الإمام الطيب والقول الطيب (21) – في التجديد وما إليه
بقلم : الأستاذ رجائى عطية نقيب المحامين
من تراب الطريق (1189)
نشر بجريدة المال الثلاثاء 28/9/2021
يفرد الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب بابًا من المجلد الأول من ثلاثية « القول الطيب » ، ليخصه برؤيته فى قضية التجديد وما إليه .
والواقع أننى لمست عن قرب ـ منذ انضمامى لمجمع البحوث الإسلامية منذ قرابة عشرين عامًا ، عناية الأزهر الشريف ، وإمامه الأكبر السابق ، والإمام الحالى ، وكبار شيوخه وعلمائه ، بالتجديد فى الفكر الإسلامى ، وبقضية التراث والتجديد ، فضلاً عن تجديد الخطاب الدينى .
وقد عرفت الإمام الأكبر الحالى الدكتور أحمد الطيب ، منذ البدايات ، فقد كان من عيون مجمع البحوث الإسلامية حين انضممت إليه ، وكان آنذاك مفتيًا للديار المصرية ، بعد رحلة علمية عريضة ، حصل فيها على الدكتوراه من كلية أصول الدين ، ودرس فى فرنسا وحاضر فيها ، وهو يتحدث الفرنسية والإنجليزية بطلاقة ، إلى جوار تبحره فى العربية ، وعمل أستاذًا للعقيدة والفلسفة الإسلامية فى جامعة الأزهر ، وتولى عمادة كلية أصول الدين بجامعة الأزهر ، وبالجامعة الإسلامية العالمية بباكستان ، وهو عالم مجدد بطبيعته ، جمع إلى جوار علمه الغزير ، والرؤية البصيرة ، دماثة الخلق ، وزهدًا وأدبًا رفيعًا ، وظل معنا فى عضوية المجمع حين تولى رئاسة جامعة الأزهر بعد دار الإفتاء ، ليتولى بعد ذلك مشيخة الأزهر فى مارس 2010 إثر رحيل الإمام الأكبر الدكتور محمد سيد طنطاوى الذى ربطنى به ود عميق ، وتقدير عظيم ، ومحبة خالصة .
ضرورة التجديد
وأول ما يطالعك فى هذا الملف ، حديث تمهيدى عن ضرورة التجديد ، أصله بحث ألقاه فى مؤتمر عالمى حاشد ، عقد فى القاهرة بين 31 مايو ــ 3 يونيو 2001 ، بإشراف أستاذنا الجليل المرحوم الدكتور محمود حمدى زقزوق ، وزير الأوقاف آنذاك ، حول التجديد فى الفكر الإسلامى ، ولا زلت أحتفظ بالملف الضخم لهذا المؤتمر ، وأحتفظ بين أوراقى بالمحاضرة الضافية التى ألقاها فيه الدكتور أحمد الطيب ، الأستاذ بجامعة الأزهر آنذاك ، حول « ضرورة التجديد » ، ليشير فى محاضرته القيمة إلى أن الغريب أن مصطلح « التجديد » فى الإسلام ، لا يزال رغم الجهود المستمرة ، محفوفًا بقلة فهم البعض ، وبتشكك البعض فى مقاصده ونواياه . وأنه لذلك آثر أن يقدم دراسة بمنهجية علمية تبحث « ضرورة التجديد » فى إطار عناصر محددة : التجديد وطبيعة الإسلام ـ التجديد جوهر التراث ـ من أزمات التجديد ـ ضرورة التجديد المعاصر الذى ازدان سلفًا بأمثال الإمام محمد عبده ، والشيخ أمين الخولى ، ومحمد إقبال وغيرهم .
وقد إنفرد الإسلام عن بقية الرسالات ــ فيما أورد الدكتور الطيب ــ بأنه الرسالة الخاتمة ، وبأن نبيها هو خاتم الأنبياء ، فقال تعالى : « وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ » ( الأحزاب 40) ، وانفرد ثانيًا بأنه رسالة للناس جميعًا تتخطى حدود الزمان والمكان إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها : « وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا … » ( سبأ 28) .
وأن هذه الخاتمية وعموم الرسالة ، قد اقتضيا استمرار رسالة الإسلام إلى آخر الزمان وإلاَّ انقطع عن الناس الهدى الإلهى ، وهذا يستحيل أن يُنْسب إلى القرآن الكريم الذى جاء مطلقًا من الزمان والمكان ، وفيه قال الحق جل شأنه : « هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ » ( التوبة 33 ) . ولهذه الخصائص لم يقتصر نجاح دعوة الإسلام على مكان دون آخر ، فنجحت حيث نزلت فى مهدها الأول ، ونجحت فى بيئاتٍ قصيَّة رغم أنها تختلف لغةً وجنسًا وعرقًا وعقيدة وتاريخًا وحضارة .
ويرشدنا التأمل إلى أن هذا النجاح نابع من صلاحية الرسالة لكل زمان ومكان ، واتسامها بما يوافق طبيعة الإنسان الروحية والمادية ، والتفرقة إزاءها بين « الثابت » على الزمان ، ولا يشكل للناس عنتًا ولا حرجًا ، وبين ما يتغير فى حياتهم مما لا يستطيعون له دفعًا .
والتجديد أو التجدد الذاتى ـ هو التعبير الدقيق عن هذه الخاصية الصالحة لتلبية حاجة الإنسان فى كل زمان وكل مكان ، ولو كان الإسلام نصوصًا جامدة لا تقبل التجديد ، لما كان لعموم الرسالة وخاتميتها معنًى ومقصد ، بل ولفقدت كل مبررات نسخها لما قبلها وخاتميتها أو قدرتها على الاستمرار فى رعاية حياة الناس ومعاشهم ، ولكان قصاراها أن تؤول إلى رسالة روحية حبيسة عن رعاية الحياة المتجددة ، ومن هنا كانت صلاحية الخطاب للتجدد مع تجدد الأزمان والأحوال .