الاختصاص القيمي وتعلقه بالنظام العام

بقلم: الأستاذ/ معتز فتحي المهدي

تتنوع اختصاصات المحكمة من حيث الاختصاص الولائي للمحكمة والاختصاص النوعي والاختصاص المكاني أو المحلي والاختصاص القيمي، ولابد أن يكون المحامي قادرا على تمييز الدعوى المعروضة أمامه و ضرورة أن يكون ملما بأنواع الاختصاص حتى يكون قادرا على إسكان الدعوي في محكمتها المختصة حتى لا تتعرض دعواه بالدفع بعدم الاختصاص، وكل أنواع الاختصاص متعلقة بقواعد النظام العام ماعدا الاختصاص المحلي فهو الاختصاص الوحيد الغير متعلق بالنظام العام .

و سوف نتناول في هذا البحث نوعا هاما من الاختصاص وهو الاختصاص القيمي وهو من أهم الاختصاصات فلابد من معرفة قيمة الدعوي و المحكمة المختصة قيميا بنظر تلك الدعوى أو النزاع .

و لابد من تقدير قيمة الدعوى حتى يمكننا معرفة المحكمة المختصة قيميا بنظرها وهناك أسسا لابد من اتباعها حتى نتمكن من معرفة تقدير قيمة الدعوى .

وقد تناولت مواد قانون المرافعات بدءا من المادة 36 إلى المادة 41 أسس تقدير قيمة الدعوي ومن تلك الأسس :

أولا: قيمة ما يطلبه الخصوم لا ما تحكم به المحكمة .

ثانيا: قيمة الطلبات في الدعوي وقت رفعها .

ثالثا: الطلبات الغير مقدرة القيمة .

رابعا: قيمة الحق المطلوب أو جزء منه علي حسب الحالة .

خامسا: ملحقات الطلب الأصلي ومدى تقديرها .

سادسا: العبرة بقيمة الطلب الـكبر قيمة سواء الطلب الأصلي أو الطلب الاحتياطي.

سابعا: تقدر قيمة الدعوي بالطلبات الختامية .

وسوف نتناول بشيء من التفصيل كلا من تلك الأسس .

أولا :قيمة ما يطلبه الخصوم لا ما تحكم به المحكمة نصت المادة 36 من قانون المرافعات علي (تقدر قيمة الدعوى باعتبارها يوم رفع الدعوى ويدخل في التقدير ما يكون مستحقا يومئذ من الفوائد والتعويضات والمصاريف وغيرها من الملحقات المقدرة القيمة، وكذا طلب ما يستجد من الأجرة بعد رفع الدعوى إلى يوم الحكم فيها، وفي جميع الأحوال يعقد بقيمة البناء أو الغراس إذا طلبت إزالته، ويكون التقدير على أساس آخر طلبات الخصوم . ))

و نستخلص من تلك المادة أن العبرة بقيمة الطلب الذي يطلبه المدعي وقت رفع الدعوي وليس بما تحكمه المحكمة فمثلا إذا كان المدعي قد أقام دعواه للحكم له بحق معين كتعويض مثلا قدره مائة ألف جنيه وحكمت المحكمة له بعشرة آلاف جنيه فالعبرة هنا بالحق المطالب به وليس ما حكمت به المحكمة ففي تلك الحالة يجوز استئناف هذا الحكم أمام محكمة الاستئناف .

وقد جاء بأحكام محكمة النقض في هذا الصدد :

((المقرر – في قضاء محكمة النقض – أن الأصل في الدعاوى أنها معلومة القيمة، ولا يخرج عن هذا الأصل إلا الدعاوى التي تُرفع بطلب غير قابل للتقدير، فتُعتبر مجهولة القيمة، وهي لا تُعتبر غير قابلة للتقدير إلا إذا كان المطلوب فيها مما لا يُمكن تقديره طبقاً لأي قاعدة من قواعد تقدير الدعاوى، التي أوردها المُشرع في المواد من ٣٦ إلى ٤١ من قانون المرافعات .))

(الطعن رقم ٣٢٨٥ لسنة ٦٢ قضائية الصادر بجلسة 16/3/2019)

ثانيا :قيمة الطلبات في الدعوي وقت رفعها

تقدر قيمة الدعوي بقيمة الطلبات أو قيمة الحق وقت رفع الدعوى وبناء عليه لا يترتب على التغيير في قيمة الطلب من الناحية الاقتصادية على قيمة الدعوى، فإذا كان الحق المطالب به وقت رفع الدعوي مثلا عشرون الف جنيه فيكون الاختصاص القيمي هنا للمحكمة الجزئية حتي وان زادت قيمة هذا الحق لأكثر من حدود نصاب المحكمة الجزئية فالعبرة في تحديد المحكمة المختصة قيميا هو قيمة الطلب وقت رفع الدعوي، وعلة هذه القاعدة هو ألا يؤدي مرور الزمن أو ارتفاع أو انخفاض قيمة العملة إلى التأثير في مراكز الخصوم أو اختصاص المحكمة.

ثالثا :الطلبات الغير مقدرة القيمة

إذا كانت الدعوى غير قابلة للتقدير، بمعنى أن موضوع أو محل الطلب القضائي لا يمكن تقدير قيمته بالنقد طبقا لأية قاعدة من قواعد تقدير الدعوى التي وضعها المشرع في هذه الحالة يصعب تحديد المحكمة المختصة قيميا بالدعوى أساس أن تحديد نصاب اختصاص المحكمة لا يمكن الوصول إليه إلا بعد تقدير قيمة الدعوى بالنقود وقد واجه المشرع صعوبة تحديد المحكمة المختصة في حالة الدعاوى التي لا تقبل التقدير بالنقود، بأن أورد قاعدة احتياطية عامة تغطى الفروض التي تكون الدعوى فيها غير قابلة للتقدير وهو ما نصت عليه المادة 41 من قانون المرافعات حيث نصت علي ((إذا كانت الدعوى بطلب غير قابل للتقدير بحسب القواعد المتقدمة اعتبرت قيمتها زائدة على أربعين ألف جنيه .)) ويقصد بالطلب غير القابل للتقدير طبقا لنص المادة ٤١، الطلب الذي لم ينص القانون على قاعدة معينة تنظم كيفية تقديره . فالعبرة في تحديد قبول الطلب القضائي للتقدير من عدمه تكمن في وجود قاعدة قانونية تنظم تقديره. وعلى ذلك تعتبر الدعوى زائدة على أربعون الف جنيه، إذا كان المطلوب فيها لا تنظم تقديره أي قاعدة من قواعد التقدير الواردة في قانون المرافعات، وذلك حتى ولو كان هذا الطلب بطبيعته مما يقبل التقدير بالنقود سواء كان ذلك سبب طبيعة الطلب أو بسبب ظروف الدعوى.

والأصل في الدعاوى أنها معلومة القيمة . ولا يخرج عن الأصل إلا الدعاوى التي ترفع بطلب غير قابل للتقدير.

وهو الأمر الذي استقرت عليه محكمة النقض في أحكامها حيث جاء بها :

((المقرر في قضاء محكمة النقض أن النص في المادة ٤١ من قانون المرافعات بعد تعديلها بالقانون رقم ٧٦ لسنة ٢٠٠٧ على أنه يدل على أن الأصل في الدعوى أنها معلومة القيمة ولا يخرج عن هذا الأصل إلا الدعاوى التي ترفع بطلب غير قابل للتقدير، فتعتبر مجهولة القيمة وهي لا تعتبر غير قابلة للتقدير إلا إذا كان المطلوب فيها مما لا يمكن تقدير قيمته طبقاً لأية قاعدة من قواعد تقدير الدعاوى التي أوردها المشرع في المواد من ٣٦ إلى ٤٠ من قانون المرافعات .))

(الطعن رقم ٨٤١١ لسنة ٨٢ قضائية جلسة 25/3/2019)

((المقرر في قضاء محكمة النقض أن مؤدى نص المادة ٤١ من قانون المرافعات – بعد تعديلها بالقانون رقم ١٨ لسنة ١٩٩٩ – أن الأصل في الدعاوى أنها معلومة القيمة ولا يخرج عن هذا الأصل إلا الدعاوى التي تُرفع بطلب غير قابل للتقدير فتعتبر مجهولة القيمة، وهي لا تعتبر غير قابلة للتقدير إلا إذا كان المطلوب فيها مما لا يمكن تقدير قيمته طبقًا لأية قاعدة من قواعد تقدير الدعاوى التي أوردها المشرع في المواد من ٣٦ إلى ٤٠ من قانون المرافعات.))

(الطعن رقم ٨٣٠٨ لسنة ٨٧ قضائية جلسة 8/1/2019)

رابعا :قيمة الحق المطلوب أو جزء منه علي حسب الحالة

إذا كان المدعي قد رفع الدعوى للمطالبة بالحق كله فلا توجد مشكلة حيث تقدر الدعوى بقيم ة الحق كله، أما إذا رفع الدعوى للمطالبة بجزء من هذا الحق فهل تقدر الدعوى بقيمة هذا الجزء وحده أم بقيمة الحق كله؟

للإجابة على هذا التساؤل يجب علينا أن نفرق بين فرضين على النحو التالي:-

١- أن تكون المطالبة بجزء من الحق وليس هناك منازعة حول الحق كله فإن الدعوى تقدر في هذا الفرض بقيمة هذا الجزء فقط، وليس بقيمة الحق كله، فمثلا إذا كان المدعي قد رفع الدعوى للمطالبة بقسط من الثمن أو من الايجار أو القرض الخ فإن قيمة الدعوى تقدر بقيمة هذا القسط وحده.

٢- أن تتعلق الدعوى بجزء من الحق إلا أنه أثيرت منازعة بشأن الحق كله، ففي هذا الفرض تقدر الدعوى بقيمة الحق كله لا بقيمة هذا الجزء وحده، ولذلك إذا طالب البائع بقسط من الثمن إلا أن المشتري آثار نزاعا حول استحقاق البائع للثمن كله فإن هذا النزاع الدائر حول الحق كله يوجب تقدير قيمة الدعوى بالثمن كله وليس بالقسط وحده، فإذا كان القسط المطالب به ٣٠٠٠ جنيه، وكان الثمن على خمسة أقساط فنازع المشتري في استحقاق البائع للأقساط الخمسة فإن الدعوى تقدر بمجموع الأقساط الخمسة أي ب ١٥٠٠٠ جنيه إلا أنه ينبغي أن نلفت النظر إلى أنه إذا كان القسط المطالب به هو القسط الأخير من الدين فإن الدعوى تقدر بقيمة هذا القسط وحده ولو ثار نزاع بشأن الدين كله، ففي المثال المتقدم لو كان القسط من الثمن الذي يطالب به البائع هو القسط الأخير فإن الدعوى تقدر ب ٣٠٠٠ جنيه فقط وهو قيمة هذا القسط ولو كان المشتري قد نازع في استحقاق البائع للثمن كله أو للأقساط كلها.

خامسا :ملحقات الطلب الأصلي ومدى تقديرها

كأصل عام لا تدخل قيمة ملحقات الطلب الأصلي في تقدير الدعوي إلا بتوافر ثلاثة شروط وهي:

1 – أن يكون المدعي قد طالب بتلك الملحقات بجانب الطلب الأصلي .

2 – أن تكون تلك الملحقات مستحقة عند رفع الدعوي أي أن يكون ميعاد الوفاء بها قد حل .

3 – أن تكون تلك الملحقات قابلة للتقدير.

وتطبيقا لذلك قضت محكمة النقض بوجوب إضافة قيمة المباني المطلوب إزالتها إلى قيمة طلب فسخ عقد الإيجار في تقدير قيمة الدعوى ونصاب الاستئناف.

أما إذا كان ت غير قابلة للتقدير فإنها لا تدخل في تقدير قيمة الدعوى، ومثال ذلك طلب التسليم يعتبر طلبا ملحقا بطلب تقرير الملكية، فتقدر قيمة الدعوى في هذه الحالة بقيمة طلب الملكية وحده وهو قيمة العقار المطلوب ملكيته، لأن طلب التسليم وهو طلب ملحق غير قابل للتقدير فلا يدخل في تقدير قيمة الدعوى، وبذلك تتحدد قابلية الحكم الصادر في الطلب الملحق غير القابل للتقدير للاستئناف من عدمه بحسب قيمة الطلب الأصلي، فإذا كانت قيمة الطلب الأصلي في حدود النصاب النهائي للمحكمة التي أصدرته، فإن الحكم في الطلب الأصلي والملحق يكون نهائيا، ويكون الحكم في الشق المتعلق بطلب التسليم قابلا للتنفيذ الجبري المباشر.

سادسا :العبرة بقيمة الطلب الأكبر قيمة

سواء الطلب الأصلي أو الطلب الاحتياطي، تقدير قيمة الدعوى بأكبر الطلبين قيمة الأصلي أو الاحتياطي ويشترط لتقدير قيمة الدعوى بأكبر الطلبين قيمة الأصلي أو الاحتياطي أن يصر الخصم على الطلبين فلا يتنازل عن واحد منهما أو يترك الخصومة فيه، أما إذا تنازل عن أي منهما فإن الدعوى تقدر بقيمة الطلب الآخر الذي يعتبر وحده مطروحا على المحكمة . كما يشترط أن يكون الأطراف في أحد الطلبين هم ذاتهم الأطراف في الطلب الآخر، أما إذا اختلف أطراف كل طلب عن أطراف الطلب الآخر فإن تقدير قيمة الدعوى يكون حسب قواعد التقدير عند تعدد الخصوم.

سابعا :تقدر قيمة الدعوي بالطلبات الختامية

نصت المادة 36 من قانون المرافعات علي ((تقدر قيمة الدعوى باعتبارها يوم رفع الدعوى ويدخل في التقدير ما يكون مستحقا يومئذ من الفوائد والتعويضات والمصاريف وغيرها من الملحقات المقدرة القيمة، وكذا طلب ما يستجد من الأجرة بعد رفع الدعوى إلى يوم الحكم فيها . وفي جميع الأحوال يعقد بقيمة البناء أو الغراس إذا طلبت إزالته . ويكون التقدير على أساس آخر طلبات الخصوم .)) قد نصت المادة سالفة الذكر في فقرتها الأخيرة على أن قيمة الدعوي تقدر بقيمة الطلبات الختامية للخصوم وبناء عليه فإذا كانت الدعوى تقدر في الأصل باعتبارها يوم رفع الدعوى إلا أن الشارع – وقد أجاز للمدعى في الحدود المبينة بالمادة 129 مرافعات أن يعدل أثناء الخصومة من طلباته الواردة بصحيفة دعواه بالزيادة أو بالنقص وأوجب أن يكون التقدير على أساس آخر طلبات للخصوم أمام محكمة الدرجة الأولى.

وقد استقرت محكمة النقض في أحكامها على :

((لمقرر – في قضاء محكمة النقض – أن مؤدى نص المادة ٤١ من قانون المرافعات أن الأصل في الدعاوى أنها معلومة القيمة ولا يخرج عن هذا الأصل إلا الدعاوى التي ترفع بطلب غير قابل للتقدير فتعتبر مجهولة القيمة وهي لا تعتبر كذلك إلا إذا كان المطلوب فيها مما لا يمكن تقديره طبقاً لأية قاعدة من قواعد تقدير الدعوى التي أوردها المشرع في المواد من ٣٦ إلى ٤٠ من قانون المرافعات .))

(الطعن رقم ١٣٦٥٨ لسنة ٨٢ قضائية جلسة 20/9/2018)

تعلق الاختصاص القيمي بالنظام العام

كثيراً ما تثار فكرة النظام العام والآداب سواء لدى الفقه أو القضاء أثناء نظر الدعاوى القضائية، إلا أنه نظرا لمرونة مفهوم ومدلول النظام العام والآداب يقف الكثير أمام بعض القواعد والإجراءات بحسبان ما إذا كانت تعد متعلقة بالنظام العام من عدمه . ورغم كثرة تداول فكرة النظام العام إلا أن الفقه والقضاء لم يتفقا على تعريف حاسم لفكرة النظام العام وإن كان القضاء قد عرفه بشكل مرن دون حسم للتعريف و قد ربط المشرع المصري بين فكرة النظام العام والقاعدة القانونية الأمر الذي تولد عنه تقسيم القاعدة العامة إلى قواعد آمرة وأخرى مكملة .

وقد رتب أثار وأحكام على جعل القاعدة القانونية مرتبطة بالنظام العام فقرر المشرع حماية خاصة للقواعد القانونية المتعلقة بالنظام العام والآداب نظرا لأهميته ودوره الكبير في قيام كيان المجتمع .

** حيث قرر المشرع البطلان على كل اتفاق أو إجراء يخالف النظام العام والآداب وجعل لكل ذى مصلحة حق التمسك به كما يجوز للمحكمة أن تقضى به من تلقاء نفسها ويجوز الدفع ببطلان الإجراء لمخالفته النظام العام في أي مرحلة تكون عليها ولو لأول مرة أمام محكمة النقض بشرط أن تكون عناصره الواقعية كانت مطروحة على محكمة الموضوع وألا يقتضى الفصل فيه تحقيق عنصر واقعى .

وقد قررت محكمة النقض في حكمها الصادر في الطعن رقم 327 لسنة52ق جلسة 22/11/ 1987 (( ولمحكمة النقض من تلقاء نفسها ولكل من الخصوم والنيابة إثارة الأسباب المتعلقة بالنظام العام ولو لم يسبق التمسك بها أمام محكمة الموضوع أو في صحيفة الطعن متى توافرت عناصر الفصل فيها من الوقائع والأوراق التي سبق عرضها على محكمة الموضوع ووردت هذه الأسباب على الجزء المطعون فيه من الحكم وليس على جزء منه أو حكم سابق عليه لا يشمله الطعن واكتسب قوة الشيء المحكوم فيه .

و الاختصاص القيمي متعلقا تعلقا وثيقا بقواعد النظام العام وهو ما أيدته محكمة النقض في أحكامها حيث جاء بها :

((المقرر – في قضاء محكمة النقض – أن الدفع بعدم الاختصاص الولائي أو القيمي أو النوعي يعتبر دائماً مطروحاً على محكمة الموضوع لتعلقه بالنظام العام ولو لم يدفع به أمامها فلا يسقط الحق في إبدائه والتمسك به حتى ولو تنازل عنه الخصوم ويجوز الدفع به لأول مرة أمام محكمة النقض إذا لم يسبق طرحه على محكمة الموضوع كما يجوز لمحكمة النقض أن تثيره من تلقاء نفسها .))

(الطعن رقم ١٩٧٥٥ لسنة ٨٨ قضائية بجلسة 28/1/2019)

(((( و قل رب زدني علما ))))

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى