التشريعات الحديثة والدور القيادي للإدارة القانونية في مجال حوكمة الشركات
بقلم: سامح عبدالعال المحامي
لا شك أن الحفاظ على نمو وإستقرار كيان الشركات مرهون بتحقيق التوازن الفعلي في الأداء بين جميع الإدارات التي تعمل لديها في سبيل تحقيق أهدافها وخططها التنموية ، وفي ظل عصر قد كثر به حدوث الكوارث والإنهيارات المالية وظهور العديد من قضايا الفساد والغش في القوائم المالية وخلافه الأمر الذي أدى الي وقوع بعض الشركات -لا سيما ذات النشاط الدولي منها -في مصيدة الإفلاس وفقدان العديد من الكيانات الإعتبارية لأصولها المملوكة وبالتالي إلحاق أضرار بالغة بمصالح المستثمرين والإضرار بإقتصاد الدول الأم وكذلك المضيفة لتلك الإستثمارات وفي ذلك تبقى إدارة الشركة هي المسؤول الأكبر عن حدوث تلك الإخفاقات وتتحمل وحدها عواقبها وعليه نجد أنه في الأونة الأخيرة قد ظهر مفهوم حوكمة الشركات بشكل واسع والذي يتلخص في تطبيق مجموعة من الأليات والإجراءات والقوانين والمعايير التي تُسهم في مُحاربة الفشل المالي والإداري بشكل كبير وتضمن تحقيق الإنضباط والشفافية والعدالة وتفعيل الجودة والتميز في الاداء .
وفي هذا الإطار يتضح جلياً بأن التشريعات واللوائح السارية هي العمود الفقري لتنفيذ مفهوم حوكمة الشركات إذ أن القوانين والقرارات هي التي تنظم بشكل دقيق ومحدد العلاقات بين الأطراف المعنية في الشركات وتحمي الحقوق وتُقر الواجبات حيث تتداخل قواعد الحوكمة مع العديد من القوانين واللوائح النافذة وتخضع لها مثل قانون الشركات،قانون الإستثمار،قانون الضرائب،قوانين البنوك والأعمال المصرفية،قانون الإفلاس وغيرها من القوانين والتشريعات الهامة في مجال الحوكمة وبناء عليه فإن المشرع المصري قد تدارك أهمية مثل تلك القواعد وإنتهج أفضل السياسات المعمول بها على المستوى العالمي في مجال حوكمة الشركات وحماية الإستثمارات وعمل على تخفيف الأعباء و القيود التي كانت مفروضة من قبل وأقر بأنظمة متنوعة تحمي الكيانات المختلفة للشركات من التعرض للإفلاس والإنهيار ونوجز منها ما يلي :
ا- إصدار قانون ضمانات وحوافز الإستثمار الجديد رقم 72 لعام 2017 م والتعديلات عليه في عام 2019م والذي من ضمن مزاياه القضاء على مشكلات تحويل الأموال ومنح الإقامة للمستثمرين الأجانب وضمان إلتزام الدولة بتعاقدتها معهم وإمكانية التوسع وزيادة رأس المال كذلك السماح بإستقدام نسبة محددة من العمالة الأجنبية ،التصدي لمشكلة الخروج الأمن من السوق وإبراء ذمة الشركة خلال 120 يوم من تاريخ بدء إجراءات التصفية،ميكنة جميع الإجراءات بالهيئة العامة للإستثمار بحيث تم وضع ضوابط لسرعة الإنتهاء من إجراءات الإستثمار والتيسير في التعامل مع جهة واحدة فقط ،إقرار حوافز مالية للمشروعات التي يتم تنفيذها في المناطق الأكثر إحتياجاً وحوافز غير مالية لدعم التعليم الفني والعمالة وتمويل البحوث والدراسات المتعلقة بالإنتاج وغيره من المزايا الأخرى.
ب- قانون رقم 4 لسنة 2018م بالتعديل على بعض أحكام قانون الشركات رقم 159 لسنة 1981م والذي يهدف الي إعطاء مرونة أكثر للشركات المساهمة في التعامل مع الأصول في إطار مبدأ الحوكمة والتعامل مع قرارات الجمعية العمومية وعزل أعضاء مجلس الادارة وإختيار جدد وفقاً للكفاءات والخبرات المتاحة وفصل الإدارة عن الملكية ،تحديد ألية وضوابط عقد الجمعيات التأسيسية و العادية والغير عادية و تحديد إختصاصاتها وتقسيم الحصص والأسهم ورأس المال كذلك إقرار الكيان القانوني لشركة الشخص الواحد لتحفيز القطاعات الصغيرة والمتناهية الصغر وإعطاء مرونة لها في التحول لنظام الشركة المساهمة في حال رغبتها بالتوسع وزيادة رأس المال،السماح بالتحول الي نظام الأسهم الممتازة عند وصول الأسهم لنصاب محدد والتي يحصل صاحبها على مزايا في التصويت بمجلس الإدارة وغيرها من القواعد اللازمة في مجال حوكمة الشركات.
ج- إصدار قانون تنظيم إعادة الهيكلة والصلح الواقي والإفلاس رقم 11 لسنة 2018 م والذي يهدف الي وضع أليات تحمي التاجر المتعثر -بشرط ألا يكون سيء النية- من إشهار إفلاسه في حال تعثره عن سداد حقوق الدائنين وعدم كفاية ممتلكاته لسدادها وكذلك حماية أموال الدائنين من الضياع وتحقيق الموازنة حيث تم تحويل جميع النزاعات من هذه النوعية الي المحاكم الإقتصادية دون غيرها لتفصل فيها (إدارة الإفلاس)، ومن مزايا القانون تكوين جداول لخبراء مختصين في إعادة الهيكلة وإدارة إصول التاجر حيث يترتب على تقديم طلب إعادة الهيكلة أو الصلح الواقي وقف طلبات شهر الإفلاس ويستطيع التاجر الإستمرار في إدارة أمواله طوال فترة إعادة الهيكلة وفترة إجراءات الصلح الواقي ،فإعادة الهيكلة هي إجراءات تساعد التاجر على تجاوز مرحلة الإضطراب المالي أما الصلح الواقي فهو طلب يتوقى به المدين إشهار إفلاسه ولكل منهم شروطه وأحكامه الخاصة التي أوردها المشرع بإستحداث نظام الوساطة كما تضمن القانون عملية إعادة الهيكلة المالية والإدارية للمشروعات سواء المتوقفة أو المتعثرة عن الدفع في محاولة لإنقاذها من عثرتها وغدخالها سوق العمل مرة غخرى وكذلك تنظيم عملية خروجها من السوق بشكل يضمن حقوق الأطراف مما يؤدي في النهاية الي بث الطمأنينة لدى المستثمرين ويخلق المناخ الأمن و الملائم للإستثمار .
ولعل هنا تبرز أهمية الدور الريادي الذي تقوم به الإدارة القانونية داخل الشركات في مجال الحوكمة من خلال عدة جوانب أهمها جانب المتابعة والرقابة والتحقيق لإكتشاف أي إنحرافات أو تجاوزات قد تكون موجودة مما يُسهم في تحقيق الإنضباط المالي والإداري والسلوكي في كافة الإدارات وخلق بيئة عمل متوازنة بمنع المسؤولين والمديرين من تجاوز سلطاتهم الممنوحة وتوفير عنصر الثقة لدى المساهمين والمستثمرين الجدد بتفعيل تطبيق اللوائح والقوانين وجانب أخر يتعلق بوضع الأليات والحلول القانونية المناسبة لأي إشكاليات قد تكون مطروحة وشرح تداعيتها على بيئة العمل ووتأثيرها على الكيان الإعتباري بصفة عامة فقد يٌعهد للإدارة القانونية مهام المساهمة في إتخاذ قرارات مصيرية وجوهرية تهدف إلى تحسين وتطوير أوضاع الشركة القائمة أو لتصحيح أي إنحرافات أو إخلالات قد تكون قائمة ومنها على سبيل المثال لا الحصر مهام صياغة وتحديث اللوائح الداخلية للشركة ومهام الضبط والتحكم عبر تطبيق القوانين والأنظمة ذات العلاقة بتحويل الكيان القانوني للشركة أو الإندماج والإستحواذ، والمساهمة في وضع إقتراح لأفضل السبل القانونية لتحقيق إعادة هيكلة الشركة وجدولة ديونها إن ووجدت لتجنب أكبر قدر من الخسائر في حالات التعسر المالي والإفلاس .