«الإدارية العليا» تحدد 9 آليات لتجديد الخطاب الديني

كتب: أشرف زهران

أصدر الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجي نائب رئيس مجلس الدولة أول وثيقة قضائية في العالم العربي والإسلامي يرجع تاريخها إلى أبريل 2015 بمحكمة القضاء الإداري بالإسكندرية برئاسته بتأييد قرار وزارة الأوقاف المصرية برفض تصريح الخطابة لأحد المنتمين للتيارات الدينية المتشددة في أحد المساجد بمحافظة البحيرة وقد سجلت المحكمة 9 نقاط أساسية لآليات تجديد الخطاب الدينىي، حيث قضت المحكمة الإدارية العليا بانتهاء الخصومة.

وحددت المحكمة 9 نقاط لتجديد أساليب الخطاب الديني: 
 أولا : يجب أن يعتمد تجديد الخطاب الدينى على فكرة أن الإسلام يدعو إلى السلام فى الأرض، فالإسلام دين خير وسلام وليس دين عنف أو عدوان،وقال الله تعالى : ” وَتَعَأونُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَأونُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ” الاَية 2 من سورة المائدة  وقوله تعالى : ” وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ ” الاَية 190 من سورة البقرة , كما أن الدعوة إلى الله تكون بمواجهة الفكر بالفكر  بالحكمة والموعظة الحسنة وليس باستخدام العنف.

كما قال الله تعالى : ” ادْعُ إلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ” الاَية 125 من سورة النحل  .

ثانيا : إن تجديد الخطاب الديني يقتضى إعادة فهم النصوص على ضوء واقع الحياة وما تستحدثه البيئة المعاصرة من مستجدات بحيث تتناسب من روح التطور، وهى سنة الحياة فلا تظل قابعة فى البيئة التي صدرت بها منذ 1442 عاما مع عدم المساس  بثوابت الدين نفسه من نصوص قطعية الثبوت وقطعية الدلالة، فيجب أن يكون أسلوب التجديد فى الفروع فحسب ليكون مواكبا للأحداث الجارية ومتأثرا بها محددا ما هو حق منها، وهذا ما فعله الخليفة الفاروق عمر بن الخطاب حينما أوقف حد السرقة فى عام المجاعة، بل إن الأئمة الأربعة – خاصة الإمام الشافعى – انتهجوا ذات نهج تجديد الخطاب الديني وفقاً للنوازل الجديدة، فقد كانوا يفتون فى كل بلد حسب العرف السائد فى كل منها , فى إطار المبادئ العامة للشريعة الغراء وهو ما يعرف ” بفقه الواقع ” مما يدل على مرونة الشريعة الإسلامية ذاتها وصلاحيتها لكل زمان ومكان .

ثالثا: يجب أن يكون على القمة فى عناصر تجديد الخطاب الديني كذلك معالجة مفهوم ” الوطن ” فى ضوء تحديد حقيقة مفهوم ” الفكر السياسي الإسلامي” وهما المعضلة الشائكة والمسألة المشكلة التي لا يُهتدى لوجهها، للمخاطر التى تواجه الأمة .

رابعا : أن تجديد الخطاب الديني لا يجب أن يكون محصوراً داخل الأمة الإسلامية فحسب – ومصر قلب العالم الإسلامي – بل يتعين أن يتعدى حدود أقطارها إلى خارجها، فتجديد ذلك الخطاب يقتضي أن يشتمل على عدة لغات وهو ما يتفق مع رسالة الإسلام العالمية وليست المحلية، ذلك أن الأصل الصحيح للخطاب الديني الإسلامي أن يكون عالميا موجها للناس كافة ، وليس للمسلمين فحسب، إعمالا لقوله سبحانه وتعالى عن رسوله الكريم حيث بعثه بالرسالة ” وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ” الاَية 107 من سورة الأنبياء، ومن ثم فلا ينصرف التجديد إلى مكان معين أو لون أو جنس أو طائفة دون أخرى، بل  يجب أن يجوب العالم خاصة العالم الغربي الذى كان مستعمرا ومستعبدا للبلاد العربية والإفريقية والإسلامية، فلا يستكين خطاب التجديد قابعا داخل أقطار الدول الإسلامية وحدها، وهو ما يقتضي  إعداد جيل من الدعاة يتقن اللغات الأجنبية وصولا لنشر الصورة الصحيحة للإسلام فى أنحاء العالم .

والحق إنه وإن لم تتحد الدول الإسلامية والعربية خاصة الخليجية منها مع مصر فى العمل على تجديد الخطاب الديني الصحيح والاصطفاف معها، فسوف ينالها لا محالة قدر من هذا التطرف والإرهاب فهو بلا وطن، وحتى ينكشف للأمة الإسلامية والعربية من يريد بها سوءا، ومن ينقلب على مصر فلن يضر الله بها شيئا .

ومبعث اهتمام مصر من خلال علماء الأوقاف والأزهر الشريف – وهى الرائدة فى العالم الإسلامي – الحفاظ على أصول الإسلام الوسطي المستنير مخاطبة البشر أجمعين، ومصر بذلك تؤرخ لدور عالمي وليس إقليميا لأنها تواجه بقوة وثبات وتضحية دعاة الإرهاب والتطرف لحماية الإنسانية جمعاء،  وقيامها بذلك الدور إعمالا للمادة الأولى من  الدستور المصري الذى نص على أن  الشعب المصري جزء من الأمة العربية يعمل على تكاملها ووحدتها ومصر جزء من العالم الإسلامي تنتمي إلى القارة الإفريقية وتعتز بامتدادها الاَسيوي وتسهم فى بناء الحضارة الإنسانية .

خامسا : يجب أن يعتمد تجديد الخطاب الديني على الاعتدال ووسطية المنهج دون إفراط أو تفريط إعمالاً لقوله تعالى : ” وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً ” الاَية 143 من سورة البقرة،  ومن الإعجاز العددي للقراَن أن تقع هذه الاَية وسط سورة البقرة البالغ اَياتها 286 للدلالة على توكيد منهج الوسطية فى الإسلام.

 كما يجب أن يكون تجديد الخطاب الديني موافقا للقلوب وللعقول حتى إذا تلقته تلقفته بالارتياح والقبول، وأن يتسم بالتنوع  لكافة فئات المجتمع فلا يقتصر على فئة دون أخرى، وأن يكون رائده التيسير على العباد لا التعسير عليهم، بحيث يميل إلى الابداع والخلق الجديد للمستجدات،  وأن يبتعد عن الركود والجمود، كما يجب أن يتسم بروح التسامح التى يشعها الإسلام التي تقتضي الاحترام والإجلال والتحاور مع أصحاب الأديان السماوية، فرسالة الإسلام للعالمين تتمثل فى الرحمة التي تحمي ولا تهدد وتصون ولا تبدد .
 
سادسا : يجب أن يتناول خطاب التجديد الديني طريق الوصول عبر تكنولوجيا العصر، وأن يقيم وزنا فى أدواته لشبكة المعلومات الدولية ” الإنترنت” التى أضحت لغة العصر، لتوجيه المجتمعات البشرية إلى الحق والعدل والسلام ،وبدون لغة العصر المشار إليها سيضيع جهد المخلصين والمجتهدين، إذ تواجه تربية النشء صعوبات جمة فى عصر العولمة، وتضاءلت دور الأسرة فى إصلاح الأبناء نتيجة التأثير السحري لوسائل الاتصال المتطورة والكون الفضائى المفتوح .

سابعا : يقتضى تجديد الخطاب الديني مواجهة الفكر بالفكر  خاصة الشباب، ذلك أن الواقع كشف عن أن هناك ثمة تقصير فى مناقشتهم واحتوائهم ولا مرية فى أن قادة الفكر الديني الوسطي، يدركون أنه يجب أن تكون أساليب التجديد للخطاب الديني مرتبطة ارتباطا وثيقا بتطور الحياة ومنبثقة عن تعاليم الإسلام السمح ، ذلك أن التاريخ أثبت أن المذاهب الإسلامية المتشددة لم تستطع أن تخترق مصر على مر تاريخها،  بسبب تشرب علمائها الأجلاء من منهج الاعتدال ، وقد باتوا الاَن ملزمين  بمواجهة دعاة التكفير.

وفى مضمار تعليم النشء روح التسامح والاعتدال  يجب النظر فى المناهج الأزهرية التى تعاقب عليها عدة أنظمة متباينة بحيث تثير آفاق الطلاب نحو قبول الفكر الجديد والاختلاف، الأمر الذى يحتاج إلى تعديل المنهجية الفكرية باعتماد برامج ومعايير جديدة تواكب روح العصر وتؤدي إلى إحياء التعليم الأزهري الأصيل الذى يعمل على إعداد دعاة يفيدون المجتمع فتتلقفهم وزارة الأوقاف وتكمل المسيرة بإعداد الدعاة وفقا للخطط التى تنتهجها فى أساليب التجديد ,  فلا يجب ونحن فى القرن الحادي والعشرين استغلال جهل البسطاء لدى دعاة الفكر المتطرف فى أن تكون  الجنة والنار من المسائل التى تدخل في تقدير العباد، لأنها علاقة خاصة بين العبد وربه لا يطلع عليها سوى علام الغيوب، فالجنة والنار ليست من صكوك الغفران المعقودة بيد البشر بل هى من أخص العلائق بين العبد وربه .

ثامنا : تجديد الخطاب الديني يجب أن يعتمد على أن الدين ليس للعبادة فحسب وإنما الدين يرتبط بالمعاملة ويتصل بالحياة الدنيا كارتباطه بالاَخرة إعمالا لقوله تعالى : ” وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ ۖ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ۖ وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ ۖ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ” الاَية 77 من سورة القصص.

 فالدين المعاملة من مكارم الأخلاق والأمانة والصدق، ويجب أن يتناول تجديد الخطاب الديني كافة مظاهر الحياة , فى المجالات الاجتماعية والاقتصادية والعلمية والثقافية والحضارية، وهذا هو الفهم الصائب المتصل بطبيعة الدين الإسلامي وقدرته الروحية العجيبة على الخلود والخلق والابداع والابتكار والتعايش، فقد عانت الأمة الإسلامية من التخلف الحضارى بسبب الاستقطاب المذهبي المتنافر.

تاسعا : التأكيد على أن  حقيقة تجديد الخطاب الديني ليس تجديداً للدين ذاته -حاشا لله – فلن تجد لسنة الله تبديلا إعمالا لقول الحق : ” سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلُ ۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا ” الاَية 23 سورة الفتح، وإنما التجديد فى الفكر نفسه لأن الفكر يرتبط بمستجدات الحياة، والحياة بطبيعتها تتطور بتتطور الأزمة والأمكنة، فكان طبيعيا أن يتطور الفكر حتى يتلاءم مع الحياة، فضلا عن أن التجديد يكون قاصرا على الفروع فقط دون ثوابت الشرع الإسلامي المقررة بأدلته قطعية الثبوت وقطعية الدلالة والتى تشمل الأصول والمبادئ أو الاعتقاد .

زر الذهاب إلى الأعلى