استقلال النيابة العامة والتوازن بين الدولة وحرية الفرد (مقارنة ورأي)
إعداد / محمود أحمد نافع المحامي
المشرع المصري قد أسند مهمة التحقيق إلى النيابة العامة وكذا أعطاها الحق في اتخاذ الإجراءات الماسة بالحرية كأصل عام والتي هي معهود بها في باقي التشريعات إلى قاض مما يحتم علينا البحث في مدى استقلال الشخص الذي يتخذ مثل هذه الإجراءات لما في ذلك من معيار لتحقيق التوازن بين حق الدولة في العقاب وبين حرية الفرد و أصل البراءه المفترض ولكي نحقق هذا التوازن لابد من أن يكون من يتخذ الإجراء الماس بالحرية على قدر كبير من الاستقلال أي لا يخضع عمله للتوجيه وتعليمات الرؤساء وان يكون طليق من أي رقابة سوى الرقابة الإدارية فقط فإذا توافر الاستقلال كنا بصدد توازن بين السلطة والحرية وإذا ما انتفي الاستقلال أدى ذلك إلى الميل بجانب السلطة على حساب حرية الأفراد. وبالنظر إلى وضع النيابة العامة وأنها المنوط بها القيام باتخاذ الإجراءات الماسة بالحرية في مرحلة التحقيق نجد أنها لا تتمتع بالاستقلال الكافي الذي يجعلنا نضع بين يديها إجراء آت التحقيق بأكملها وذلك لأن عضو النيابة يخضع الرقابة والتوجيه من رؤساءه ثم للنائب العام كما أن للأخير الحق في سحب التحقيق من عضو نيابة ويعهد به إلى آخر مما يجعل عضو النيابة والذي يتخذ أهم الإجراءات الماسة بالحرية ليس على استقلال تام مما يهدد التوازن بين السلطة وحرية الفرد وبالنظر إلى النظم المقارنة نجد أن منها من جعل التحقيق في يد قاض فقط والنيابة قاصر دورها على توجيه الاتهام مثل فرنسا ومنها من جعل التحقيق الابتدائي بيد الشرطة إلا ان الإجراء الماس بالحرية قاصر على القاضي فقط ومنها من جعل التحقيق بيد النيابة العامة إلا ان الإجراء الماس بالحرية لا يتخذه الا قاض وقد اتبع الشارع الألماني ذلك.
فكل هذه النظم قد سجلت بأن النيابة العامة بطبيعتها ودورها لا تتمتع بالاستقلال الكافي لكونها تتبع مبدأ التبعية والتدرج لذا كانت قد حرصت على أن يكون الإجراء الماس بالحرية صادر من القاضي لما يتمتع به من استقلال لايتوفر لعضو النيابة
لذا نحن نرى لتحقيق التوازن أن يأخذ التشريع المصري بإحدى السبل الموجودة بالتشريعات المقارنة والسبيل الأمثل للنظام الإجرائي المصري أن يظل التحقيق من اختصاص النيابة العامة إلا أن الإجراءات الماسة بالحرية يكون اتخاذها قاصرا على القاضي.