الالتزام بضمان سلامة المنتج في العقود الاستهلاكية
بقلم: الدكتور/ وليد محمد وهبه أستاذ القانون التجاري بكلية الحقوق الجامعة العربية المفتوحة
من المعلوم أن القاعدة القانونية هي قاعدة سلوك اجتماعية تعمل على تنظيم العلاقات بين الأفراد في المجتمع وما دامت هذه العلاقات متطورة فلابد من تطور القواعد القانونية التي تنظمها وإلا أصبحت هذه القواعد بمعزل عن المجتمع وفقدت كل قيمة لها واحترام.
وقد كان تطور المسؤولية المدنية المذهل نتاج هذه المقدمة البسيطة ولهذا لم يبالغ الأستاذ سوردا عندما قال ((لعلنا لا نجد في القانون قاعدة أكثر عطاءً وخصوبة من المسؤولية المدنية لكثرة تطبيقها وتنوع صورها)).
إن إقرار الالتزام بضمان السلامة يمثل التطبيق العملي من الناحية القانونية لحق الإنسان في حماية جسده وأمواله جراء عيوب ومخاطر البيع طبقاً للفلسفة السياسية والقانونية التي تسود النظم القانونية المعاصرة وهو الحق الذي أقرته المواثيق والاتفاقيات والإعلانات الدولية الخاص بحقوق الإنسان.
فقد انتقلت العناية بهذه الحقوق من ميدان المبادئ الأخلاقية والنظريات الفلسفية إلى ميدان الممارسة الواقعية وأصبح العمل يجري على إنشاء الوسائل والآليات القانونية اللازمة لتقرير هذه الحقوق وحمايتها.
إذ تتحقق المسؤولية العقدية عندما لا ينفذ المدين التزامه كلياً أو جزئياً وعلى ذلك فأن كل عدم تنفيذ للإلتزام لابد من أن يكون منطوياً على خطأ.
وعلى ذلك فإن المدعي ليس عليه إثبات الخطأ في جانب المدعى عليه ، إنما يكلف فقط بإثبات الرابطة التعاقدية وعدم تنفيذ المدعى عليه للالتزام إلا إذا كان عدم التنفيذ راجعاً لقوة قاهرة أو خطأ المدعي نفسه.
وقد أخذ القانون المدني الفرنسي في المادتين (1137 و 1147) منه بنظرية وحدة الخطأ بحيث تجاوز نظرية تدرج الخطأ التي قال بها الفقيه دوما حيث نصت المادة 1137 على ان ((الالتزام بحفظ الشيء يلزم الموكول اليه ان يبذل فيه عناية الشخص المعتاد)).
فهذا النص وضع معياراً مادياً ينبسط على العقود جميعاً سواء كانت المنفعة احد العاقدين او لمنفعتهما ((فلا عبرة بشخص المدين بل العبرة بشخص معتاد لا تنخفض عنايته الى معيار الرجل المهمل ولا ترتفع الى معيار الرجل الحريص)).
ثم نصت المادة (1147) على ان ((المدين يلزم بالتعويضات اذا كان هناك محل لهذا سواء كان ذلك بسبب عدم تنفيذ الالتزام او بسبب التأخير في التنفيذ في كل مرة لا يثبت فيها ان عدم التنفيذ ناشئ عن سبب اجنبي لا ينسب اليه حتى لو لم يكن هناك سوء نية من جانبه)).
ويذهب جانب من الفقه الى ان المادة 1147 لا تصلح سنداً تشريعياً لنظرية الخطأ لأنها نفسها يمكن ان تفسر بعكس فكرة الخطأ ، فالنص على ان المدين يعوض دائنه في كل مرة لا يثبت فيها ان عدم التنفيذ يرجع الى سبب اجنبي لا يعزى اليه معناه انه اذا لم يفلح في اثبات السبب الاجنبي فأنه يكون مسؤولاً سواء كان عدم التنفيذ ينطوي على خطأ او لا ينطوي على خطأ.
وقد دفع عدم وجود نص تشريعي عام يؤسس المسؤولية على الخطأ الى ان ذهب البعض الى ان المسؤولية لا تؤسس على الخطأ إلا في الحالات المتفرقة في التشريع التي أشار اليها المشرع صراحة فالاصل في المسؤولية ان الخطأ ليس اساساً لها إلا اذا خرج المشرع عن الاصل واستلزم الخطأ بنص خاص.
ازاء قصور الخطأ كأساس للمسؤولية المدنية عن توفير الحماية الكافية للمضرور لاسيما بعد التقدم الصناعي الهائل الذي شهده العالم بما ترتب عليه من ازدياد ((نشاط الافراد من جهة والى تطور المجتمع من الناحية الاقتصادية والاجتماعية من جهة اخرى ، وخاصة لظهور المخترعات الحديثة والمصانع والآلات الميكانيكية التي تعرض الانسان لشتى المخاطر)).
سعى الفقه والقضاء الى التعايش والتكيف مع معطيات هذا التقدم واستشعر بحاسة المنطق والعدل عجز الخطأ كاساس للمسؤولية عن تحقيق مصالح الافراد وفي مقدمته حماية السلامة الجسدية.
لذلك بدأ كبار الفقهاء في تسجيل متغيرات حركة الحياة في المجتمع وكان في مقدمتهم سانكليت في بلجيكا وسورية في فرنسا فقد لاحظ هذان الفقيهان كثرة حوادث العمل وحوادث النقل كما لوحظ عجز قواعد المسؤولية المدنية عن تحقيق الحماية الجسدية للمضرورين نظراً لعدم وجود نص يرتب المسؤولية عن الاشياء لذلك فقد عملاً على ضمان سلامة المضرورين بداية في اطار عقدي العمل والنقل فكانت بداية الالتزام بضمان السلامة.