الأستاذ محب المكاوي المحامي الذي أعرفه
بقلم / الأستاذ مالك الجبيلي المحامي
في منتصف عام ٢٠٠٧ التحقت بمهنة المحاماة ، وبدأ استحقاقي الفعلي لإرث حق الدفاع موروثا عن أجيال وأجيال حافظت عليه وصانته ، واحسب ان توفيق الله عزوجل كان حليفا لي بأن التحق بمكتب الاستاذ يحيي شعبان حفظه الله كان ولا يزال نعم الوالد والمربي والمعلم ، لم تنتهي هذه المسيرة التي عاهدت الله أن اكلمها الي ان يفني الجسد ويكون اللقاء الحتمي ما قدرت لنا الحياة من ايام وسويعات واراها كذلك.
وفي عام ٢٠٠٨ و٢٠٠٩ كانت تتولي إدارة النقابة العامة بحسب قانون النقابات المهنية لجان قضائية إحداها كانت برئاسة المستشار عادل ذكي أندراوس وكان رئيس محكمة استئناف القاهرة ، ثم لجنة أخري برئاسة المستشار السيد عبد العزيز عمر رئيس محكمة استئناف القاهرة ، وكان ذلك في إطار الجدل القانوني بين ان يكون استحقاق المحامون في اختيار من يمثلهم من بني جلدتهم تبعا لقانون النقابات المهنية آنذاك أم قانون المحاماه.
وعلي أثر ذلك التاريخ كانت هناك حركات نقابية متعددة للخروج من الإدارة الحتمية وقتئذ وحتي يتسني للجمعية العمومية اختيار من يمثلها قانونا ، وبحماسة الشباب كنت احب ان اكون جزءا من تلك الفاعليات معتزا بانتسابي لتلك الرسالة والنقابة العريقة ، وحينئذ بدأت معرفتي بالاستاذ محب المكاوي المحامي اليساري كعضو بمجلس النقابة الفرعية بالدقهلية وامين لجنة الحريات بها ، إبان الذهاب والعودة للقاهرة للضغط آنذاك علي اللجنة القضائية للانتهاء من الدعوة للاستحقاق الانتخابي للمحامين.
كان هذا الرجل ممن يقدسون احترام الرأي والرأي الآخر ، وممن لا يسفهون قالة أو قول ، متسع الصدر ، يؤمن بالعمل الجماعي ، ومحنك بالقدر الذي يستطيع أن يقف علي قواسم متعددة تنهي كافة النوازع المتباينة بين أطراف اية أزمة ، شديد الذكاء، لماح الأفق ، عاشق العمل النقابي دون مبارازت أو مساجلات فكرية أو سياسية ، كونه كان مؤمنا بطبيعة الخلاف والاختلاف وان البيت النقابي قد عاشت تحت قبته أجيال وأجيال من القادة والزعماء علي اختلاف توجهاتهم ورؤيتهم السياسية.
فكان نتاج من يتولون المسئولية هو انتاج حقيقي علي طراز فريد من القامات والقمم مهنيا وادرايا وسلوكيا ، ثم مرت الايام الي نهايات عام ٢٠١٠ وكانت فترة من أفضل فترات حياتي تعرضت فيها للعمل في مجال الطعون الإدارية أمام دوائر القضاء الإداري والتي كان من فضل الله علي اني تعلمت فيها الكثير والكثير ومرت بعروقي دماء تلك الرسالة الي آفاق أوسع أمام قضاء المشروعية قضاء مجلس الدولة العريق وسط أجيال كبيرة من عمالقة محامين الدقهلية ، وكان الفارس الواضح الذكي محب المكاوي من هؤلاء والذي لمسنا في ابداعاته واسهاباته دروبا شتي في ايمانه باستحقاقه لحق الدفاع ونضاله في اقتداء حقه ، نيابة عن الأمة المصرية وقتئذ اذا كان العمل الدؤوب في تلك الفترة كما وصفه رئيس محكمة القضاء الإداري بالمنصورة انه كفاح ونضال انيط بوكلاء تلك الأمة المصرية لرفع القزي عن وجه هذا الوطن العريق ، ويستمر الإعجاب بتلك الشخصية علي المستويين المهني والشخصي.
فكان راقيا في مقابلته ، تشعر بوجودك معه بمعية الأخ والصديق والمعلم ، بروح العاشق الذي يتبادل مع رسالته ونقابته أسمي درجات الحب والعطاء ، كان الاستاذ محب المكاوي يتفاني في العطاء مشغولا بهموم المحاماة وتوحيد صفوف ابنائها علي قلب رجل واحد دون تفرقة بغية الحفاظ علي البيت النقابي واعادة ترتيب اولوياته دونما انشغال باستمراره في المجلس النقابي من عدمه.
منذ ايام قريبة هاتفني رحمه الله وكان يقول كل ما نريده ان يكون جهدنا المبذول علي مرأى ومسمع السادة المحامين مستمر لأجيال جديدة تحمل الهم النقابي ، ولا تترك هذا الصرح العريق دونما عطاء يكفل لتلك المهنة عزتها ورفعتها ، كم نحن حزانا علي رحيل هذه القيمة والقامة بقدر ما نحن في أشد الاحتياج الراهن الي تلك القامات ، عاش محب المكاوي ومات بين صراع داخلي في الاعتزاز الكامل والايمان العميق بأهمية التعاون المشترك بين أبناء المحاماة دونما تمييز بالتزامن مع إعادة ترتيب البيت النقابي داخليا.
رحمه الله حينما جاب المحافظات والمحاكم مدافعا عن المحاماه والسادة الزملاء المكروبين علي دوائر المحاكم والنيابات المختلفة ، رحمه الله حينما كان لديه واقرانه من السادة المحامين الرؤية الواضحة في التغيير واضفاء روح جديدة تحمي أموال المحامين وتعيد ترتيب الأولويات الخاصة بكفالة حقوقهم القانونية والنقابية ، رحمه الله كأستاذ للأجيال المتتالية من أبناء نقابة المحامين في محاكم مجلس الدولة علي سعة القطر المصري ، رحمه الله لاستيعابه الكامل للأجيال من الشباب الطامح الذين نتمني علي الله أن نكون منهم وذلك بالرعاية والاهتمام والنصح والمتابعة ، رحم الله محبا كان للمحاماة محبا ولنقابته وحريات وطنه درعا وحاميا وفارسا قلما يجود الزمان بأمثاله .
خالص العزاء لجموع السادة المحامين في فقيدنا وفقيد مصر الكبير ، وانا لله وانا اليه راجعون