إجراءات التحكيم في المنازعات العقارية

بقلم الدكتور/وليد محمد وهبه أستاذ القانون التجارى كلية الحقوق الجامعة العربية المفتوحة

من المقرر قانوناً، ووفقا لحكم المادة / 11 من قانون التحكيم رقم 27 لسنه 1994، انه يجوز التحكيم في كل مسألة يجوز فيها الصلح ، فطالما انه يجوز لطرفي اية علاقة عقدية أو غير عقدية، ان يصطلحا بشأن اى نزاع ينشأ عن هذه العلاقة، فيجوز لهما الاتفاق علي التحكيم بشأنها. ويكون النزاع قابلا للصلح إذا لم يكن متعلقا بقاعدة آمرة متعلقة بالنظا…م العام، إذ أن الصلح يرد علي حقوق تخص طرفيه فقط ولا تتعلق بالنظام العام، أما اذا كانت الحقوق المتنازع عليها تتعلق بالنظام العام فلا يجوز لطرفيها التصالح بشأنها ومن ثم لايجوز لهما الاتفاق علي التحكيم للفصل في منازعاتها.

وعلي ذلك، فان جواز الاتفاق علي التحكيم في مسألة معينة يتوقف علي جواز الصلح بشأنها لعدم تعلقها بالنظام العام من الناحية الموضوعية، فجميع مسائل الاحوال الشخصية، دون اثارها المالية، وكل المسائل الجنائية، دون اثارها المالية، لايجوز فيها التحكيم لانها متعلقة بالنظام العام من الناحية الموضوعية ومن ثم لايجوز فيها الصلح .

ولكن هناك مسائل لاتتعلق في ذاتها بالنظام العام من الناحية الموضوعية ومن ثم يجوز فيها الصلح، ولكنها تتعلق بالنظام العام من الناحية الاجرائية، وذلك فيما يخص الاجراءات الواجب اتباعها في رفع الدعاوي المتعلقة بها، بحيث يكون رفع دعوي تحكيمية بشأنها فيه مخالفة لقاعدة إجرائية متعلقة بالنظام العام أو التفاف حول تلك القاعدة؟!

والجدير بالذكر أن عدم جواز التحكيم في مسألة تخالف النظام العام يسري علي مخالفة المسألة للنظام العام موضوعيا واجرائيا، ومن ثم فإذا كانت الدعوي التحكيمية تخالف قاعدة إجرائية متعلقة بالنظام العام فإنه يتعين الحكم بعدم قبولها، ومن أمثلتها دعاوي شهر الافلاس، فلايجوز اللجوء إلى التحكيم بدعوي شهر افلاس، فلا يقضي بشهر الإفلاس الا بحكم قضائي وليس بحكم تحكيمي، وان كان من الجائز، وفقا لحكم المادة /644 من قانون التجارة رقم 17 لسنه 1999 اللجوء إلي التحكيم بعد صدور الحكم بشهر الافلاس وأثناء متابعة أمين التفليسة لاجراءاتها، حيث تنص هذه المادة علي أنه:”يجوز لقاضى التفليسة بعد أخذ رأي المراقب وسماع أقوال المفلس أو أخطاره، أن يأذن لامين التفليسة بالصلح أو بقبول التحكيم في كل نزاع يتعلق بالتفليسة، ولو كان خاصا بحقوق أو دعاوي عقارية ”

ويبدو أن المشرع كان متحسبا لإثارة الخلاف حول جواز التحكيم في الدعاوي العقارية من عدمه فنص عليها صراحة قطعا لدابر أى خلاف، فاجاز التحكيم في تلك الدعاوي، ولكن تجدر الاشارة إلي أن التحكيم فيها سيخضع لما سنسطره في هذا البحث من أحكام.

ولكن ما الحكم بالنسبة للمنازعات العقارية، هل يجوز اللجوء إلي التحكيم للفصل في هذه الدعاوي التى تخص هذه المنازعات ؟
نشير بداية، وقبل الإجابة علي هذا السؤال، إلي أن الدعاوي المتعلقة بالمنازعات العقارية تنقسم إلي دعاوي شخصية عقارية، ودعاوي عينية عقارية. وسواء تعلق الأمر بمنازعات عينية عقارية أو شخصية عقارية، فإنه يجوز الصلح في الحقوق المتنازع عليها محل تلك الدعاوي، لأن تلك الحقوق في ذاتها لاتتعلق بالنظام العام من الناحية الموضوعية، إذ أنها تخص مصالح خاصة ولا تتعلق بمصلحة عامة، حتي لو كانت هذه المصالح تتعلق بقاعدة آمرة، إذ أن القاعدة الآمرة في مثل هذه الحالة لاتتعلق بالنظام العام . وتجدر الإشارة في هذا الخصوص إلى أن هناك إتجاه تشريعي حديث أحدث تطوراً فى فكرة القاعدة الآمرة ،ورد النص عليها في المادة / 2 من قانون رقم 17 لسنة 1999 ، حيث اعتبر المشرع في هذه المادة أن القاعدة الآمرة لا تكون متعلقة بالنظام العام إذا تعلقت بمصالح خاصة،أما إذا تعلقت القاعدة الآمرة بالأسس العامة للمجتمع فإنها تكون متعلقة بالنظام العام، مثل الجنسية والأحوال الشخصية والمسائل الجنائية، وكون الإسلام هو دين الدولة، واللغة العربية هي اللغة الرسمية، ونظام الحكم هو الجمهورى.فإذا نظرنا إلى المنازعات المتعلقة بالعقارات من زاوية جواز أو عدم جواز الصلح بشأنها، فإننا نقول أنه يجوز الصلح فيها لأنها لاتتعلق بالنظام العام من الناحية الموضوعية. ولكن هل الدعاوي المتعلقة بهذه المنازعات تتعلق بقواعد إجرائية من النظام العام، ولا يجوز مخالفاتها، وبالتالى لايجوز التحكيم بشأنها ؟

للإجابة علي هذا السؤال يتعين التفرقة بين الدعاوى العقارية التى استلزم المشرع القيام بإجراءات معينة قبل رفعها ولم يرتب جزاءا إجرائيا علي عدم القيام بها والدعاوى العقارية التي استلزم المشرع القيام بإجراءات معينة قبل رفعها ويترتب جزاءا إجرائيا علي عدم القيام بها
وهذا ما سوف نبينه فى المقال القادم إن شاء الله

زر الذهاب إلى الأعلى