الاصلاح بين سندان الفساد و مطرقة مقاومى التغيير (1)
بقلم: صابر شعبان أبو على- المحامى
إن شيوعَ الإنحرافِ الفكرى والعقائدى فى مجتمعٍ ما يؤدى إلى مفاسدٍ جمة فى كل مناحى الحياة وهنا يبرزُ دورُ المصلحين فى هذا المجتمع بالدعوةِ إلى اصلاحهِ من خلالِ ترسيخ المبادىء السامية وإزالة ما اعتراهُ من خللٍ فكرى وفسادٍ سياسى أو اجتماعى أو اقتصادى أو إدارى.
فالصلاحُ لغةً هو ضدُ الفسادِ والاصلاحُ نقيضُ الافسادِ أما المعنى الاجتماعي للإصلاح فيعني التغيير إلى الأحسنِ وتحقيق التقدمِ وتحديث المجتمع وهو الحركة العامة الموجهة لإحداث تغيير تدريجي بطيء في المجتمع تستند في التزامها بالتغيير إلى الإرادة الواعية لأفرادِ المجتمع وتهدفُ إلى إزالةِ الخللِ والفساد المنتشر في قطاعات المجتمع المختلفة وتحقيق تكافؤ الفرص والعدالة أمام القانون بين جميعِ الأفراد والفئات المختلفة والعمل على تنمية أساليب المشاركة المجتمعية في بناء المجتمع وتطويره إلى الأفضلِ والتمتع بجميع الحريات المدنية والسياسية وحقوق الإنسان في هذا المجتمع.
ويتميزُ الإصلاحُ عن الثورةِ كون هذه الأخيرة تسعى للتغيير الشامل والجذري في حين أن الإصلاحَ يهدفُ لمعالجةِ بعض المشاكل والأخطاء الجادة دون المساس بأساسيات النظام وبهذا فإن الإصلاح يسعى لتحسين النظام القائم دون الإطاحة به بالمجمل.
فالثورةُ معنى واسع يُغطي أشكالاً عديدةً لاستخدام القوة قد لا تبدو قانونية أو شرعية بالمعنى المحدود ولكنها تهدفُ في النهايةِ إلى إحداث التغيير الفُجائي ومن ثَم فالثورةُ مجموعة من الأحداث تُستخدم فيها القوة بنجاح للإطاحة بحكومة أو نظام سياسي معين وإذا لم تنجح الثورة أُطلق عليها تمرداً أو عصياناً مسلحاً أو انتفاضة أما الإصلاحُ المجتمعى فهو تعديلٌ غيرُ جذري في النظام السياسي والاجتماعي القائم من دون مساس بالقواعد والأسس ويهدف إلى إحداث تغيير في الشكل وتعديل في التفاصيل وإزالة خطأ من الأخطاء ولا يعدو أن يكون محاولة تحسين أو رتق ما هو موجود بالفعل فالإصلاح أشبه بالدعائم التي تحول دون انهيار المبنى.
كثيرٌ من الناس لا يتقبلون التغيير فالخوفُ من التغيير يعدُ سمةً من سماتِ بعض البشر وهؤلاء يمثلون عائقاً كبيراً فى سبيل تحقيق الأهداف المرجوه من الاصلاح وفي رحلة إدارة التغيير في الجانب العملي قد يكونُ الأمرُ صعباً للغاية وكأنك تحرك الجبال.
فكما لكل حربٍ أغنياءها وضحاياها فلكل فسادٍ حوارييه وأنصاره نشأوا فى كنفه واستفادوا من وجوده- أيا كانت وجوه هذه الاستفادة- كما أن له ضحايا ذاقوا مرارته ومنعهم أبسط حقوقهم
والاعتيادُ على الفسادِ واستمرائه أشدُ خطراً من الفسادِ ذاته ذلك أن محاربة الاعتياد أشد وطأة من محاربة الاعتقاد وهذا ما واجهه دعاةُ الإصلاح قديماً وحديثاً سواء كانوا أصحاب رسالات كالأنبياءِ أو أصحاب فكرٍ مناوئ لذلك الفساد
فالقرآنُ الكريم يخبرنا فى العديدِ من الآياتِ عما واجهه الرسلُ والأنبياءُ فى محاربةِ الاعتياد قبل الإعتقاد فقد قال الله تعالى: ( قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ ) الشعراء الآية (74)
وقوله تعالى: (بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا ) سورة لقمان … والآيات فى ذلك كثيرة
والفاسدُ المفسدُ يحرصُ أشدَ الحرصِ أن تكون له بطانة يقتاتون من فسادهِ ويشكلون حائطاً صلداً لمحاولات الاصلاح فهم أدواته لمجابهة دعاة الإصلاح إما بنشر الإشاعات حولهم أو وضع العراقيل فى طريقهم وهؤلاء يمثلون قوى الشر التى تعيق أى محاولة للإصلاح.
فعلى من يتصدى للإصلاح ويحمل لواءه ألا يلتفت لتلك الإشاعات وينحى تلك العوائق جانباً حتى لا يبتعد عن نهجِ الإصلاح وينشغلُ بمعارك جانبية يدفعه إليها المبطلون
فما هى خطوات الإصلاح ومن أين تبدأ وكيف تسير؟
فالحديث عنها موصول إن كان العمر يطول.