد استيفاء الإجراءات السياسية المقررة، وذلك عبر استصدار قرار قضائي من إحدى محاكمها تتساند إليه للتخلص من عبء هذا الإلتزام، فالأمر ليس بهذه السهولة، ففضلاً عن أن هذه المسألة تخرج عن ولاية القضاء الداخلي وتدخل في اختصاص القضاء الدولي كمحكمة العدل الدولية أو هيئات التحكيم الدولية، فإن من شأن تحصن الدولة بقضاء داخلي برقابة الإتفاق الدولي أو القرارات الصادرة تنفيذاً له للتنصل من التزاماتها الدولية، أن يرتب آثار سياسية شديدة الخطورة، قد تصل إلى وضع الدولة في قائمة الدول المنتهكة لأحكام قانون الدولي وهو ما قد يفرض عليها عزله دولية يكون لها أبعادها الاقتصادية والسياسية الخطيرة.
وعليه فإن عقد الاختصاص للمحكمة الدستورية العليا – بموجب المشروع المقترح – بفرض رقابتها القضائية على قرارات المنظمات والهيئات الدولية ذات الطابع السياسي – بحسب الأصل – يفرض ظلالاً من الغموض على الدور المنوط بالمحكمة الدستورية العليا. فهذا التعديل المقترح من شأنه أن يضيف اختصاص ذا طابع سياسي إلى الإختصاصات القضائية المقررة للمحكمة، وهو تغير جوهري وجذري على صعيد السياسة التشريعية التي رسمت الإطار الثقافي والفلسفي لهذه المحكمة والتي بحكم تشكيلها وتكوينها من رجال القانون والقضاء البعيدين كل البعد عن العمل السياسي والإعتبارات التي يقوم عليها. هذا فضلاً عن أن عدم دقة عبارة (قرارات المنظمات والهيئات الدولية المطلوب تنفيذها في مواجهة الدولة) من شأنه أن يثير إشكاليات عديدة على صعيد ممارسة الرقابة القضائية على دستورية هذه القرارات !!. فماهي طبيعة القرارات الصادرة عن المنظمات والهيئات الدولية والمطلوب تنفيذها في مواجهة الدولة؟ فهل المقصود بها قرارات مجلس الأمن -على سبيل المثال بوصفه أحد أجهزة الأمم المتحدة – وذلك عندما يطبق أحكام الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة؟ فيكاد يكون هو الجهاز الدولي الوحيد صاحب القرارات الملزمة، ومع ذلك فإن التنصل من التزامه لا ينبغي أن يكون بالتحصن وراء إحدى جهات القضاء الداخلي (كالمحكمة الدستورية العليا) وإنما يكون ذلك بالوسائل السياسية والدبلوماسية التي تتبلور فيها مكانة الدولة في المجتمع الدولي، والتي قد تجبر هذه المنظمة أو الهيئة الدولية إلى التراجع عن قرارها. وإذا كان المقصود بالهيئة الدولية على سبيل المثال محكمة العدل الدولية، فهذه المحكمة بما تصدره من قرارات قضائية، لا تباشر ولايتها القضائية بإزاء نزاع معين إلا إذا كانت الدولة الطرف في هذا النزاع، قبلت ولاية هذه المحكمة للفصل في هذا النزاع، وبالتطبيق على مصر فإنه إذا ما صدر قرار قضائي من هذه المحكمة في نزاع تكون الدولة المصرية طرفاً فيه، فذلك معناه أن الدولة المصرية قبلت مسبقاً ولاية المحكمة على هذا النزاع، سواء كان قبولها بتصريح مستقل بمناسبة عرض النزاع، أو كان ذلك بناء على تضمين هذا القبول في اتفاقية دولية وقعت عليها الدولة المصرية، ومتى قبلت الدولة هذه الولاية القضائية لمحكمة العدل الدولية بأي صورة كانت، وفصلت المحكمة في النزاع المعروض عليها بناء على ذلك، فإن حكمها في هذه الحالة يكون ملزماً، ويتعين على الدولة – وفقاً لأحكام المادة 94 من ميثاق الأمم المتحدة- أن تنزل عليه، وفي حالة الامتناع فللطرف الآخر أن يلجأ إلى مجلس الأمن، والذي له أن يقدم توصياته أو يصدر قراراته بالتدابير التي يجب اتخاذها لتنفيذ هذا الحكم، وفي جميع الأحوال فإن تسوية المشكلات الناشئة عن ذلك، حتماً لن يكون بسلوك طريق التحصن وراء حكم يصدر من القضاء الداخلي ان فرض – جدلاً- وصدر هذا الحكم، وإنما التعامل مع هذه القضية يستوجب اتخاذ إجراءات سياسية على الصعيد الدبلوماسي، ولا ينبغي إقحام القضاء في مثل هذه القضايا.
ولا ينبغي التحدي بما جاء بالمذكرة الإيضاحية للمشروع المقترح – والتي تسنى الاطلاع عليها من خلال ما تداولت بوابة الأهرام- من أن الغاية التي استدعت الحكومة لإعداد هذا المشروع، هي ما قالت عنه أن هذه التعديلات المقترحة تهدف إلي إتاحة المجال أمام الدولة للتعامل الإيجابي وفقا للمصالح الوطنية وفي إطار من الدستور والقانون مع أي من القرارات الدولية التي تؤثر علي أمنها القومي!!!. فالدفاع عن الأمن القومي له مساراته الشرعية والمؤسسية التي ينبغي أن تتبع، من خلال قيام كل جهاز من أجهزة الدولة بالدور المنوط به والمتفق مع طبيعة العمل به، فلا ينبغي إقحام القضاء الداخلي في مسائل السياسة الدولية بدعوى الحفاظ على الأمن القومي!! والسؤال الذي يطرح نفسه على بساط البحث : إذا كان الأمر متعلق بالأمن القومي فما هو دور البرلمان بغرفتيه ولجانه في التصدي لأي خطر يحدق بالأمن القومي من جانب الإتفاقات الدولية؟ فحماية الأمن القومي تكون ابتداء برفض البرلمان للإتفاق أو الانضمام إليه؟ ويأتي من بعد ذلك دور رئيس الدولة الحارس الطبيعي للأمن القومي للدولة والمعبر عن مصالحها وسيادتها، إذ بهذه المسئولية يقع عليه عاتق رفض التصديق على أي اتفاق دولي من شأنه أن يمس الأمن القومي قبل عرضه على الجهات المختصة كمجلس الدفاع الوطني أو مجلس الأمن القومي. كما أن وزارة الخارجية بدورها الذي تؤديه في رسم السياسة العامة للعلاقات الدولية، من المفترض أن تكون ملمة بأبعاد الأمن القومي قبل توقيع ممثلها على أي اتفاق دولي متى كان مفوضاً في ذلك، وعلاوة على ما سبق فقد جعل المشرع في قانون مجلس الدولة الصادر بالقرار بقانون رقم 47 لسنة 1972 اختصاصاً للجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع بالإفتاء وإبداء الرأي مسبباً في المسائل الدولية والدستورية والتشريعية وغيرها من المسائل القانونية التي تحال إليها بسبب أهميتها من رئيس الجمهورية أو من رئيس الهيئة التشريعية أو من رئيس الوزراء أو من أحد الوزراء أو من رئيس مجلس الدولة، وهو ما يضمن أن تباشر الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع اختصاصاً بالبحث المسبق في مدى مطابقة الإتفاقيات الدولية- المطلوب التوقيع عليها أو الإنضمام إليها أو التصديق عليها- لأحكام الدستور وعدم تضمنها ما يصادم أحكامه ومن ثم مشروعية ما يترتب عليها من آثار.
كل تلك المسارات يجوز الدفاع عن الأمن القومي من خلالها، وبها تظهر معه قوة الدولة وحرفية مؤسساتها وأجهزتها، أما الحديث بعد استنفاد كل هذه المراحل والخطوات في سبيل ابرام الإتفاق الدولي الذي يصدر بناء عليه قرارات المنظمات والهيئات الدولية، عن أن هذا القرار من شأنه أن يهدد الأمن القومي ومن ثم يتم اللجوء إلى المحكمة الدستورية العليا للقضاء بعدم الاعتداد به، لهو سابقة خطيرة من شأنها أن تجعل الثقة بالدولة المصرية على الصعيد الدولي على المحك.
وبناء عليه فإن كاتب هذه السطور يرى هناك صعوبة عملية وانعدام للمنطق القانوني في تقرير ممارسة الرقابة القضائية على دستورية قرارات المنظمات والهيئات الدولية على ضوء الحالة الراهنة للتنظيم القانوني الذي يحكم القضاء الدستوري المصري، والذي يجعل من هذه الرقابة رقابة قضائية لا رقابة سياسية.
ولا يمكن – في نظر كاتب هذه السطور – الاحتجاج بما هو مقرر للمجلس الدستوري الفرنسي والذي منحه دستور الجمهورية الخامسة سلطة الرقابة الدستورية على الإلتزامات الدولية، فكما ذكرنا سلفاً أن الرقابة التي يؤديها المجلس الدستوري الفرنسي تمتاز بطابعها السياسي أكثر منه قضائي، وهو إن قرر أن الإلتزام الدولي مصادماً للدستور فكل ما هناك أن قراره سيحول دون تصديق رئيس الدولة على هذا الإلتزام أو الموافقة عليها إلا بعد تعديل الدستور، وهو الأمر المختلف عن النظام الدستوري المصري والذي لا يعترف للمحكمة الدستورية إلا بالرقابة القضائية والتي تبديها بحكم له أسبابه وحيثياته وينتج آثاره من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية. ومن ثم فإذا ما أراد المشرع المصري أن يعدل عن سياسته التشريعية الحالية في التنظيم القانوني للقضاء الدستوري، فإن ذلك يفرض عليه ابتداء أن يستهل منهجيته – في التعديل والتغيير- بتعديل الدستور أولاً، ثم يأتي من بعد ذلك دوره في تغيير القانون المنظم للقضاء الدستوري، ليصدر قانون جديد يحدد ملامح الرقابة الدستورية على وجه صحيح على قرارات المنظمات والهيئات الدولية والتي – في نظر الكاتب – لا يمكن أن تخضع بمفردها للرقابة الدستورية وإنما يكون الخضوع لهذه الرقابة للإتفاقيات التي تمنح هذه المنظمات سلطة إصدار هذه القرارات، والنطاق والمدى الذي تصدر فيها.
وقد يقال أن المعاهدات والاتفاقيات الدولية التي يتم التصديق والموافقة عليها في مصر تأخذ حكم القانون، ومن ثم يجوز فرض الرقابة القضائية على مدى دستوريتها. وهذا القول وإن صح فإنه لا يستدعي – وفقاً له- تدخلاً جديداً من المشرع بالموافقة على مشروع التعديل المقترح فالنصوص الحالية في ذاتها كافية لأداء هذا الغرض، وإن كان كاتب هذه السطور يرى عدم منطقية تصور وقوع هذه الحالة، لأن الدولة المصرية قبل التوقيع أو الموافقة على أي اتفاق أو قبوله أو الانضمام إليه، من المفترض أنها تبحث في مدى اتفاقه أو عدم اتفاقه مع النظام العام للدولة والذي يجسده ويرسم ملامحه الدستور الساري، والذي يحق للدولة بناء عليه ممارسة حقها في ابداء (التحفظ) على أي من نصوص أو أحكام الإتفاق الدولي لاستبعاد أو تغيير الأثر القانوني لبعض أحكام هذا الاتفاق من حيث سريانها على تلك الدولة وذلك وفقاً لما نصت عليه اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات.
وللحديث بقية،،،،