الآدمي بين النضج والضمور ! (2)

من تراب الطريق  (1006)

 الآدمي بين النضج والضمور ! (2)

نشر بجريدة المال الأحد 27/12/2020

بقلم: الأستاذ/ رجائي عطية نقيب المحامين

يبرز التفاوت الواضح بين سحن وسلوك الأفراد أقارب وغير أقارب.. وبهذا الحرص الفطري أو الذي يبدو فطريًا قامت الأسر والعلاقات الأسرية ونشأت الصداقات والجوارات والطوائف والمذاهب والملل والنحل والعقائد والأوطان والأمم، وعاشت هذه العلاقات والروابط إلى اليوم في إطار حدودها واصطلاحاتها معرضة دائمًا للقوة والضعف والتماسك والتخاذل والتقدم والتأخر ـ ضمن هذه المعايير النسبية الاصطلاحية المتداولة .

وهذه العلاقات تبدو في ظاهرها اختيارية قابلة للتغيير، لكنها في جوهرها مفروضة تؤدى وظيفتها اللازمة لتكوين العائلات والجماعات صغيرة أو كبيرة التي إن اختفت يختفي معها أفرادها إلى غير رجعة أحياءً وأمواتًا !

وبقاء الأسماء التاريخية للأفراد مذكورة ـ لا يعيد الحياة إن زالت إلى الجماعات وأفرادها، لأن ماضي البشرية متدرج الاختفاء.. يختفي فيه كل فرد بلا استثناء وإن لم يشعر به الآخرون جيدًا بسبب شعور كل منهم بوحدة الأنا طول حياته.. وهو شعور في الغاية من القوة والعنف بانفرادية كل ذات بشرية من لحظة وجودها في الدنيا إلى آخر لحظة واعية من حياتها في جميع أطوارها المختلفة.. أيًا كان مبلغ ذلك الاختلاف ووقته قليلاً أو كثيرًا.. لأنه اختلاف لا ينعدم قط بين الأفراد ريثما وجدوا.. إذ فردية الأفراد في الجماعات الحية متباينة ومتقاربة في آن واحد، وإلاّ انفرطت الجماعات بل ربما لم توجد أصلاً.. فالتباين بين المتقاربين محدود مهما اتسع ـ بحدود يسميها البشر أجناسًا وأنواعًا وطبقات وفصائل وأصنافًا.. أما بين غير المتقاربين فـلا حـدود له في أحياء وغير أحياء.. ربما لأن درجة التركيب فيها لا تحتاج تكوين سلاسل الجماعات الحية أو الشبيهة بالحية اكتفاء بسلاسل السدوم والمجرات والأجرام والنجوم والكواكب والأقمار والمذنبات وما إليها مما يتداول في شأنه تفكير البشر في زماننا عن الكون العظيم.. هذا الكون الذي يشغل الآن اهتمام علماء الفلك وهم بالألوف ويجندون الجيوش من عمالهم المنتشرين في أنحاء المعمورة.. قد عرفنا اليوم المذهل والمعجب مما لم يتصوره البشر من قبل أو يدر بخلد آبائنا الماضين أو الباقين من الضآلة والجسامة والبساطة والتركيب والتعقيد ومن أغوار الأعماق في الكون، وكل ما لم يخطر لنا من قبل على بال مما يُحاول العلماء الآن التنبه والزيادة في استقصائه من ظواهر القوى التي لم نفطن إليها قط في ماضينا الذي تنبهنا الآن لطوله والكثير من أطواره.. علمًا بأن معظمنا لم ولا يلتفت حتى يومنا هذا إلى ما بات فعلاً في متناول البشر من سعة الدراية والفطنة أو العلم الذي يتميز به أهل المعرفة والعلوم الآن في معظم البلاد .

ومن غريب هذا الواقع حتى الآن ضعف الاتصال الجاد بين الغالبية الغالبة من الآدميين وبين أهل المعرفة والعلم الوضعي.. فلم تكد تلك الغالبية تفارق المطامع والشهوات والمعتقدات والخصومات والعداوات.. وربما قد زادت الآن ـ في هذا الباب الخطر ـ عما كانت عليه في الماضي.. لأن هذه المشاعر الجارفة ما زالت على قوتها وربما زادت اليوم بانتشار واتساع أسباب ودوافع هذه المشاعر مع الزيادة الهائلة في سكان الأرض !

زر الذهاب إلى الأعلى